التلاقح الثقافي والحضاري في رواية "قهوة بالحليب على شاطئ الأسود المتوسط"

2022-04-28

دعماً للأقلام الشابة الواعدة ننشر هذا الموضوع/

قهوة الرحاب

قلة هي الأعمال الأدبية التي يقرأها قارئ ويحب أن يشاركها مع أعز الناس لديه، ذلك ما حدث لي بعد قراءة رواية "قهوة بالحليب على شاطئ الأسود المتوسط"  للأستاذ الكبير الداديسي، فما أن قرأت آخر سطر فيها بلهفة حتى وجدتني أتوسل لأمى وأختي وبعض صديقاتي وأطلب منهن الإسراع بقراءتها...

رواية قهوة بالحليب على شاطئ الأسود المتوسط تشد إليها القارئ انطلاقاً من عنوانها ولوحة غلافها، أما مضمونها ورسائلها فتلك قصة أخرى...

يحيل العنوان على معاني كثيرة، وتحكي الرواية قصة الشاب الأسود مامادو الفار من جحيم الصراع السياسي بالكوت ديفوار في قلب إفريقيا الغربية، وقصة الشابة  البيضاء الجميلة الهاربة من الحرب بسوريا، ليلتقيا بالمغرب بعد مسلسل شاق من الصراعات والمشاكل... وتنجح هذه الأرض الطيبة المباركة في تخفيف معاناتهما ودمجهما بعد محاولات عديدة للهجرة السرية ...

من حين لآخر تعود الرواية لتذكرنا بمآسي البطلين وكيف كانت ميادة السورية تعيش حياة الترف إلى جانب زوجها الجندي باسل، الذي كان له صيت في الشام، قبل أن تهب رياح الربيع العربي فتغير حياتها بتعرضها للاغتصاب، واغتصاب زوجها وتمريغ  رجولته في التراب أمام ناظريها، من طرف مجموعة من الأشخاص جزوا راسه ونكلوا بجثته  يريدون جعله عبرة لكل الجنود الذين يخدمون نظاماً يفتك بشعبه، فصارت كل أمنيتها أن تلتحق بزوجها، فصارت تتوسل مغتصبيها بقتلها إلاّ أنهم أبوا،  وتركوها للضمير ينهش عرضها وجسدها  معتبرين قتل امرأة معابة في حقهم، في حين هتك عرضها واغتصاب زوجها هو قمة الرجولة (أقصد الذكورة)، فلم تجد أمامها بعد تراكم مآسيها، سوى الفرار والهروب من ويلات الحرب الطاحنة في سوريا وخاصة بعد أن هزها خبر رجم صديقةً لها - كانت هي الأخرى زوجة جندي- حتى الموت ونعتها بالفاسقة الخائنة،   فبات نفس المصير يتراءى لميادة في الحلم واليقظة، وكل حين تعتبر أن دورها قادم لا محالة... ففرت مع ابنتها لمياء من حماة مسقط الرأس والقلب، إلى المغرب مروراً بمجموعة من الدول التي عانت فيها الويلات من بينها مرض ابنتها ولولا لطف الله لكانت فارقت الحياة، وتكفل جمعية مدنية بالمغرب بمداواتها ....

في شمال المغرب وبالضبط في مدينة مارتيل التقت ميادة بمامادو الفتى الأسمر القادم من ساحل العاج هارباً من حرب ضروس بين الساسة في بلده، طالت القبائل، ليكتشف بعد عودته إلى بيته ذات يوم أمه ميتة وقد شق بطنها وجز رأسها... حاول نسيان الحدث والمكوث في بيته، لكنه لم يستطع، فقرر رفقة بعض الأصدقاء الهجرة شمالاً وهو يحلم بمعانقة الحياة من جديد، وبعد عدة مصاعب اعترضته وهو يقطع الصحراء الكبرى ويفقد عدد عن أصدقائه  حيث لم يمكث معه إلّا صديقه "كانو"... فتعاهدا على الإخلاص وحاولا الوصول إلى المغرب على اعتباره بوابة أوروبا و.... بعد خوضهما لمجموعة من الصعاب تمكنا من الوصول إلى شمال المغرب وفيه التقى بميادة وصارت حبيبة القلب رفقة ابنتها لمياء...

على الرغم من مشاعر الكراهية والعنصرية التي تربى عليها كل واحد منهما : فقد كانت ميادة تحتقر أصحاب البشرة السوداء، وكان ممادو يحتقر العرب... لكن الحب لا يعترف بالألوان، وساعدهما تكيفهما مع أجواء المغرب على تخفيف حدة الكراهية والتشبع بقيم التسامح لينتصر الحب والتسامح على العنصرية... وبالتدريج بدأت تتخلى عن عنصريتها فوهبته نفسها وقررا مغادرة المغرب اتجاه اسبانيا لكن محاولتهما الأولى باءت بالفشل وقوّتْ علاقتهما أكثر، بعد أن فقدت ميادة فلذة كبدها لمياء ولم تجد العزاء إلّا في مامادو الذي أخلص لها ووقف إلى جانبها...  وبعد مدة قرّرا الزواج ليختلط حليبها بقهوته ويشكّلا  قهوة بالحليب في إشارة إلى لون بشرتهما، ويشتغلان عاملين عند عمي بوعمامة ذي الأصول الجزائرية والمشارك في حرب الجولان ضمن كتيبة مغربية،  حتى إذا تمكنا من جني بعض المال حاولا الهجرة سرّاً مرة أخرى لكن القدر كان أكبر منهما،  وكانت يد الرحمان قادرة على انتشالهما من جوف البحر ورميهما على الشاطئ ليضطرا إلى العودة إلى عملهما في مطعم عمي بوعمامة الذي سيجود  عليهما بغرفة تأويهما ويقرران العيش فيه قانعين بمصيرهما  وعدم محاولة الكرة مرة أخرى...

 انجبا "لمياء" ثانية التي تعلق بها عمي بوعمامة واعتبرها بمثابة الحفيدة التي عوضتها فقد ابنته، والبلسم الذي يخفف من حدة معاناته من مرض الفشل الكلوي الذي كاد ينهي حياته، وتقوت علاقته بهذه الأسرة بعدما تبرعت له ميادة بكليتها... وعاش معهم دهرا من الزمن قبل أن يغادرهم إلى الرفيق الأعلى تاركا وصية تورّث الحفيدة مِلكية المطعم. وتستمر حياتهما في هناء قبل أن يكتشفا خيوط خيانة نسجها "كانو"   صديق مامدو مدعيا أحقيته بامتلاك نصيب في المطعم بعد  غيرته من نجاح صديقه وخروجه هو خالي الوفاض بعد كل تلك الرحلة الطويلة والشاقة

 

  هكذا تكون رواية قهوة بالحليب قد قدمت للقارئ دروسا في معنى الوطنية، والتسامح والتضحية والتلاقح الثقافي والحضاري بين إفريقيا والعالم العربي والدور الذي يلعبه المغرب في تكريس هذا التلاقح .

 

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved