أوروبا في العصور الوسطي

2020-06-07

العصور الوسطي:

اقتطعت العصور الوسطي من عمر البشرية قرابة عشرة قرون، شغلت الفترة الممتدة بين القرن الخامس حتي القرن الخامس عشر الميلادي، وقد تكون عالم العصور الوسطي من ثلاثة مجتمعات رئيسية هي : مجتمع غرب أوربا والمجتمع البيزنطي والمجتمع الاسلامي، ولكل منها حضارتة الخاصة التي ميزتة عن غيرة وان تأثرت تلك المجتمعات الثلاثة وأثرت في بعضها البعض، فلا يتخيل أن يعيش مجتمع من تلك المجتمعات الثلاثة بمعزل عن الأخر، لذلك يصعب علي اي باحث في تاريخ العصور الوسطي أن يدرس تاريخ أو حضارة شعب من تلك الشعوب بعيدا عن أخواتة .

انهيار الإمبراطورية الرومانية :

الثابت أن حضارة أوربا في العصور الوسطي كغيرها من الحضارات لم تولد بين عشية وضحاها، وانما جاءت علي إثر انهيار الإمبراطورية الرومانية وحضاراتها العريقة على أيدي القبائل الجرمانية إبان القرن الخامس الميلادي، ومما لا شك فية أن حضارة أوربا العصور الوسطي قد تأثرت كثيرا بالحضارة الرومانية التي سبقتها ونقلت عنها الشئ الكثير خاصة في بداية ظهورها وبمرور الوقت أصبح لها سماتها وخصائصها المميزة، ولم يأت القرن التاسع حتي أخذت ملامح نهضة جديدة تبدو في الأفق، وقد عرفت تلك النهضة باسم "النهضة الكارولنجية" حقيقة لم تكن تلك النهضة بمثابة وثبة كبيرة، بقدر ما كانت خطوة في سبيل الوصول إلى نهضة أكبر، ولم يمضي أكثر من ثلاثة قرون حتي بلغت أوربا درجة كبيرة من الرقي والتقدم عرفت باسم "نهضة القرن الثاني عشر" وكانت تلك النهضة بمثابة الركيزة الأساسية التي اعتمدت عليها النهضة الإيطالية فيما بعد .

مراحل النهضة الأوربية :

بدأت النهضة الأوربية في القرن الخامس عشر وعلية يمكننا القول أن حضارة أوربا العصور الوسطي مرت بثلاثة مراحل رئيسية هي : النهضة الكارولنجية في القرن التاسع، ونهضة القرن الثاني عشر وأخيرا عصر النهضة الأوربية في القرن الخامس عشر الذي جاء نتيجة التقدم الكبير الذي شهدتة أوربا إبان القرن الثاني عشر وما يلية، ومن أهم الخصائص والسمات التي ميزت حضارة أوربا العصور الوسطي وتتبع معالمها حتي قيام الثورة الصناعية الكبري وظهور عصر النهضة الأوربية الحديثة في القرن الخامس عشر، ومن العوامل التي أثرت في حضارة أوربا العصور الوسطي ومن أهمها الديانة المسيحية وفكرة العالم المسيحي، وغزوات البرابرة والجرمان وقيام النظام الإقطاعي والحروب الصليبية .

الديانة المسيحية :

تعد الديانة المسيحية أهم ما ورثتة أوربا العصور الوسطي من تراث لذلك عرف هذا العصر باسم عصر الإيمان هذا وقد استحوذت علي وجدان الكنيسة الغربية فكرة"العالم المسيحي" ونعني بها توحيد الغرب الأوربي في كيان واحد تحت زعامة روحية واحدة هي البابوية والكنيسة الغربية الكاثوليكية، بيد أن تلك الفكرة سرعان ما ذهبت ادراج الرياح نتيجة الصراع المرير الذي نشب بين البابوية والإمبراطورية واستمر عدة قرون وراح ضحيتة عشرات الألوف، وبدلا من قيام عالم مسيحي واحد في الغرب ظهرت عوضا عنة القوميات القوية والملكيات المستبدة في أواخر العصور الوسطي كما هو الحال في فرنسا وانجلترا وألمانيا وغيرها من الدول، ومع ذلك لم يغب عن بال الغرب الأوربي فكرة العالم المسيحي طويلا، حقيقة أن جذوتها قد خبت قليلا، الا أنها لم تمت تماما، فسرعان ما أخذت تلك الفكرة تحيا من جديد في وجدان الغرب الأوربي، واشتدت أوارها واستعرت جذوتها، وظهر في النصف الثاني من القرن الماضي تكتل كبير في الغرب عرف باسم"الإتحاد الأوربي" الذي وحد دول غرب أوربا في كيان كبير يسعي إلى توحيد دول شرق أوربا الواحدة تلو الأخري خاصة بعد تفكيك الإتحاد السوفيتي وحلف وارسو العتيق في تسعينيات القرن العشرين .

