بعض أبناء المجتمع، صغيراً كان أم كبيرا، في جميع أنحاء العالم تراهم يرفعون راية اليقظة وهم غارقون في سبات عميق هم مستيقظون وعلى أتم استعداد للهدم والخراب وصقل الأفكار المنحرفة وإقصاء كل ذي نشاط واهتمام وعناية بالآداب والمعارف والعلوم يتمرغون في نوم أهل الكهف لايحسدهم عليه حتى العميان .
مترعة نفوسهم بالحسد والأنانية والضغينة والبغضاء يظنون بأنهم أبرار تقاة وحكماء وهم سكارى بأحلامهم يعتبرون أنفسهم قادة مرشدون وهم يعانون مرضاً عضالا يعتبرون أنفسهم ملوك الغابة بينما هم ثعالب في جلود أسود وهم يدركون جيداً بأنهم الأشد جوعاً وعطشاً للعلم والمعرفة .
هكذا أناس تراهم لا يعترفون بذوي الأفكار النيّرة المفيدة ولا يريدون أو يحاولون الاستفادة من ذوي البصيرة والحصافة وتراهم يسدلون أستاراً بالية على كل ومضة نور تنبثق في الظلام ويتشبثون بأفكار عقيمة وسمجة لا طائل منها وهم يدركون جيدا بأن حبال الكذب قصيرة في كل حين.
أمثال هؤلاء القوم يظنون أنفسهم صياماً وهم فاطرون أمثال هؤلاء القوم مصابون بشتى أمراض النرجسية العفنة أمثال هؤلاء القوم ستراهم في مجتمعاتنا بأعداد كبيرة وفي قاعات الاجتماعات ستراهم واقفين جماعات جماعات يفسّرون الأشياء على مزاجهم وهم لايستطيعون فك حرف من الأبجدية .
هكذا أناس يثبطون همة كل العاملين بصدق وإخلاص وتفاني هكذا أناس يساهمون في إقصاء كل العاملين النشطاء الشرفاء هكذا أناس يدنّسون عفّة ونقاوة كل الأطهار والأبرياء هكذا أناس يحاولون زرع بذور البغضاء بين كل الأصدقاء الأوفياء هكذا أناس يشبهون تماماً تلك الفاكهة الفجّة التي لم يأتِ أكلها بعد .
هكذا أناس يحاولون فصم عرى المحبة ما بين الأصدقاء هكذا أناس يجتثون جذور الشتلات النابتة حديثا هكذا أناس هم ناكرو الحقيقة الساطعة ليل نهار هكذا أناس شتّان بينهم وبين ذوي الأصالة من بني قومهم وبينهم وبين من يتمتعون بروح سامية وبالمحبة والإخلاص.
العديد من الأفراد يصعدون منبر الأمة بدون جدارة واستحقاق ينظرون إلى كل عمل وإنجاز بعين الأنانية المقيتة غير مبالين بالعرق الناضح والمتصبّب من جباه المثقفين يحاولون بشتى الأساليب الملتوية أن يسودوا على الجهلاء والبلهاء .
هناك العديد من الناس يعتقدون بأنهم يمتلكون قدرات فكرية خارقة وبإمكانهم تبوأ أعلى المناصب في كل مكان وزمان بتصورات سخيفة وعبثية مزوّقة بالعنجهية والأنانية وهم لا يعلمون بأنهم مصابون بداء الغيرة والحسد المقيت .
العديد من الناس يرفعون راية القومية ويخوضون جدالا عقيما يقفزون على الحبال، يخشعون للألوان الزاهية كالحرباء المتلوّنة ينشرون أفكاراً عبثية ومثيرة للسخرية والاشمئزاز لا يستفيقون من غيبوبتهم في تلك السفينة الآيلة للغرق .
العديد من أبناء أمتنا منهمكون بالصوم والصلاة على عجلة من أمرهم يهرعون إلى الكنائس، يرسمون الصليب بدجل ونفاق،
قياماً وقعوداً، ينامون ويستفيقون من أجل اللهو والترفيه لا غير لا يشعرون، ولا يقرّون بأنهم خاليون من كل ذرّة إيمان .
أناس كثيرون يتصورون أنفسهم حكماء عصرهم وزمانهم صعوداً ونزولا بسلالم وهمية ومزيفة من الكمال الوهمي على أمل أن يصلوا باسم الغرباء إلى ما يصبون إليه وهم لا يبصرون الهاوية السحيقة والفخاخ المنصوبة في غيهب الظلام.
أعداد كبيرة من الناس يظنون أنفسهم فقهاء وسادة أشراف والغالبية منهم يعيشون في بلاد المهاجر والمغتربات يدسّون رؤوسهم في كل مسألة من أجل الحصول على كرسي الزعامة أو منصب يتلاءم مع أساليب المراوغة والغدر والخيانة.
أعداد كبيرة من الناس ينتفخون غروراً بكل حماقة وغباء كالأحلام التي تتراءى للمرء وهو يترنح ثملا سكرانا بمكر وخداع يبتهجون بتصعيب الأمور وتعقيدها بكل غبطة وسرور وهم لا يدريكون بأنهم يكشفون عن أنفسهم أسرار الوضاعة والهذيان.
أناس كثيرون ينادمونك بلسان حلو يقطر شهداً وعسلا وهم يبنون ويهدمون، بآن واحد، أبراجاً وقصوراً في الفضاء وبعد ذلك تراهم يبتعدون عنك خلسة تحت جنح الظلام ينحرون وينشرون بكل حقد وضغينة وبكل قبح وسماجة.
أناس عديدون يمدّون إليك يد المودة والإخاء بكل همة ونشاط ويعملون كأبناء الأمة الأبرار من أجل توطيد أواصر الصداقة الحميمة ولكن إذا لم تشاطرهم آراءهم ومواقفهم سينعتونك بالخائن المخادع وهم لا يعلمون بأنهم يمارسون لعبة أولاد الشوارع.
أناس كثيرون يُكال لهم كما يكيلون بدون زيادة أو نقصان وأسماؤهم منشورة في سجلات سوداء وملطخة بالخزي والعار بعيدون عن الأصحاب والخلان وقلوبهم طافحة بالشر والضرّاء ولا ينصتون لصوت الضمير الذي هو سِمة كل خير وصلاح.
أناس عديدون يسعون وراء الشهرة والمكانة المرموقة لأنهم خاملون ليس لديهم الأناة والفكر الذي يرفعهم إلى أعلى المراتب فهم يتطلعون ويفكرون بكل ما هو مظلم وقاتم ومكفهر ولا يستطيعون التمييز بين طريق الهداية والضلالة.
هكذا أناس يتواجدون في كثير من المؤسسات العاملة في المجتمع كدور العبادة والأحزاب والمنظمات السياسية واللجان الاجتماعية وهم يقطفون ثماراً فجّة لها طعم الحموضة والمرارة لا يولون اهتماماً وتقديراً لدم كل شهيد سعى لتحقيق الحرية والكرامة لشعبه.
أمثال هؤلاء الناس يسهرون معك ويغمرونك بالإطراء والمديح يقطفون ثماراً ناضجة من حديقتك العامرة بالأعمال المجيدة وبعد ذلك يبتعدون عنك ويهجونك بأقبح وأشنع الصفات والنعوت ولا يعيرون اهتماما لسنان قلمك وسهام فكرك الثاقبة والسديدة.
|