بيروت صغيرة بحجم راحة اليد بيروت كبيرة بحجم أملٍ مضاع

2013-09-15
هذه اليوميات من حصار بيروت 1982، التي دوّنها أمجد ناصر، وأصدرتها  " الأهلية للنشر " في عمّان، هي آخرُ الشهادات، وربّما أسخنُها، عمّا جرى قبل ثلاثين عاماً، في عاصمة عربية محتلّة.
نحن، العرب، لم نألف في النصف الثاني من القرن العشرين احتلال عاصمة من عواصمنا .
كان علينا أن ننتظر القرن الحادي والعشرين لنشهد احتلال عمقٍ تاريخيّ في ضميرنا، حين احتلّ الأميركيون بغداد
ليقيموا فيها ما أقام عسيبٌ .
أقول هذا، كي نحسّ بالنبض العالي، الذي اتّسمتْ به الكتاباتُ عن بيروت وحصارها، واحتلالها في ما بعدُ .
لكن ما كتبه أمجد ناصر، مختلف .
إنه يكتب بألفةٍ حتى في أشدّ اللحظات هولاً : اشتداد القصف، وولادة يارا، ابنته. لم يكن الرجلُ مبالِغـــاً
عندما يقول إن بيروت صغيرة بحجم راحة اليد  .
كان يريد أن يجعلنا نطمئنُّ إلى صورةٍ من حياة يومية، فيها من الاعتياد قدْرُ ما فيها من الغرابة : كنّا شجـعاناً ؟ نعم . لكننا أناسٌ عاديّون أيضاً، ننظر إلى ما حولنا، وإلى ما فينا، كما ينظر الناسُ .
بطولةُ العاديّ ؟
أهذا ما أراد أمجد أن يُبْلِغَنا إيّاه ؟
سيّارة الإذاعة مثلاً، هذه التي مررتُ عليها أكثر من مرة، لتبادلِ حديثٍ أو مزحة :
في كل لحظة كان من الممكن أن تتطايرَ هذه السيارة الرنّانةُ في الهواء، بصاروخ إسرائيلي  . لكن أمجد كان هناك . ميشيل . علي . نزيه . غسان ...
كانوا يعيشون، حياتهم الأليفة، الحياة التي أمست كثيفةً حتى الخطر.
البطولة هنا .
*
يوميات أمجد ناصر، نأت بنفسها عن المبالغة.
*
أستعيدُ الآن الـمَشاهد الأخيرة :
من ساحة أبو شهلا، غير بعيد عن جسر الكولا، نقلتنا حافلاتٌ  إلى المرفأ .
هناك كانت السفن التي ستأخذنا إلى النهايات.
سوف نسلِّم سلاحنا الفرديّ .
ونسجل مغادرتنا بأسماء ليست أسماءَنا. لننجرف في عالمٍ قاسٍ ما زلنا ننجرفُ فيه.
كتاب أمجد ناصر، أغنيةُ مديحٍ خفيضة، لبطولة ثقافةٍ، هي ثقافتنا العربية.




سعدي يوسف

 شاعر عراقي وكاتب ومُترجم، وُلد في ابي الخصيب، بالبصرة عام 1934. اكمل دراسته الثانوية في البصرة. ليسانس شرف في آداب العربية. عمل في التدريس والصحافة الثقافية . غادر العراق في السبعينيات وحاليا يقيم في لندن ونال جوائز في الشعر: جائزة سلطان بن علي العويس، والتي سحبت منه لاحقا، والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية. في العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ. في العام 2008 حصل على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا . وعلى جائزة الأركانة المغربية لاحقاً

عمل كعضو هيئة تحرير "الثقافة الجديدة".

عضو الهيئة الاستشارية لمجلة نادي القلم الدولي PEN International Magazine

عضو هيئة تحرير مساهم في مجلة بانيبال للأدب العربي الحديث .

مقيم في المملكة المتحدة منذ 1999.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved