1
في أسطوانته "جديد" ينوع عازف القانون والمؤلف الموسيقي العراقي المقيم في بلجيكا، أسامة عبد الرسول كمال الدين، بين مسارين يكادان يمثلان معظم المقطوعات العشر في الاسطوانة، الصادرة عن "هوم ريكوردز" البلجيكية، ونفذها ضمن شكل الخماسي الموسيقي الذي جمعه إلى:
*فيليب ثروا عازف الأكورديون
*لوده فيركامب عازف التشيللو
*فرانسوا تيللفير ضارب الإيقاعات
*هيلينا سخوترز المغنية
المسار الأول، وهو ما مثلته أربع مقطوعات، ثلاثة نفذها الخماسي وواحدة كانت عزفا منفردا على القانون. هنا تظهر براعة أسامة كمال الدين، مؤلفا مهجوسا بالحداثة على الرغم من آلته "العتيقة" التي يكتب إليها ويعزفها وصارت بعد نحو ربع قرن من رحلته مع الموسيقى، صورته وحضوره وهويته.
المسار الثاني، وهو ما حضر في ستة ألحان مغناة أدتها جميعا، المغنية سخوترز، واحد منها "السماء" حمل بالإسبانية، نص الشاعر التشيلي بابلو نيرودا، والباقي كان تنويعات على نصوص صوفية مختارة من آثار جلال الدين الرومي (3 مقطوعات) ورابعة من كلمات رابعة العدوية. هنا ثمة أمر يدعو إلى التساؤل: لماذا جاء أداء النصوص العربية بصوت لا يعرف جرسها الإيقاعي ولا نطق ألفاظها وبالتالي لا يعرف تجسيد معانيها؟
2
واذا قدّر لي، كمتلق لفن عبد الرسول الذي أعرف وأتابع، فهم ما يقف وراء السؤال، فان الاستعانة بصوت المغنية سخوترز جاء لتوصيل الاعمال إلى جمهور غير عربي بالدرجة الأولى، وبالتالي فان الكلام هنا يصبح مجردا، ولا يحضر منها غير أثره الصوتي، فضلا عن كون النصوص الصوفية هي بالأصل، تعتمد الجو الروحي البعيد عن الوضوح اللفظي والنبرات الصوتية الجهيرة، وهو ما ظل واضحا حتى في لحنه لنص الشاعر نيرودا وإن حاول جعله عربي الروح عبر لحن استغرق في مصادر نغمية مشرقية، وبرع في صوغه أيما براعة.
وهذا النهج لأبن بابل والعراق أسامة كمال الدين، في انتاج ألحان هي في حقيقتها جسور تلتقي فيها مصادر نغمية ومن شتى موسيقات العالم والعصور، قائم على نهج ثقافي معاصر يتصل بمفهوم الاندماج اللحني "فيوشن" او "فويزن" Fusion ، تكرس من خلال عمل في التوزيع الموسيقي لعدد كبير من الفنانين العرب والأتراك والأرمن، والعزف مع موسيقيين من أميركا واليونان وإيطاليا وإيران، وهو ما تجسد في أسطوانتها التي واظب على إصدارها خلال العقد الماضي، إلى جانب إحيائه حفلات قائمة على هذا الإتصال الموسيقي- الثقافي، ومشاركته عازفا على القانون رفقة الأوركسترا السيمفوني في أكثر من مدينة ببلجيكا وغيرها من بلدان أوروبا.
3
وبالعودة إلى المسار الأول، أي العزف والتأليف لآلة القانون، فأننا نجد ثلاث مقطوعات رفقة الفرقة الصغيرة، ورابعة جاءت منفردة. وعلينا كمتذوقي موسيقى ومتلقي فنونها النغمية الرفيعة، ان نفخر بابن بلادنا، اسامة عبد الرسول وهو يقدم لحنين باذخين في جمالهما الإيقاعي والروحي، ففي "غجري في بغداد" نشعر بالأرض وهي تتحرك نشوانة بتأثير رقص غجري، فيما (القانون) يتبادل النشوة الروحية مع (الأوكورديون) وليتجاور هنا مصدران نغميان في حوار شرقي-غربي جميل ورشيق، بينما تأتي مقطوعة "رقصة النرجس"، تطبيقا لنزوعه إلى التأليف الحديث، فثمة تجريب على أكثر من مصدر نغمي، فثمة الأندلسيات، وهناك الأنغام الباريسية، والمشرقيات العربية وفق روح تصوغها إيقاعات محكمة لكنها تظل مطواعة غاوية.