أطوباوِيٌّ أنتَ ؟

2020-03-03

في ما ألِفْناهُ من عربيّةٍ ، يُمْكِنُ أن نضع مرادفاً أو إثنَين ، لهذا السؤال :

أخياليٌّ أنتَ ؟

أمُخْــتَلٌّ أنتَ ؟

ذلك لأن كلمة طوباوِيّ ، وهي نسَبٌ إلى " طوبَى " ، تعني في سايكولوجيّة الإنزياح، شخصاً ذا أوهامٍ .

لكنْ، سرعانَ ما يختلف الأمرُ جدّاً، حين نعود إلى الأصل الحضاريّ، والرِّسِّ اللغوي للكلمة :

يوتوبيا   Utopia

الكلمة مركّبةٌ في الأصل الإغريقي من :ou أي " لا " ، ومن topos أي : مكان .

هكذا تعني الكلمة في الأصل : لا مكان .

لكن هناك ميلاً آخر إلى معنى " المكان الطيّب " eu-topos

*

هذا الإستطرادُ مَرَدُّهُ أنني كنت موَلّهاً في الأيّام العشرة الماضية بقراءة النصّ  ذي الإنجليزيّة المعاصِرةِ، لكتاب توماس مور " يوتوبيا "، المكتوب أساساً باللغة اللاتينية،  والذي كانت طبعتُه الأولى في العام 1518 بمدينة بازِل السويسريّة .

*

ولِدَ توماس مور في العام 1478

وأُعدِمَ بقطع الرأس في العام 1535

*

عاصرَ توماس مور اثنين من ملوك إنجلترا : هنري السابع، وهنري الثامن .

وتولّى مناصبَ رفيعةً بينها رئيس البرلمان، ووزير الخزانة .

لكنه كان على خلاف مع هنري الثامن، حول زواج الملك من آن بولين ( التي قطَعَ الملكُ رأسَها )، وطبيعة  

علاقة الملك مع روما . كما رفضَ أن يُقْسِمَ يمينَ الولاء لهنري الثامن . هكذا سُجِن في برج لندن الشهير، ثم أُعدِمَ بقطع رأسه، في السابع من تموز ( يوليو )  1535 .

في العام 1935 ( أي بعد أربعمائة سنة من إعدامه ) طوّبَه البابا بيوس الحادي عشر، قدِّيساً .

*

قد قلتُ إني أمضَيتُ عشرة أيّامٍ من حياتي، أقرأُ  " يوتوبيا "  توماس مور .

هل لي أن أقولَ إن تلك الأيامَ العشرةَ كانت من أجدى أيّام حياتي ؟

الحقُّ أنني أغبِطُ نفسي .

*

يرى كاوتسكي النمساوي ّ، سكرتير فريدريك إنجلز، ومَن جمعَ وأعَدَّ المجلّدَ الأخير من " رأسمال " ماركس، بعد رحيل ماركس، أقولُ : يرى كاوتسكي أن  " يوتوبيا " توماس مور كانت المبشِّر بالإشتراكية، بل بالشيوعيّة !

*

" اليوتوبيا " في أسلوبها، اختارت فنَّ القصص، فالمؤلف يلتقي مصادَفةً، السيدَ هيثلودَي الذي كان مع القبطان أمريكو فيسبوشي، وهو مَن بلغَ القارة الجديدة، بتكليفٍ من ملك البرتغال . يحكي السيد هيثلودَي عن بلادٍ ربما كانت " البيرو " الحاليّة، وعن أحوال الناس فيها وأطوارِهم . المجتمعُ المساواتيُّ القائم في تلك البلاد يقتربُ في تفاصيله من أحلام مَن يهوَونَ المساواتيّةَ سبيلاً : لا نقود، لا أغنياء ، اسكنُ للجماعة، والمأكلُ للجميع في موائدَ للجميع !

*

نَصٌّ من اليوتوبيا

الأكبرُ سنّاً في أيّ منزل، كما أسلفتُ، هو مَن يُسَيِّرُ الأمورَ . الزوجةُ لزوجِها، والطفلُ لأبَوَيه . والصغيرُ يخضعُ للكبير عموماً . كل مدينةٍ  مقسَّمةٌ إلى أربعة أقسام متساوية . ووسط كلِ قسمٍ سوقٌ لكل صنوف البضاعة . منتَجاتُ البيوتِ يؤتى بها إلى هنا لتُخزَنَ في مستودَعاتٍ، مقسّمةٍ حسب نوع المنتوج . إلى هنا يأتي مُدَبِّرُ المنزلِ ليأخذَ ما تحتاجه الأسرةُ، ويمضي به إلى المنزل، بدون أن يدفعَ شيئاً أو عوَضاً . لِمَ يُحْرَمُ ممّا يريدُ ؟ ثمّتَ وفرةٌ في كل شيء، وليس هناك خوفٌ من أن يأخذَ المرءُ أكثرَ من حاجته .

 

تورنتو 24.06.2017

سعدي يوسف

 شاعر عراقي وكاتب ومُترجم، وُلد في ابي الخصيب، بالبصرة عام 1934. اكمل دراسته الثانوية في البصرة. ليسانس شرف في آداب العربية. عمل في التدريس والصحافة الثقافية . غادر العراق في السبعينيات وحاليا يقيم في لندن ونال جوائز في الشعر: جائزة سلطان بن علي العويس، والتي سحبت منه لاحقا، والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية. في العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ. في العام 2008 حصل على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا . وعلى جائزة الأركانة المغربية لاحقاً

عمل كعضو هيئة تحرير "الثقافة الجديدة".

عضو الهيئة الاستشارية لمجلة نادي القلم الدولي PEN International Magazine

عضو هيئة تحرير مساهم في مجلة بانيبال للأدب العربي الحديث .

مقيم في المملكة المتحدة منذ 1999.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved