مثلما وقع الموسيقار العراقي الرائد سلمان شكر فريسة التقاليد الإجتماعية والتربية الأسرية الصارمة، حين حطم والده أكثر من آلة عود، ومنعه لحين من دراسته في معهد الفنون الجميلة، كان الأم يتكرر مع فؤاد عبد الرضا السادن، المولود الذي عاني الأمرين من ضيق المحيط الإجتماعي وقسوته وظلمه، حين بدا الشاب المولع بالنغم الغربي الكلاسيكي، غريبا على بيئته المتدينة التي هالها ان يكون ابنها محبا للموسيقى وعازفا لأنغامها.
ولعه "الغريب" هذا الذي ما لبث ان تحول شغفا خلّاقا، رعاه بصمت ووفاء شقيقه الأكبر، عبر مجموعته من أسطوانات الأغنيات والموسيقى الفرنسية(*)، حتى صار ممرا قاده إلى معهد الفنون الجميلة 1945، ليبدأ دراسته لفنون العزف تحت إشراف الموسيقار الأستاذ جميل بشير، والذي نصحه لاحقا بالتحول إلى آلة الفيولا.
وجاء قبوله في المعهد والدراسة ببغداد، إنقاذا من صعوبات أكثر حدة، وبيئة إجتماعية أكثر انغلاقا، حين انتقل من بغداد التي ولد فيها العام 1925 إلى مدينة النجف، مما حدا عائلته لتجنب المشاعر العدوانية تجاهه، بإخفاء آلة الكمان عن أنظار المعارف والجيران .
الشاب فؤاد السادن، بدأ مع آلة الفيولا، مع وصول أحد الذين أثّروا كثيرا في الموسيقى العراقية الرصينة في القرن العشرين، الروماني ساندو ألبو، الذي قضى مع السادن ست سنوات حتى تخرجه 1952، وليبدأ رحلة العمر، الرحلة التي بدأت باغوائه منذ أن صبيا يافعا.
سمته الدولة العراقية ضمن بعثة إلى فرنسا، ضمن نهجها القائم على ابتعاث المجتهدين إلى أرقى الجامعات والمعاهد في العالم، وقضى خمس سنوات في دراسة العزف على الفيولا ونظريات الموسيقى.
عاد بحيوية الشاب المثقف، ليمضي 42 عاما في تدريس العلوم النظرية والفنون الموسيقية التطبيقية في معهد الفنون الجميلة، و8 أعوام أخرى في تدريس ما تحصل عليه من معارف وتجارب في مدرسة الموسيقى والباليه، وقسم الموسيقى بكلية الفنون الجميلة ومعهد الدراسات الموسيقية.
نصف قرن في تهذيب الأذواق وتعليم النفوس
خمسون عاما قضاها السادن كانت كافية كي ينهل من علومه أجيال من الموسيقيين العراقيين الشبان، فضلا عن حصيلة في فنون العزف على آلتي الكمان والفيولا، فضلا عن نظريات الموسيقى ومعرفتها، وهو ما صار مرجعا عبر كتابه المهم "مدرسة الكمان للمبتدئين" 2001، إلى جانب محاضراته لطلبة الموسيقى ومن مختلف المراحل.
واذا ذكرت الموسيقى الرفيعة في العراق، فلا بد أن تذكر "الفرقة السيمفونية الوطنية العراقية" ونواتها الحقيقة "فرقة بغداد الفلهارموني"، وفيهما كان السادن ركنا أساسيا ومعلما كان يتوقف عند علمه وخبراته الكثير من الموسيقيين الأجانب الذين عملوا في العراق منذ خمسينيات القرن الماضي حتى عقده ما قبل الأخير.
وعلى طريقة الدولة العراقية، منذ ثمانينات القرن الماضي حتى اليوم، في إهمال الرواد والبناة المؤسسين في مختلف حقول العلوم والفنون الرفيعة، ظل السادن في محراب فنه الرفيع وتجربته الرفيعة، دون إشارة رسمية إلى دوره البارز حتى وفاته العام 2014، عدا استذكار خجول في العام 2008 عن دوره كعضو مؤسس في الفرقة السمفونية الوطنية العراقية.
(*)حسام الدين الأنصاري، "تاريخ الفرقة السمفونية الوطنية العراقية 1962-2012"، بغداد.
(**) الصورة من أرشيف الباحث والمؤلف والعازف الموسيقي د. دريد الخفاجي.