الذاكرة المكتوبة والمجسدة "عنوان المعرض الجماعي الذي افتتح يوم فاتح من أكتوبر الجاري بغاليري "كانت" بمدينة طنجة وذلك بتنسيق مع المعهد الثقافي الفرنسي بالمدينة وسيستمر إلى غاية نهاية الشهر .
ووسمت ثيمة الذاكرة اللوحات المعروضة على اختلاف منابع اشتغال الفنانين العارضين، فالفنان المغربي سعيد المساري المقيم في اسبانيا والذي بادر بفكرة المعرض وموضوعته أيضاً يعتبر أحد المنشغلين بتجاويف الذاكرة عبر حفر تداعياتها وتجلياتها كما يرى الناقد والكاتب المغربي شرف الدين مجدولين عن مسار المساري الفني :
"لعل اختيار سعيد المسّاري منذ البداية لفن الحفر وتفريعاته الغرافيكية، وفنون الخط، جعل مصاحبته لعوالم “القول” و”الوِرَاقَة”، قرينة التأمل في مآلات ما يتبقى بعد استقامة المعنى بين دفتي سِفْرٍ جامِعٍ : الشظايا والفتات والمُزَق والغبار الشاهدة على الإكتمال والنهاية والزيادة عن الحاجة . فَائِضٌ مندور للمحو، هو خامَةُ الوَرَّاقِ المعاصر، بإعادة عجن البقايا وتحويلها لسطح ، وتَحَوُّلَهُ من أصول شتى، متباعدة في الزمن، قبل أن يصهرها الماء، ويغسلها من ذاكرتها القديمة، في النهاية يدين الفن المعاصر، في جزء كبير من منجزاته، إلى مبدأ إعادة تدوير العاطل، ومنتهي الصلاحية والمتلاشي، وهو العمل الذي تتكامل فيه مهارات المسّاري لإنتاج سند من بقايا ورق الطباعة، لأعمال الكولاج والنحت والرسم والصباغة والتركيب.. في سعي دائب إلى اقتراح أساليب مستحدثة منحازة لعقيدة الفن المعاصر، مهووسة بأسئلة الزمن والجغرافيا وانزياحات اللغة والانتماء" .
فيما الاديب عبد القادر الشاوي- الذي تعد تجربته الأولى في الظهور للجمهور كتشكيلي وإن كان اهتمامه بهذا الفن لم يكن حديثا، بل سبق له أن صمم اغلفة كتب بعض الادباء المغاربة كالشاعر عبد اللطيف اللعبي، والشاعر مصطفى مفتاح، وغيرهما، فضلاً عن تصميمه لأغلفة كتبه الخاصة كمؤلفه "مديح التعازي" وأظمومته الشعرية "بالنيابة عني "-لا يحيد عن تعقبه للذاكرة، فبين" كان واخواتها " كأول عمل روائي خرج من خلف اسوار السجن عام 1986 " الى أحدث رواية له "التيهاء " بيداء لذاكرة الشاوي، فكلما دنا من نبع سغُب، تسعفه المفردة ويخونه الحنين كفعل ماض ناقص، لذا راهن على اللغة كمحفز للإستذكار عن طريق الكتابة إذ يرى أنه في كذا تحبير مجال لترك الذاكرة على غيها لذا لا يمكن إدراك أن ما تستذكره هذه الذاكرة حصل بالفعل أم مجرد قياس استيهامي لحصول الفعل ؟؟
لذا لا بد من التساؤل هل يتوارى الاديب وراء السرد للاحتماء من خيانة الذاكرة ؟ من يخون الآخر هل الذاكرة ام السارد ؟ وهل انضاف التشكيلي عبر اللون الحركة والاشكال ليجسد ذاكرة ما بتعبيراتها المتعددة ؟
فكلٌ يقبض على ذاكرته من زاوية التقاطه ، فالاسباني "برنابي لوبيز غارسيا" المتخصص في العلوم السياسية والذ ي عاش بطنجة وسنحت له اقامته بالمغرب التجوال في فضاءآتها المختلفة متأبطا دفتر ملاحظاته البصرية، فكان ينقل انطباعاته المجالية بلوحات مرسومة بالصباغة المائية، إذ يمكن ان ندخل أعماله إن شئنا ضمن فن الرحلة حيث تم عرض الدفاتر التي تضم رسوماته في اطار زجاجي وسط قاعة العرض الى جانب نسخ الرسومات وعرضها كلوحات مصورة .
أما الفنانة الامريكية المقيمة بطنجة ايلينا برنتيس فاتخذت من السماء وسحبها وانعكاساتها وشائج لنسج ذاكرة نائية جغرافيا دانية وجدانيا تقبض عليها في لوحاتها تعبيرية تحمل الكثير من الضباب ورذاذ الحنين .