مع طلائع الصيف .. تعود طقطقة طاسات باعة السوس الجوالين إلى شوارع وأزقة الموصل .. يمسك كل واحد منهم بطاستين في إحدى يديه وبتحريكهما تصدر موسيقاه الخاصة التي تعتبر إشارة عن حضوره فيندفع إليه الظامئون، يلوذون بنقيع السوس من الهجير على يديه : ووراء ظهره تترجرج قربة السوس المصنوعة من جلود الخراف وفي نهايتها صنبور نحاسي أو معدني يستقر على فتحته إبهام البائع ، وكلما أراد صبّ السوس رفع إبهامه وتغنى في سكب النقيع في الطاسة النحاسية اللامعة تحت ضوء الشمس.. غالبا ما يضع الباعة غطاء فوق القربة يتميز به الباعة من بعيد وعلى امتداد أشهر الحر يتزاحم الناس في الساحات العامة للموصل، كما في أزقتها وأحيائها القديمة حول باعة السوس، ولخصوصية هذه المهنة وانتمائها إلى تراث الموصل فقد أقيم تمثال لها في مدخل الموصل الجنوبي، يمثل ( بائع السوس) بكامل عدته، وكان الفنان قد أنجز هذا التمثال عن أقدم بائع سوس في الموصل..
ويتبارى باعة السوس في الشوارع والأماكن العامة بتقديم نقيع مركز وصافٍ يعرفه الناس من دكانة لونه وطعمه، وهو صحي يخلو من الأصباغ والمستحضرات لأنه من جود الطبيعة الساحرة في ارض الموصل المعطاء، حيث يستخرجه الناس من باطن الأرض الرملية على امتداد حافة نهر دجلة العظيم بعد انحسار مياه الفيضان.
وتعد مهنة بيع نقيع السوس من المهن الشعبية التراثية العريقة في الموصل، حيث اشتهرت على مدى القرون الاخيرة ويعرف الناس باعة السوس المشهورين من أمثال ملا يحيى رحمه الله والمرحوم خضر السواس والمرحوم محمود السواس والد الفنان المخرج الاذاعي والممثل المسرحي والتلفزيوني الراحل يوسف السواس الذي يجيد هذه المهنة عن أبيه وأخيه شاكر وواجد السواس وغيرهم.. ويقف باعة السوس المعروفون في الساحة الرئيسة لباب الطوب ومدخل شارع النجفي ويتجولون في سوق الصياغ وفي السرجخانة والدواسة وسوق العطارين وسوق الحدادين وسوق باب السراي وسوق الصفارين، إضافة إلى تجوال بعضهم في أزقة الموصل القديمة.
الآن وقد اقبل الصيف واشتد الحرّ فقد عادت طقطقة الطاسات إلى الظهور وعاد السوس ليروي الظمأ ويحافظ على متانة وجمال هذه المهنة التراثية العريقة المليئة بالعافية...