بانوراما الخراب

2015-01-15
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/370d1769-721b-4a43-be14-00539d5e6430.jpeg
صلاح صلاح ( مولودٌ ببغداد ، عام  1962 ) ، ويعيش حاليّاً في هاملتون بكندا .
كتب صلاح حتى الآن خمس روايات هي :
تحت سماء الكلاب ( 2005 )  ، 350 صفحة – بوهيميا الخراب (2009 ) ، حوالي 500 صفحة ، – أوراق الزمن الداعر  (2010)
320 صفحة – إستلوجيا (2012 ) 252 صفحة.
الرواية الخامسة التي أتمّ كتابتَها للتوّ ، ولم تُنشَر بعدُ ، تحمل عنوان : كيف تقتل الأرنب .
رواياته الأربع  الأولى  ، تجري أحداثُها في العراق ، أمّا الخامسة  التي لم تُنشَر حتى الآن ، فتتخذ من المشهد الكنديّ  مسرحاً لأحداثها
بالرغمِ من أن اهتمامها الأساس يتصلُ بالمهاجرين العراقيين في كندا .
*
من الممكن القول إن روايات صلاح صلاح تندرج تحت العنوان العريض لرواية السيرة ، لكن المتكلِّم فيها ، يؤدي الدورَ الصعبَ لمن
نصّبَ نفسه شاهداً على مرحلة بكل تعقيداتها وفضائحها ودمويّتها .
هذا المتكلمُ ( الراويةُ ) ليس شاهداً متفرجاً .
إنه في صُلْبِ الحياةِ الملعونةِ ، ضحيةٌ مثل الضحايا الآخرين ، بل أن لعنتَه لأَشَدُّ ، إذ هو مستمرٌّ تحت وطأتِها ، بينما ثمّتَ آخرون يختفون وقد تعدّدتْ
أسبابُ اختفائهم ، بين موتٍ عاديٍّ ، وموتٍ عنيفٍ .
لَكأن صلاح صلاح ، العراقُ مُشَخّصاً ، بلامعقوليّته ، وقسوتِه ، وأركيولوجيّةِ يومه وأهلِه :
الراوي ، منتسبٌ إلى تنظيمٍ بعثيّ للطلبة ، لكنّ أمّه شيوعيةٌ سوف يعدمها البعثيون بعد تعذيب في السجن ، وهو في الحرب العراقية الإيرانية ، ملحقٌ
بقيادة الفيلق في البصرة ، لكن أصدقاءه يكرهون القتال . هو يقترب من الحزب الشيوعي ، لكنه محررٌ في صحيفة " الإتحاد " الناطقة باسم حزب
جلال الطالباني  . يذهب في دهوك إلى مقر الحزب الشيوعي ليرى " رأس المال " مهترئاً في ركنٍ من المبنى ، ثم يتصل بجماعة إياد علاّوي العميلة.
رواية ( تحت سماء الكلاب ) مثلاً ، تحكي عن شماليّ العراق ، بعد حظر الطيَران  ، والصراع بين زعيمَي الإقطاع الكرديّ ، بارزاني وطالباني ،
وكذلك عن متاهة الأحزاب ، الأصيلِ منها والعميل ، ومكاتب التجسّس المختلفة ، ومن بينها مكتب الموساد غير البعيد عن مــــقــر
 الحزب الشيوعي العراقيّ في شقلاوة.
 
( بوهيميا الخراب )  هي عن العراق المهزوم ، وفترة الحصار .
( أوراق  الزمن الداعر ) عن مسلسَل العذاب الذي يمرُّ به فتىً في مرحلة التكوين .
( إستلوجيا ) تكاد تدور حول علاقة الإبن بأمّه ذات النهاية المأساوية ،  الأمّ الشيوعية التي أعدمَها النظام بعد تعذيبها في السجن .
*
تأسرُني رواية " تحت سماء الكلاب " بخاصّةٍ ، ذلك لأنها تقدم للقاريء والناس ، شهادةً شخصيةً موثّقةً عن منطقةٍ عراقيةٍ
في زمنٍ عائمٍ غائمٍ حتى اليوم ...
" في زاخو تتداخلُ الحدودُ ، تتداخلُ المسافاتُ ، أحدُ الذين تعرّفتُ عليهم في مدينة أربيل ، وهو عضو قيادة الإعلام في
الإتحاد الوطني ، شاهدتُه في مدينة زاخو . وللعلاقة القوية التي كانت بيننا ، اعترفَ بأنه الآن بصدد السفر إلى إسرائيل ،
بعد أن وافقت الدولةُ العبريةُ على يهوديّته الجديدة . كان سعيداً ، وقال إنه تحرّرَ الآن من الإسلام إلى الأبد ... "
تحت سماء الكلاب ص 23
*
الحقائقُ التي يبْسِطُها أمامَنا ، صلاح صلاح ، تبدو أغربَ من الخيالِ ، لكنها حقائقُ أثبتَ الزمنُ صلادتَها . مثلاً :
" أثناء خدمتي العسكرية في البصرة  عام 1986  ، تعرفتُ على شخصٍ كرديّ من مدينة زاخو وتوطّدتْ علاقتي به.
بعد سنواتٍ طويلةٍ التقيتُ هذا الشخص في زاخو عام 1996 . وعندما دار الحديثُ عن أجهزة البارستن ، قال لي ،
وهو الذي له أخٌ قياديّ في جهاز الباراستن ، إن كريم سنجاري قائد هذا الجهاز تدرّبَ على إدارة هذا الجهاز في إسرائيل
التي أشرفت هي بنفسها على تأسيس هذا الجهاز واختيار عناصره ،  ومنهم مسعود البارازاني الرئيس الحالي للحزب 
الديمقراطي الكردستاني " .    ص62
*
ليس في " تحت سماء الكلاب " شخوصٌ روائيةٌ  ، كما ألِفْنا ، عادةً ، في الروايات .
لَكأن الحياةَ ذاتَها ، بكل ثرائها ، وعنفِها ، ودمويّتِها ، وبهائها ، تتبدّى لنا ، في بانوراما بالغةِ القسوةِ والوضوح :
المناضلون العرب في أربيل الذين يسلِّمهم جهاز الباراستن البارزاني إلى جلاّدي صدّام حسين ، ليُعدَموا فوراً  ،
أو أولئك الذين يموتون تحت  أنياب الكلاب وتعذيب المحققين الإسرائيليين في سجون الباراستن .
رياض ابراهيم ، الشاعر ، الذي يذوي ، ليموت كمداً في زاخو ، وهو ينتظرُ عبوراً لن يتحقق ، إلى سوريا أو تركيا .
والمحتالون من شذّاذ الآفاق ، وسماسرة السياسة ، الذين ينعمون برخاءٍ لا مثيل له في زمنٍ فاجرٍ تحت سماءِ الكلاب .
*
سلاماً عليك يا رياض ابراهيم .
سلاماً أيها الوطن ونحن نفرُّ منك إلى المجهول الآخر .
سلاماً يا جبالَ بَخير وشقلاوة.
سلاماً لمكتبات الجوع المزمن والكتُبِ المصادَرة.
البيشمركة ينتشرون على الطرقات . البيشمركة ينامون تحت كل المسمّيات .
شعرتُ بالاختناق وأنا أقدمُ أوراقي لمكتب الحدود . 
أطفالي صامتون .
ص 341    "تحت سماء الكلاب"
*
الحقّ أن الوضع الراهن في شماليّ العراق ، هذا الوضع الملتبس ، يحتاجُ إلى أكثر من وسيلةٍ لتحرّي
جذوره ، ومتابعة نهاياته التي ستظل غامضةً إلى حينٍ .
وأظنُّ " تحت سماء الكلاب " ستكون عوناً في هذا المسعى .
تورنتو  15.05.2014

سعدي يوسف

 شاعر عراقي وكاتب ومُترجم، وُلد في ابي الخصيب، بالبصرة عام 1934. اكمل دراسته الثانوية في البصرة. ليسانس شرف في آداب العربية. عمل في التدريس والصحافة الثقافية . غادر العراق في السبعينيات وحاليا يقيم في لندن ونال جوائز في الشعر: جائزة سلطان بن علي العويس، والتي سحبت منه لاحقا، والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية. في العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ. في العام 2008 حصل على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا . وعلى جائزة الأركانة المغربية لاحقاً

عمل كعضو هيئة تحرير "الثقافة الجديدة".

عضو الهيئة الاستشارية لمجلة نادي القلم الدولي PEN International Magazine

عضو هيئة تحرير مساهم في مجلة بانيبال للأدب العربي الحديث .

مقيم في المملكة المتحدة منذ 1999.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved