امتهن عبد السلام أحمد سليمان الترحال منذ خمسين سنة بين كل مدن ومناطق المغرب، اكتفى بدور الفنان الهاوي المتجول يداعب تارة نايه وتارة أخرى ينقر الدف بانتشاء وفرح طفوليين، لم يغادراه رغم أنه في سن الثالثة والسبعين غير آبه بشوائب الحياة، مستوعبا الدرس منذ زمن، حينما أدرك أنه لا سبيل ولا جدوى من مقاومة القمم حين انتزعوا أرضه في قريته الجبلية بنواحي مدينة شفشاون ، فراهن على العيش في السفوح كغجري أتلف عن تربته ليتخذ من قلوب محبيه ومعجبيه أوطانا يمسحون عنه أثر الانفصال عن أرض الأجداد، يقتسمون لساعات متعة الفن والصداقة التي تشمل حتى السياح الأجانب، فيضربون له موعدا كلما حنوا لإيقاعاته التي لا تنحصر في اللون الفني للطقطوقة الجبلية المعروفة بمنطقة الشمال التي ينحدر منها عبد السلام، بل هي مزيج من أهازيج ينهلها من الموروث الثقافي والفني المغربي يجعل منه فنانا مكتمل الهوية.
ونفس الهواية التي يعتمدها في فنه تطبع حياته أيضا، فرغم كونه رب لأسرة مكونة من عشرين ابنا، فإنه يزورهم بالقرية ليمنحهم ما جادت بها أيام الترحال والتجول في كل أنحاء المغرب، لتصبح أسرته الصغيرة جزء من أسرة كبيرة تمتد من شمال المغرب إلى جنوبه وتعانق كل من عشق هذا الرجل البوهيمي الذي يعيش من أنين الناي ودفئ الدف.