بن بطوطة هو ابن طنجة المغرب ولد عام 1304 من عائلة مارست القضاء، درس الشريعة, وعندما ادرك الـ 21 عاماً من العمر, خرج حاجاً بهدف دراسة وممارسة الشريعة في أنحاء بلاد العرب. وفي ذلك يقول:
(كان خروجي من طنجة مسقط رأسي... معتمداً حج بيت الله الحرام وزيارة قبر الرسول, منفرداً عن رفيق آنس بصحبته, وركب أكون في جملته, لباعث على النفس شديد العزائم, وشوق إلى تلك المعاهد الشريفة... فجزمت نفسي على هجر الأحباب من الإناث والذكور, وفارقت وطني مفارقة الطيور للوكور, وكان والداي بقيد الحياة فتحملت لبعدهما وصباً, ولقيت كما لقيا نصباً). في عصره كان السفر عبر المسافات الشاسعة مليئ بالمغامرات والمجازفات. فكان في مرات يرحل وحيداً على ظهور الحمير او الأفيال وعلى أكتاف الحمالين او بقافلة من التجار, وكانت القوافل تتزايد في الطريق بانضمام المزيد إليها وكانت تمر في الفيافي والقفار والسهول والوديان، خلال هبوب الرياح العاتية والامطار الغزيرة ولا شيء يحميها غير الحظ والبخت.
وعند وصوله القاهرة كان المسافرين في القافلة عدة آلاف كلهم من الرجال. في عصره الوعر قطع ابن بطوطة 75 ألف ميل تقريباً في أسفاره. وهو الوحيد في العصور الوسطى الذي زار جميع بلدان الاسلام. اذ زار شمال أفريقيا وسورية وبلاد الرافدين ومكة وفارس وآسيا الصغرى حتى شبه القارة الهندية وفي طريقه اصابه المرض فتوقف عن السفر فكتب يقول:
(إذا ما قضى الله أجلي, فسيكون موتي على الطريق, ميمماً وجهي شطر مكة) وبعدها استأنف الرحيل وأمضى هناك في الهند قرابة عقد من الزمان عاملا في بلاط سلطان دلهي الذي أرسله سفيراً له إلى الصين. بعد 30 عاماً من الترحال والاستكشاف, وحوالى عام 1350, شرع ابن بطوطة العودة إلى وطنه فرجع إلى فاس في المغرب. وهناك, في بلاط السلطان ابن عنان, قرأ أوصاف ما رآه في أسفاره على ابن الجوزي. الذي خط منها كتاباً بعنوان (رحلات ابن بطوطة).
وعن زيجات ابن بطوطة، ذكر انه تزوج عدداً من الزوجات وعرف أكثر من عشيقة خلف منهن عددا من الابناء تركهم حيث تزوج او عشق. وعن زيجات ابن بطوطة الاخرى يقول في (رحلات ابن بطوطة) أثناء مسيرة القافلة في أراضي ليبيا, وجد ابن بطوطة من المناسب له أن يتزوج ابنة تاجر تونسي مسافر معهم في القافلة إلى الحج. وقد تزوجها ابن بطوطة في مدينة طرابلس, غير أن الزواج لم يعمر طويلاً بسبب خصومته مع حميه التونسي الجديد. لكن على ما يبدو لم يزعج هذا ابن بطوطة كثيراً فسرعان ما خطب فتاة أخرى هي ابنة حاج من فاس. وفي هذه المرة كان حفل الزفاف يوماً كاملاً من الاحتفالات. وفي بلاد المالديف تولي ابن بطوطة منصب القضاء طوال الشهور الأربعة عشر حيث صاهر سلطانة الجزر (خديجة) وهي زوجة وزيرها. وإذ أعجبت به وبأحكامه في أمور القضاء وحل الشكاوى، جعلته يترك جاريته الهندية وسمحت له السلطانة بأن يتزوج أربع زوجات من بنات المالديف حسب ما يسمح به الشرع، ولكنه حجب نساءه عن عيون الناس بعكس عادات أهل البلاد.
ازداد إعجاب السلطانة خديجة بابن بطوطة وهو يحكي لها ما هو به من حكايات ومشاهدات قبل وصوله الى بلادها. على الرغم من إعجاب السلطانة خديجة بحكايات ابن بطوطة عن أسفاره ورحلاته، فإن زوجها الوزير كان يضيق به لتعلق السلطانة بالاستماع الى حديث الرحلات الذي كان يشغلها عنه وعن الاهتمام بشؤون البلاد. وجاءت الطامة حين أساء ابن بطوطة في أحد أحكامه بأن انتقد سير النساء في الطرقات والأسواق شبه عراة وبصدور مكشوفة مما يحرمه الإسلام الذي يفرض الحجاب على المسلمات. هنا استدعاه الوزير أمام السلطانة منتقداً سوء أحكامه في القضاء، وقال له (أنت رجل تحب الأسفار ويشغلك التفكير فيها عن مهمة القضاء والحرص في أحكامك. الآن تطلق نساءك فإنهم لا يرحلن عن بلادهن، وأعط مؤخر الصداق لزوجاتك، وانصرف عن القضاء وارحل عن جزرنا). غير أن السلطانة كما يروي هو وضعت شروطاً لرحيله، أولاً: أن يسجل رحلاته التي حكاها لها، أما ثاني شروطها فهو أن ترافقه في رحلة عودته الى بيت الله الحرام لتقوم بالحج وتشاهد العتبات المقدسة. ودعت المجلس الشرعي ليشهد على ذلك، وهكذا كانت رحلة ابن بطوطة الثانية الى الحج في رحلة حجيج بدأت من المالديف برفقة موكب السلطانة خديجة بعد تسجيل أخبار رحلاته التي استمعت إليها وهي الوثائق التي عثر عليها في المتحف الوطني بمالي.
عند وصوله بغداد يقول ابن بطوطة من فارس (ثم سافرنا إلى بغداد, دار السلام وعاصمة الإسلام. فيها شاهدت جسرين كالذي في الحلة, يعبرهما الناس صباح مساء, رجالاً ونساء. الدروب إلى بغداد كثيرة ومعمرة بإتقان, معظمها مطلي بالزفت من نبع بين الكوفة والبصرة يفيض منه بلا انقطاع. ويتجمع على جوانب النبع كالطين فيجرف من هناك ويؤتى به إلى بغداد. في كل معهد ببغداد عدد من الحمامات الخاصة به, وفي كل منها جرن اغتسال عند أحد أركانها يتدفق الماء فوقه من صنبورين أحدهما للماء الساخن والآخر للبارد. ويعطى كل مغتسل ثلاث مناشف, واحدة ليلفها حول خصره حينما يدخل والأخرى ليلفها حول خصره حينما يخرج والثالثة ليجفف بها جسده). وعند انعطافه على الحلة ذكر ابن بطوطة قبل سبعة قرون، انه شاهد فيها زمن السلطان المغولي بهادرخان (بين 716 ـ 736هـ)، جماعة، قال عنها (من عاداتهم أن يخرج في كلِّ ليلة مائة رجل من أهل المدينة عليهم السلاح، وبأيديهم سيوف مشهورة، فيأتون أمير المدينة، بعد صلاة العصر، يأخذون منه فرساً مُسرجاً مُلجماً أو بغلة كذلك، ويضربون الطبول والأنفار والبوقات أمام تلك الدابَّة، ويتقدمها خمسون منهم، ويتبعها مثلهم، ويمشي آخرون عن يمينها وشِِمالها ... ويقولون: باسم الله يا صاحب الزمان! باسم الله اخرج، قد ظهر الفساد وكثر الظلم، وهذا أوان خروجك). ومن الحلة اقتبست إيران الشعار، فقالوا (مهدي بيا). أي (يا مهدي تعالى!).