غزوات القبائل الجرمانية :

تعتبر غزوات القبائل الجرمانية علي حدود الإمبراطورية الرومانية، ونجاحهم في تقويض دعائمها وأقامة ممالك لهم على أنقاضها، أحد العوامل الهامة التي كيفت تاريخ وحضارة أوربا العصور الوسطي، حيث تمكنت الحضارة الرومانية العتيقة والعريقة رغم ما لحق بها من انتكاسة من صهر هؤلاء الجرمان في بوتقتها ودمجهم في المجتمع الروماني بعد ما تأثروا بعاداتة وتقاليدة وتقبلوها عن طيب خاطر، ونجم عن هذا الإندماج ظهور حضارة جديدة عرفت باسم حضارة العصور الوسطي التي عاشت ردحا من الزمن ناهز عشرة قرون .

اخلاق الفروسية :

اذا كانت البربرية والهمجية قد سادت أوربا العصور الوسطي في بدايتها، فأن نظام وأخلاق الفروسية وما يتبعها من مثل وضع الفارس في مرتبة الرجل النبيل الخلق، ولا تزال مثل الفروسية وأخلاقها تعد من أفضل ما ورثتة أوربا عن حضارة العصور الوسطي ولاتزال بعض الدول حتي وقتنا هذا تمنح الأوسمة لكبار المفكرين والعلماء بدرجة فارس .

الحروب الصليبية :

اما الحروب الصليبية، فلا شك أنها كانت علامة فارقة في تاريخ وحضارة أوربا العصور الوسطي، لما ترتب عليها من نتائج لا تزال أثارها باقية حتي ايامنا هذه، فقد ترتب على قيام الحروب الصليبية ضعف وانهيار النظام الإقطاعي نتيجة اشتراك أعداد غقيرة من عبيد ألأرض ورقيقها في تلك الحروب بعد ما هجروا العمل في اراضي السادة النبلاء والأشراف تخلصا من نير العبودية وأملا في الحرية والإنعتاق، كما التحق بصفوف تلك الحروب أعداد كبيرة من النبلاء والأشراف سعيا وراء المجد والشهرة والتماسا لمزيد من الثروة والمال، الأمر الذي أثر سلبا علي النظام الأقطاعي وأدي مع غيره من الأسباب إلى تقويض دعائمه وأركانه .

إسهامات المسلمين للغرب:

قد ترتب علي قيام الحروب الصليبة أيضا الإحتكاك الكبير بين الشرق والغرب واطلاع الغرب على حضارة الشرق من تقدم واذدهار فعمل علي الإستفادة منة ونقل تلك العلوم والمعارف الإسلامية اليه ، فأسهم بذلك في وضع الغرب علي أعتاب مرحلة جديدة في تاريخه عرفت باسم النهضة الأوربية ومن أهم تراث العصور الوسطي الأوربية انتقال الحضارة الإسلامية إلى الغرب عن طريق معابر ثلاثة هي : الأندلس وصقلية وجنوب إيطاليا وبلاد الشام ونجاح الأُوربين في الإستفادة من تلك الحضارة العريقة وتطويرها حتي أصبحت ركيزة التقدم الهائل الذي احرزه الغرب وما زال يحي في كنفة حتي اليوم والعجيب أن الحضارة الإسلامية رغم عراقتها وأصالتها وعظمتها إلا أنها لم تنجح في تطوير نفسها بل توقفت عند نهاية العصور الوسطي .

وكنا نلتمس للمسلمين الأوائل العذر في عدم مسايرتهم ركب الحضارة إبان القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين لتسخيرهم كافة موارد البلاد لطرد الغزاة الصلبين من المنطقة العربية حيث لم يكن من المنطقي أن يواصل المسلمون تقدمهم الحضاري في ظل مستعمر بغيض يجثم علي صدورهم ويحتل أجزاء من أرضهم ويسلب خيراتهم، ولكننا في نفس الوقت لانغفر لهم استمرار ذلك الثبات العميق الذي ران عليهم ولايزال خاصة بعد استردادهم لأراضيهم ونجاهم في طرد الصليبين في أواخر القرن الثالث عشر .

