ازدهرت الأغنية السياسية الكردية مع تصاعد وتنامي النضال والكفاح القومي للشعب الكردي أوائل القرن العشرين الماضي، والذي تجسد بقيام الثورات والإنتفاضات المسلحة في العراق وتركيا وإيران احتجاجًا على سياسة الإضطهاد القومي التي انتهجتها ومارستها الحكومات الرجعية المعادية للحقوق القومية العادلة للأكراد .
وفي الحقيقة أن النشأة الأولى للأغنية السياسية الكردية تعود إلى عهد أسبق، فمع تسخير الفلاحين والكادحين من قبل الإقطاعيين وملاك القرى ولدت أغنية ذات سمات شعبية واضحة يمكن اعتبارها التأسيس لانطلاقة الأغنية السياسية في المجتمع الكردي .
وهذه الأغنية من حيث الشكل والبناء الموسيقي ذات ايقاعات بسيطة، وضعت لتناسب الذوق الشعبي والنشاطات التي يقوم بها الفلاحون في الحقول، ومن حيث المضامين تتسم الأغاني الشعبية الكردية المبكرة بأنها صوّرت معاناة الفلاح الكردي في ظل واقع القهر والإستغلال والظلم، ونزوعه إلى التحرر من الجور الطبقي والإضطهاد القومي .
ولكن هذه الأغاني غير مدونة، لذلك فهي تختلف في شيوعها عن الأغاني السياسية المدونة التي يجمعها أكثر من وشيجة، وفي مقدمتها المضامين الديمقراطية والروح التقدمية النضالية .
ومما يروى عن الإرهاصات الأولى للأغنية السياسية الكردية أن الفنانة فرحة (أم جمال ) هي أول امرأة كردية أنشدت الأغاني السياسية تمجيدًا للشيخ محمود الحفيد والشيخ سعيد بيران أحد قادة الثورة الكردية في كردستان تركيا العام 1928 . وقد تم إتلاف هذه الأغاني السياسية العاطفية التي غنتها وكانت تبث في الإذاعة الكردية، من قبل زوجها الذي اشترط عليها قبل الإقتران بها الإمتناع والكف عن الغناء والإنشاد . ومن أبرز أغانيها التي شاعت وانتشرت أغنية " المترنحة" .
وتأثرت الأغنية السياسية الكردية في تلك الفترة بالأحداث الجارية وتجاوبت معها، وترددت على ألسنة الكرد بعد الإنتفاضات التي اندلعت في منطقة ديرسم وغيرها من المناطق .
وللأكراد في سوريا دور بارز في إحياء التراث السياسي للأغنية الكردية قديمًا وحديثًا وفي تطوير أشكالها ومحتواها ومضامينها .
وبعد الأربعينات حدثت نقلة نوعية في مضامين الأغنية السياسية الكردية، وغدت أكثر وضوحًا وواقعية، بل أكثر تقدمية، وأصبح فيها أسلوب النضال والكفاح الصائب، وصارت الجماهير صاحبة الكلمة الأولى، وتم تجاوز الندب والتفجع، وإثارة أحاسيس الناس بالكلمات الفخمة الطنانة، وبدلًا عن الأسى والنوح والبكاء على ما حدث من مآسٍ وأهوال، طغى التفاؤل المفعم بالثقة بالنصر .
وباختصار يمكننا الإستنتاج أن مضامين الأغنية السياسية الكردية في تلك الحقبة أصبحت أقرب للواقعية، وأكثر وعيًا لمتطلبات الثورة .