في رحلته للهند يقول ابن بطوطة في (رحلات ابن بطوطة) يقول (رأيت الناس يهرعون من عساكرنا, ومعهم بعض من أصحابنا, فسألتهم ما الخبر؟ فأخبروني أن كافرا من الهنود مات, وأججت النار لحرقه, وإمرأته تحرق نفسها معه ولما أحترقا جاء أصحابي وأخبروني أنها عانقت زوجها الميت حتى أحترقت معه .وبعد ذلك كنت في تلك البلاد أرى المرأة من الهنود متزينة راكبة, والناس يتبعونها من مسلم وكافر, والأطبال والأبواق بين يديها ومعها البراهمة, وهم من كبراء الهنود، وإذا كان ذلك ببلاد السلطان استأذنوا السلطان في إحراقها فيؤذن لهم فيحرقونها. ثم أتفق أني كنت بمدينة أكثر سكانها كفارا تعرف بأبجري, وأميرها مسلم من سامرة السند، وعلى مقربة منها الكفار والعصاة, فقطعوا الطريق يوماَ, وخرج الأمير المسلم لقتالهم, وخرجت معه رعية من المسلمين والكفار, ووقع بينهم قتال شديد, مات فيه من الكفار سبعة نفر, وكان لثلاثة منهم ثلاث زوجات, فأتفقن على إحراق أنفسهن .ولما تعاهدت النسوة الثلاث اللائي ذكرناهن على إحراق أنفسهن, أقمن قبل ذلك ثلاثة أيام في غناء وطرب وأكل وشرب, كأنهن يودعن الدنيا, ويأتي إليهن النساء من كل جهة, وفي صبيحة اليوم الرابع أتيت كل واحدة منهن فرس فركبته, وهي متزينة متعطرة وفي يمناها جوزة نارجيل تلعب بها, وفي يسراها مرآة تنظر فيها وجهها, والبراهمة يحفون بها, وأقاربها معها, وبين يديها الأطبال والأبواق والأنفار. وكل إنسان من الكفار يقول لها، أبلغي السلام إلى أبي أو أخي أو أمي أو أصحابي, وهي تقول لهم، نعم يوصل, وتضحك إليهم. وركبت مع أصحابي لأرى كيفية صنعهن في الإحتراق. فسرنا معهن نحو ثلاثة أميال, وأنتهينا إلى موضع مظلم كثير المياه والأشجار متكاثف الظلال, وبين أشجاره أربع قباب, في كل قبة صنم من الحجارة. وبين القباب صهريج ماء قد تكاثفت عليه الظلال, وتزاحمت الأشجار فلا تتخللها الشمس. فكان ذلك الموضع بقعة من بقع جهنم, أعاذنا الله وإياكم منها .ولما وصلن إلى تلك القباب, نزلن إلى الصهريج, و أنغمسن فيه, وجردن ما عليهن من ثياب وحلي, فتصدقن به, وأتيت كل واحدة منهن بثوب قطن غير خشن غير مخيط, فربط بعضه على رأسها وبعضه على وسطها وكتفيها. والنيران قد أضرمت بالقرب من ذلك الصهريج، في موضع منخفض, وصب عليها روغن كنجت "كنجد" وهو زيت الجلجلان فزاد في إشتعالها.
وهناك نحو خمسة عشر رجلا بأيديهم حزم من الحطب الرقيق, ومعهم نحو خمسة عشر رجلا آخرين بأيديهم خشب كبار, وأهل الأطبال والأبواق وقوف ينتظرون مجيء المرأة, وقد حجبت النار بملحفة, ويمسكها الرجال بأيديهم لئلا يدهشها النظر إليها. فرأيت إحداهن لما وصلت إلى تلك الملحفة, نزعتها من أيدي الرجال بعنف وقالت لهم، "مارا ميتر ساني ازاطش آنش من ميدانم أو اطاش است رهكاني مارا, وهي تضحك , ومعنى هذا الكلام أبالنار تخوفونني؟ أنا أعلم أنها نار محرقة ثم جمعت يديها على رأسها خدمة للنار , ورمت بنفسها فيها". وعند ذلك ضربت الأطبال والأنفار والأبواق, ورمى الرجال ما بأيديهم من الحطب عليها, وجعل الآخرون تلك الخشب من فوقها لئلا تتحرك, وارتفعت الأصوات وكثر الضجيج .
ولما رأيت ذلك كدت أسقط عن فرسي لولا أصحابي تداركوني بالماء فغسلوا وجهي وانصرفت. وكذلك يفعل أهل الهند أيضا في الغرق, يغرق كثير منهم أنفسهم في نهر الكنك, وهو الذي إليه يحجون. وفيه يرمى برماد هؤلاء المحرقين. وهم يقولون: (إنه من الجنة. وإذا أتى أحدهم ليغرق نفسه يقول لمن حضره " لا تظنوا أني أغرق نفسي لأجل شيء من أمور الدنيا أو لقلة مال, إنما قصدي التقرب إلى كساي " وكساي " بضم الكاف والسين المهمل " اسم الله عز وجل بلسانهم, ثم يغرق نفسه. فإذا مات أخرجوه وأحرقوه ورموا برماده في نهر الكنك). هذا ما كتبه ابن بطوطة عن اهل الهند اذ جعل الهندوس كفارا وهي مقولة زمانه ولاتزال قائمة في افكار الكثير من اهل زماننا.
عندما وصلت قافلة ابن بطوطة مصر أذهلته القاهرة فقرر البقاء فيها قرابة شهر. كانت القاهرة كما وصفها ابن بطوطة (أم المدن, سيدة الأرياف العريضة والأراضي المثمرة, لا حدود لمبانيها الكثيرة, لا نظير لجمالها وبهائها, ملتقى الرائح والغادي, سوق الضعيف والقوي تمتد كموج البحر بما فيها من خلق بالكاد تسعهم). وحين غادرها قرر أن يسلك طريقاً غير مباشر إلى مكة مادامت شهور عديدة تفصله عن موعد الحج. ومضى إلى دمشق, التي كانت حينها العاصمة الثانية للدولة المملوكية في مصر.
لم يكن هذا الجزء من رحلة ابن بطوطة مليئاً بالأحداث, ربما لاستتباب الأمن فيه نسبياً في عهد المماليك. دمشق سحرت ابن بطوطة بجو التسامح والتعاضد الذي يسود فيها. وعنها يقول:
(تنوع ونفقات الأوقاف الدينية في دمشق تتجاوز كل حساب. هناك أوقاف للعاجزين عن الحج إلى مكة, ومنها تدفع نفقات من يخرجون للحج نيابة عنهم. وهناك أوقاف أخرى توفر أثواب الزفاف للعرائس اللائي تعجز عوائلهن عن شرائها, وأوقاف أخرى لعتق رقاب السجناء. وهناك أوقاف لعابري السبيل تدفع من ريعها أثمان طعامهم وكسائهم ونفقات سفرهم لبلدانهم. كما أن هناك أوقافاً لتحسين ورصف الدروب, لأن كل الدروب في دمشق لها أرصفة على جانبيها يمشي عليها الراجلون, أما الراكبون فيمضون في وسط الدرب). يتحدث كتاب الرحلات عن المغامرات التي عاشها ابن بطوطة في أسفاره. فخلالها تعرض للهجوم مرات كثيرة, وفي إحداها كاد يغرق مع السفينة التي يستقلها, وفي أخرى أصبح على وشك أن يلاقي مصيره إعداماً على يد أحد الزعماء الطغاة. تحدث عن جزر المليبار فقال (ومن عجائبها أن سلطانتها امرأة وهي خديجة بنت السلطان جلال الدين، وهم يكتبون الأوامر في سعف النخيل بحديدة معوجة تشبه السكين ولا يكتبون في الكاغد إلا المصاحف وكتب العلم ولما وصلت إليها نزلت بجزيرة كنلوس وكان غرضي أن أسافر منها إلى المعبر وسرنديب وبنجالة ثم إلى الصين)
.
ابن بطوطة الاسم الذي اشتهر به وعند العامة ابن بطبوطة, وتنتشر قبيلته البربرية بدءا من طنجة بالمغرب حتي ليبيا. لم يكن ابن بطوطة جغرافيا فهو لم يهتم بالأقطار إلا قليلا, وحتي المدن جاء وصفه لها باعتبار ما يقطنها من الناس, الذين كانوا موضع اهتمامه, ولذلك فهو يفيدنا في التاريخ والاجتماع أكثر مما يفيدنا في الجغرافيا وجاء ترتيب أسفاره غير واضح, المؤرخون يعزونه انه أملى أخباره بعد مدة طويلة من انتهاء أسفاره ولابد انه فقد أوراقه ان كانت لديه اوراق خاصة ان رجلاته وعرة كما زال الكثير من ذاكرته. عند نهاية العودة الى بلاده استدعاه السلطان أبو عنان المريني ليسجل بين يدي كاتبه ابن جزي الأندلسي كل مافي أسفاره من خبر وعبر فجمعت في كتاب (تحفة الأنظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار). فأقام في حاشيته يُحَدِّثُه بما رآه من وانتهى من كتابتها سنة 1356، وقد ظلت رحلة ابن بطوطة موضع تقدير كثير من العلماء والباحثين فترة طويلة، وتُرجِمَت إلى الإنكليزية، ونُشِرَت في لندن، في 1829تُرجِمَت رحلة ابن بطوطة إلى الفرنسية، ثم إلى الألمانية، فشاع امرها بين العباد. وفي عام 1378 ودع ابن بطوطة الدنيا في طنجة، وفي المغرب اليوم يوجد في طنجة دربا يسمى (درب ابن بطوطة) حيث كان يعيش، وبالقرب من سوق طنجة يتواجد ضريحه حيث دفن.