حين يغادرك من أقتسم معك الفتوة والشباب، أقتسم معك شراء السكاير بالمفرد، وشاركك غطاء الأخوة وقرأ معك الكتب ذاتها ، وأنطلق معك في كرنفالات زهرة الرمان في السبعينات .. حين يغادرك من مكث في وفائه المزدهر للصداقة والأخوة والرفقة ولم تتخاصما طيلة (45) عاما فهو غَد َر َ بك، حين غادرك، فأنت تشعر أنك تعرضت لأفتراس شرس من ذئب أغبر وانك مخذول في فراغ أبيض . وأعلم أن الذئب والخذلان والبياض : محض استعارة مجففة لذلك الزائر الصلف الأخير ..
(*)
هكذا صيرتني حين صعقني غيابك يازميل الدراسة والتنظيم في اتحاد الطلبة يارفيقي في الحزب الشيوعي العراقي .. أيها الكادح المثابر ياهادي .. ها أنت تغادر بوابة أعدادية البصرة/ ثانوية الجاحظ ، وتعبر الجسر الأخير من جسور محلة نظران وتهبط نحو بيتنا الملاصق لذلك البستان الذي كان يومها جنة، وتستغل الشاغر بين الدروس وتستعجلك أمي التي تحبك مثلما أولادها
: يلا... قبل أن يبرد الصبور .
وبين السمك الصبور الطالع للتو من تنور البيت الطيني وطرشي أبي الخصيب وخبز البيت وشاي التنور يتحول الدرس الشاغر إلى شواغر ...
(*)
كنا خمسة في الخامس الاعدادي وسادسنا أنت، تقودنا، في أزقة متداخلة من أزقة البصرة القديمة، في حوش ذلك البيت في يوم شتوي مشمس جميل : عقدنا أجتمعنا الحزبي ....
(*)
بعد الأجتماع أنا وأنت متوجهين إلى بيتنا في نظران، وانت تسحب نفسا طويلا عميقا من سيكارة بغداد، سألتني : صبور...؟َ! أجبتك : بامية ..؟!
وأنت تحتسي شاي بعد الغداء في بيتنا، وأنا أنتظر قيلولتي، سألتني : هل عرفت بيت من الذي اجتمعنا فيه ؟ وقبل أن أجيبُ .. أجبت َ أنت : بيت الشاعر حسين عبد اللطيف .. سألتك : وما علاقتك به ؟ رشفت من كوبك رشفة طويلا وأجبتني : خطيب أختي خديجة ..
(*)
بعد سنوات أخبرت الأستاذ الشاعر الصديق حسين عبد اللطيف ( طيّب الله ثراه ) بذلك : فشتمني ضاحكا وشتمك ..لأننا تركنا استكانات الشاي والقوري وأعقاب السكائر في أرضية الحوش وأبقينا حنفية المطبخ مفتوحة ...
(*)
ثمة ليال تكون ضيفي العزيز المكّرم في الطابق الثاني : غرفة صغيرة مثل أحلامنا النضالية : أنت وحسن مرجان – سوف يستشهد بعد سنوات تحت التعذيب وهو في السنة الأخيرة/ الكلية الطبية- حسن يلوّح لنا بنسخة انكليزية من أوراق العشب للشاعر الأمريكي والت ويتمان وأنا أقرأ وداعا غولساري : رواية ايتماتوف وأنت تضع خطوطا بالقلم الأحمر على سطور من كراس ماجد عبد الرضا ( مدخل لدراسة الأقتصاد السياسي ).. أي هوس جميل كان ينير أحلامنا : نقرأ .. نتجادل .. ننتظر من نحبهم : عيسى عبد الجبار – سوف يستشهد 1986 ويمتلك قاربا صخريا في بشتأشان – وقد يدخلان معا عيسى وأسعد فتّاح الفيلي .
وحين أنهض تصيح أنت بي : إلى أين ؟
أجيبك / أجيبكم : الشاي خمرة الفقراء ..
بعد سقوط الطاغية، تعانقنا في مقر حزبنا الشيوعي في البصرة.. وتواصلت معي/ معنا
......................................................
آخر لقاء بيننا في أحتفالية الشمعة الأولى لمنتدى أديبات البصرة ...أثناء توزيع المرطبات استراحة،
حدثتني عن أوجاع قلبك الذي صار يخذلك ...
فحدثتك بدوري عن هادي الشجاع المتفائل الوفي ..
همستني : مقداد ...أريد أموت وأنا في الحزب ..
أبتسمتُ في وجهك وطوقتك بيدي اليسرى ونحن جالسين، همستني ثانية : لا تنساني ..