النظام الأقطاعي :

لعل من أبرز ملامح حضارة أوربا العصور الوسطي ظهور نظام الإقطاع وما ترتب علية من تقسيم المجتمع الغربي إلى طبقتين متمازيتين، وهما طبقة السادة ملاك الأراضي من النبلاء والأشراف الذين يملكون كل شئ ويتمتعون بكافة الحقوق والإمتيازات، وطبقة العبيد من رقيق الأرض والأقنان الذين فقدوا حريتهم وأثقلت كاهلهم تلك الأعباء الثقيلة والواجبات الكثيرة التي التزموا بها تجاة ساداتهم الذين لم يرقبوا فيهم لا انسانية ولا ذمة، مما أدي بهولاء العبيد إلى  التمرد والعصيان نتيجة تلك المعاملة السيئة التي يلقونها، وهذة الحياة البائسة التي يحيونها، فأخذوا يلتمسون حريتهم بشتي الطرق والوسائل المشروعة منها في نظر ساداتهم وغير المشروعة، فهجروا أراضي ساداتهم والعمل فيها، وهربروا إلى المدن البعيدة يلتمسون فيها عبق الحرية والأمان في حين تمرد من لم يستطيع الهرب من هؤلاء العبيد على ساداتهم بعد أن ضاقوا بهم ذرعا فثاروا عليهم وشهروا السلاح في وجوههم .

عوامل انهيار النظام الإقطاعيى:

الحقيقة أن هناك عوامل كثيرة متعددة أدت إلى تدهور النظام الأقطاعي وأنهياره بعضها داخلي وبعضها خارجي وبعضها مباشر والبعض الأخر غير مباشر منها كثرة الحروب الإقطاعية التي نشبت بين الأمراء الإقطاعين بعضهم البعض مما ادي إلى اتلاف الزرع وتدمير المحاصيل وحرق الحقول، وكذلك أدي الإحتكاك بين الشرق والغرب في القرنين الحادي عشر والثالث عشر إبان الحروب الصليبية إلى انتعاش حركة التجارة في أوربا وقد أسهم إنتعاش التجارة في أوربا إلى قيام المدن وظهورها مما أدي إلى إضعاف النظام الإقطاعي وانهياره، كما أدي قيام المدن إلى ظهور طبقة وسطي تكونت من التجار والصناع، كذلك انتهز الفلاحون والأقنان وعبيد الأرض فرصة الحروب الصليبية ووجدوا فيها المنقذ والمخلص لهم من رق عبوديتهم، كما كان لاكتشاف المدفع والبارود دور كبير في الإجهاز علي نظام الفروسية حيث لم يكن بوسع الفارس الصمود امام تلك الوسائل العسكرية الحديثة، كذلك حرب المائة عام بين انجلترا وفرنسا وادي إلى تكوين جيش قوي في فرنسا استخدمة الملوك في مقاومة امراء الأقطاع ودك معاقلهم وحصونهم ، كذلك نشأت الجامعات الأوربية حيث لعبت دور كبير في تنوير المجتمع وظهور طبقة جديدة من المثقفين والمتعلمين، وهكذا أخذ النظام الإقطاعي يترنح شيئا فشيئا أمام الضربات القوية التي توجة له من كل جانب وأدي ذلك إلى ظهور مرحلة جديدة لها خصائصها ومميزاتها التي تختلف عن سمات العصور الوسطي .

المراجع :

تاريخ اوروبا في العصور الوسطي ، تأليف محمد فرحات ، دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر..

تاريخ أوربا في العصور الوسطي ، تأليف محمد أمين ، دار النهضة العربية               .

حضارة أوربا العصور الوسطي ، تأليف موريس كين ، ترجمة قاسم عبدة                  .

اضمحلال العصور الوسطي ،ترجمة عبد العزيز جاويد تاليف يوهان هويزنج               .

   . الفرسان والاقنان في المجتمع الأقطاعي ، تأليف اسحاق عبيد ، دار النشر بنغازي 1975                           

                                             

 

محمود رفعت الحلو

  باحث في التاريخ والتراث        

   عضو رابطة الأدباء العرب

 محافظة شمال سيناء – العريش – جمهورية مصر العربية- ص.ب 68         

  ت: 01229388123  002

Emil:emy_yakoub@yahoo.com    

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved