بحيرة ساوا أُم الأسرار

2021-07-29

 وجدت منذ عصور ما قبل التاريخ، يقال أن وجودها يعود الى أكثر من عشرة آلاف سنة . 

ساوا5

هي معجزة طبيعية، حيث أنها لا تعتمد على روافد أو أنهار ترفد مياهها شديدة الملوحة، بل تعتمد على العيون وما يتدفق من مياه جوفية من تحتها، والتي ترشح إليها من نهر الفرات القريب منها، وذلك عبر الصدوع والشقوق التي في أسفلها... 

 

هي بحيرة مغلقة ذات ماء مالح ومحاطة بحائط كلسي طبيعي يعيد غلق نفسه عند كسره، بسبب سرعة تصلب المادة الكلسية الموجودة بمائه، ولا يمكن رؤيتها الّا عن قرب لأنها ترتفع بمقدار 5 أو 6 أمتار عن سطح البحر .

 

تحتوي هذه البحيرة على أسماك صغيرة جدا عالية الشحوم، إذ تذوب بالكامل عند محاولة طبخها، وكذلك تزين سطحها  أنواع الطيور المائية، حيث تصل إلى 25 نوعا، أهمها البط، غر أوراسي، غطاس صغير، الهدهد العراقي، وخناق رمادي . وكذلك أغلب الطيور التي تهاجر من موطنها الأصلي مثل روسيا وجنوب الصين والدول الآسيوية والمناطق الباردة، تأتي سنوياً إلى هذه البحيرة وتمكث فيها لمدة اربعة أيام ثم تهاجر إلى دول الخليج، وأنواعها كثيرة منها طيور الكركي النادرة جداً والمحرم اصطيادها دولياً لأنها معرضة للإنقراض، وكذلك أنواع مختلفة من الأوز والبط الصيني والبربش والخضيري وغيرها الكثير من أنواع الطيور النادرة .

 

اعتبرت من البحيرات الفريدة، بسبب ارتفاع نسبة الملوحة فيها مقارنة بباقي البحيرات والأنهار في العراق، حيث تبلغ هذه النسبة 1500 بالمليون وهي نسبة عالية جداً حيث أنها أعلى ملوحة من مياه الخليج العربي بمرة ونصف . ويتراوح عمق المياه فيها  بين أربعة إلى خمسة أمتار، أما لون مائها فيتباين بين الأخضر الداكن (قرب الضفاف) إلى اللون الأزرق في العمق . ويتقلب مستوى المياه في هذه البحيرة بين مواسم الجفاف والرطوبة لكنها لا تجف بسبب التوازن بين الكمية المضافة من المياه الجوفية وكمية الماء المتبخرة . وتمتد طولياً على شكل الكمثرى، أقصى طول لها يبلغ 4.74 كلم وأقصى عرض لها يبلغ 1.77 كلم .

 

إنها بحيرة ساوا، المعجزة الطبيعية، التي ترتبط غرائبها بقصص خرافية وأُخرى دينية حتى أن بعض خبراء البيئة ممن كتبوا عنها قالوا كان لابد من إضافتها كعجيبة ثامنة إلى جانب عجائب الدنيا السبع . أطلق عليها بعض الشعراء  لقب "المراة الجميلة" لما فيها من أسرار الخلود الابدي، فقد تمردت على الطبيعة وخالفت موازين المنطق وغادرتها سمات الجغرافية على استحياء . فهي بحيرة مميزة وغريبة في كل شيء ومعلم بيئي، تاريخي، وتراثي مهم . لها تاريخ امتدّ من عصور ما قبل التاريخ إلى الآن، واسم  ساوة مذكور في الكتب التاريخية التي تتناول تاريخ حضارة العراق القديم، حيث توجد إشارات إلى  أنها منبع تدفق المياه الذي أغرق الأرض في قصة الطوفان بعهد نوح عليه السلام ، وذكرت  في زمن ملكها جلجامش وعلى أنها عادت  إلى حالتها الطبيعية بعد أن ابتلعت المياه من جديد. . ويعد ذلك دليلاً تاريخياً وأثرياً لبحيرة ساوة التي لا تبعد أكثر من 30 كيلومتراً، عن مدينة الوركاء الأثرية .

 

 تقع بحيرة ساوا في عمق صحراء قاحلة، تحيطها الرمال من كل جانب، ولقبت كذلك بالعجيبة والغريبة، ولكن أجمل اسم أُطلق عليها هو لؤلؤة الصحراء . شك العلماء بأن هناك ينابيع داخل البحيرة تغذيها بالمياه، إلّا أن المفاجأة كانت بأن قاع البحيرة مكون من صخور صلدة، ولعل ذلك ما جعلها تشكل لغزاً حقيقياً حير العديد من العلماء . ولأنها أغرب بحيرات العالم أطلق عليها السكان المحليون أم الأسرار .

 

تقع بحيرة ساوة المالحة المغلقة في محافظة المثنى جنوب العراق، قرب نهر الفرات، كما انها تبعد 23 كلم غرب مدينة السماوة . منطقتها  جزءاً من السهل الجبسي، وتتميز أرضها بالاستواء والانبساط  . تزداد درجة الميل فيها بصورة عامة من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي بمعدل ارتفاع 2,7 متر بالكيلومتر الواحد وتكثر في المنطقة الظواهر الطبيعية مثل السبخة و الكثبان الرملية . ترتفع البحيرة بين واحد إلى أربع أمتار عن الأراضي المجاورة، وتعلو عن نهر الفرات القريب منها ما بين خمسة إلى سبعة أمتار كما ترتفع عن شط العرب والخليج العربي ما بين 17-20 م. وتمتلك القدرة على بناء جدران ملحية (تتشكل أساساً من الجبس) تَحيط بها من جميع الجهات . هذه الجدران الملحية تشكل حاجزاً يمنع مياه البحيرة من التسرب الى  الأراضي المجاورة  .  وتُبنى الجدران من تبخر المياه المشبعة بالأملاح في الحافات الضحلة للبحيرة وتنمو إلى أعلى بمرور الوقت حتى تصبح أعلى من مستوى البحيرة (يصل ارتفاع الجدران الملحية حتى 6 أمتار) مٌشكّلة أشكال غريبة تشبه القرنبيط . كما تنتشر الترسبات الملحية على طول الشاطئ مُشكّلة معرضاً للمنحوتات الفنية الطبيعية .

بالإضافة إلى ملوحتها وخصائصها الفيزيائية الفريدة، تُعَدّ هذه البحيرة مقصداً سياحياً مهماً في العراق، فهي ترتبط بقصص من التراث والفولكلور العراقي، بعضها ذو طبيعة دينية وبعضها الآخر اجتماعي مختلف . ومن بين أكثر ما يمنح المنظر الجذاب لهذه البحيرة، هو اشكال وتعرجات كتل جدرانها الكلسية الغريبة، وتدرج ألوانها بين الزرقة الشديدة واللازوردية والخضراء الجميلة ...

عالية كريم

رئيسة تحرير "معكم"

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved