(*)
للقاص والروائي ياسين شامل : حضوره السردي الدؤوب، وهو في مشغله السردي، يغرس شخوصه في أمكنة ٍ متشققة من مكان واحد هو البصرة . لكن لهذه الواحدية المكانية ثراءها المتجدد . وهو في الغالب لا يذكر، الأمكنة بأسمائها، لكنه يوصلنا أليها، من خلالها ملامحها الموصوفة سرداً وموضوعات القاص والروائي شامل بتوقيت ما يجري في الراهن العراقي. أقول ذلك من خلال مواكبتي الدائمة لنتاجه الثر .
(*)
تنتخب قراءتي ما يلائم مجساتها، وهي تعوم في الفضاء القصصي (كرسي بالمقلوب)
(*)
الغبار :
في (مستنقع) (كنت أقوم بغسل السيارات، كنت مخلصاً في دعك زجاجها حتى إزالة أية ذرة غبار، كأنما أزيل الغبار عن شيء آخر، حتى تنعكس ملامح وجهي عليه، بوضوح سافر . أما في هذه الأيام أراها مشوهة آلت إلى الضمور/ 72) هنا فاعلية تراسل مرآوي، وثمة عمل بصيغة إستعارة .
(كأنما أزيل الغبار عن شيء آخر)
(*)
في (وجه أحمد العراقي) يخبرنا السارد المشارك عن أمه (صورة الزفاف المعلقة على الجدار، تقوم كل يوم بمسحها من الغبار، حتى تصبح برّاقة إثر سقوط ضوء المصباح مباشرة عليها، تبقى تتأملها باشتياق، تنتظر رؤيا سوف تتحقق طالما حلمت بها/ 57) هنا التراسل المرآوي يقوم بتهيئة المجال لما سوف لن يحدث، وفي مستوٍ ثان، فأن الأم تجلو غباراً عنها هي لتحافظ على تماسكها وبشهادة الأبن نفسه (لطالما أثنى جدّي على نشاطها، وتحملها الكثير من أقدار الزمن المؤلمة) وينتقل التراسل المرآوي إلى مستوٍ ثان تجسده الجملة التالي بين الرجل الهارب والفتى (إن الذين ضيعوا أبوك،هم الذين مزّقوا قميصي/ 62) هنا انتقل القميص، من الثابت إلى المتحرك، فقميص الأب كان ثابتا في الخزانة، لكن الابن جعله متحركا..
وحركية القميص هي التي تعيد الأب إلى الحضور بعد سنوات، من خلال تراسل خيطي يفعّل تراسلا مرآويا في نهاية القصة (أحمد يرتدي قميص أبي الذي جلبته له منذ سنين) (الشخص الذي قررتُ أن أسلمّه الرسالة، كان وجهه وجه أبي) ومثلما يعود الأب يعود منصور في (أرضٌ ساخنة.. امرأة ساخنة).. والتراسل المرآوي يأخذ سمة ً جميلة ً في (إمرأة) من خلال منشطات المتخيل السردي، يصبح الكائن النصي كائنا حيويا فاعلا في حياة القارىء لذاته . وهناك التراسل المرآوي في (مناديل ملونة) فالرجل الكبير يرى نفسه في الصغير الذي هو المؤلف، والرؤية يكون مفتاحها مفتاحين : ملامح الطفل تشبه شخصا يعرفه الرجل (..الأمر الذي أبهرني أن تلك الملامح أعرفُها . فهذا الطفل يشبه ُ أحداً ما أعرفه ُ جيدا كان بهذه الهيئة قبل أربعين عاماً . أقتربت منهُ . زاد الشبه . ربما كنت أنا في ذلك الزمن المنصرم).. والمفتاح الثاني هو السؤال (سألته : ما اسمك يا ولدي ؟ رد ونشيجه أخذ يرتفع قليلا : اسمي ياسين/ 18) هنا يسأل الرجل نفسه ( ما الذي يجري، الاسم اسمي، ملامحه ربما ملامحي) .
(*)
الماء : شخصية سردية لها مساحاتها في القصص . يكون وامضاً في (مطر أحمر) .. (عبرنا الجسر الذي أقيم على الشط/ 5) يتحول الجسر من الومض إلى سيادة الحضور في (رؤيا) وهنا يحدث تراسلاً مرآويا بين القصتين (مطر أحمر) و(رؤيا) يعلنه السارد (وكلّما توجّه نظري نحو ماء النهر أراه رائقاً، فقد ترسّب اللون الأحمر في القاع، أسراب الطيور تمر عليه/ 10) وما بين القوسين إيماءة إلى نقلة زمانية من الحرب إلى السلام .
(*)
الأب الغائب في (أرواح) يتراسل مرآويا مع الأب في ( وجه أبي) والتراسل مع الغياب إلى الحضور وهذا ما يعلنه صابر في نهاية قصة (أرواح) (لعل أبي سوف يعود قريبا / 44) وفي قصة (وجه أبي ) تكون النهاية هكذا (وعندما اقتربتُ من الشخص الذي قررت أنّ أسلمه الرسالة .
كان وجه أبي/ 56)
(*)
وهكذا تنتهي قراءتي التي حاولت لظم خرزات التراسل المرآوي في خيط واحد . لتثمن الجهد المبذول من القاص والروائي ياسين شامل..