دعوات الإستشهاد في سبيل ألله, كيف فهمها وأدّاها السلفيون في القرن الماضي/1

2015-06-22
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/d7ee1bde-80fe-4547-a123-e098d361ca44.jpeg
 يعود الفضلُ في كتابة هذا التقرير إلى الوثائق والدراسات والمجلات التي وفرها لي مشكوراً المركز الثقافي في مدينة (الخُمس) بليبيا طوال فترة إقامتي في ذلك البلد العزيز عليَّ, هاشم.

الحلقة الأولى

يرى جمال الدين الأفغاني (1839-1897) بأن سبب إنحطاط المسلمين وتخلفهم يعود إلى  ضياع الحداثة الدينية لديهم, وعندما تحول الدين لديهم إلى طقوس وشعائر وتقاليد ورسوم بلا معنى, وصارت العبادة عِبارة عن ممارسات صوفية خارقة, وبذلك أساء رجال الدين فهم الشريعة وتفسير العقيدة الصحيحة من حيث يعلمون اولا يعلمون.
في هذهِ الدراسة المُبسطة (والتي استعنتُ في كتابتها على وثائق ومصادر مُتنوعة), وعلى لقاءات مع بَعض من غُرِرَّ بِهم .. واستفاقوا على فداحة العَبَث الفكري الذي لازمهم طوالَ مُدّة مسايرتهم لتلك التوجهات المتطرفة, أُحاول أن أتعرض للطُرق التي استخدمتها التنظيمات الإسلامية السياسية المُعارضة لتجنيد الأعضاء وإعدادهم ليصبحوا عناصر عسكرية نشيطة.. كما سأحاول وصف أشكال وأساليب نشاطات هذهِ التنظيمات.
من المعلوم أن التجنيد في التنظيمات الدينية السياسية المعترضة يحمل طبيعة نشطة, أي هو عبارة عن مبادرة لاستقبال وتنظيم العضو الذي سيصبح من جسم التنظيم, وفي المجمل يُصبح عميلاً نشطاً للتنظيم ككل.
تُعتبر مرحلة دراسة شخصية المُرشح, هي المرحلة التحضيرية. فمثلاً تنصح النشرات الداخلية للأخوان المسلمين السودانيين بإلحاح ((التعرف على شخصية المُرشح وعلى أفكارهِ لتحديد المَدخل إلى عقلهِ وقلبهِ)). وتقوم بمهمة دراسة المُرشح خدمة المعلومات في هذهِ التنظيمات, التي هي عبارة عن جهاز يجمع جميع المعلومات الخاصة بالمرشح -الوضع الصحي، الطباع السيكولوجية، الحالة المعنوية، الإمكانيات المادية وإمكانيات الترقي المستقبلية في المناصب ولا يباشر العمل المباشر مع المُرشح إلا بعد تقييمه كعنصر مناسب للانتساب إلى التنظيم. 
وهنالك صفة مميزة أخرى للتجنيد وهي تعدد المراحل. فهذه تبدأ من اللقاءات التي يجري فيها التحدث حول المواضيع الدينية والاجتماعية والسياسية الملحة (غالباً على شكلٍ مُنفرد) بعدها يُدعى المرشح إلى اجتماع الخلية أو الجماعة، حيث يسيطر جو من التكريم للمرشح وتُبحث في هذا الاجتماع تلك المسائل التي يُعتقد أنها تُقلق المرشح ذاته. وبالتدريج يصبح المرشح عضواً في التنظيم، كما يباشر ممارسة النشاط التنظيمي بصورة تدريجية أيضاً. يُكلف المرشح "العُضو" بمهام مختلفة: شراء الكتب لمكتبة التنظيم، إقامة معرض للكتب الدينية في الحي، جمع التبرعات لبناء المساجد وغيرها. وبعد ذلك يُكلف بتوزيع أشرطة التسجيل لرجال دين غير رسميين وإقامة مجلات حائطية، أي الإشتراك في جميع أشكال النشاطات (بصورةٍ تصاعدية), وصولاُ إلى تنفيذ أعمال العنف، إذا كان الحديث يدور حول التنظيمات الدينية السياسية المعارضة المتطرفة. 
في الحالة الأخيرة، يجري اختبار تجريبي، ينحصر في إعطاء "العضو المرشح" مهمة خطرة نسبياً (على سبيل المثال، تركيب جهاز تفجير)، ويُراقب تنفيذه لهذهِ المهمة عدد من الأشخاص الذين لا يُقدمون على إيقافه إلا في اللحظة الأخيرة. وبعد ذلك يسمحون له بأداء قسم الولاء، الذي على أثره يُصبح العضو المُرشح عضواً كامل الأهلية في هذه التنظيمات الدينية السياسية المعارضة المتطرفة, أو في التنظيم الخاص, في التنظيمات الدينية السياسية المشروعة. نشير هنا إلى أن أعضاء المجموعات المسلحة في التنظيمات الدينية السياسية المعارضة يخضعون إلى اختبار تجريبي، كما هو متبع, في تنفيذ عملية حقيقية من أعمال العنف.
والمثال الواضح للتدرج في الوصول إلى العضوية الكاملة في التنظيمات الدينية السياسية المعارضة هو ما يسمى بـ "صفة العضوية أو درجتها", التي تستخدم في تنظيم "الاخوان المسلمون" في مصر، على سبيل المثال، فهنالك أربع درجات للعضوية في هذا التنظيم، التي وفقها تختلف واجبات "الأخوة".
 
الدرجة الأولى _ "الانضمام العام". هو حق لكل مسلم لديه الرغبة في القيام بأعمال الخير، بحيث يكون على أستعداد لتقديم "استمارة تعريف" ودفع مساعدات مالية بمحض إرادته. وفي هذه الدرجة، يسمى العضو "أخ مساعد". 
الدرجة الثانية _ "الانضمام الأخوي"، وهنا تضاف واجبات أُخرى على العضو: فبالإضافة إلى ما أشير إليه سابقاً، يجب عليه العمل على استيعاب أيديولوجيا "الإخوان", وأن يخضع للأوامر, وأن يتجنب الممنوعات وأن يحضر الاجتماعات الإسبوعية والسنوية وغيرها، التي يُدعى إليها. ومثل هذا العضو يسمى "أخ منتسب".
الدرجة الثالثة _ "الانضمام العملي". ويجب هنا على "الأخ العامل" أن يزود التنظيم بصورة فوتوغرافية وجميع المعلومات الخاصة به والمطلوبة من قبل التنظيم، وأن يعمل على الدراسة المتعمقة لأيديولوجيا "ألإخوان المسلمون", وأن يشارك بتراتيل القرآن التي تقام مرة كل أسبوع, وأن يدفع الاشتراكات لمالية التنظيم وللجنة الزكاة، وأن يصبح عضواً في (فرقة الرحلات_ مجموعة التربية البدنية والإعداد العسكري), وأن يحاول أن يتكلم باللغة العربية الفصحى, ويتجنب النطق باللهجات العامية، وأن يتقيد في مسكنهِ ومعيشتهِ بمبادئ "الاخوان المسلمون"، وأن يداوم على التعليم الذاتي في مجالات العلوم الاجتماعية، وأن يحفظ أربعين حديثاً نبوياً, وأن يكون جاهزاً على الدوام لتنفيذ العقوبات التي تُفرض بحقه, بروحٍ رياضية, إذا أقدم على ارتكاب معصية أو خطأ ما.
وعند هذه الدرجة، تنتهي درجات العضوية العادية. إلا أن هنالك درجة أخرى أعلى مستوى_ مستوى "المجاهد". فإذا كان إعداد العضو ضمن الدرجات الثلاث السابقة الذكر تقوم بها منظمات المناطق والأقاليم "الدوائر"، فإن إعداد العضو في الدرجة الأخيرة يقوم به "مكتب الإرشاد العام"، وتعتبر هذه المهمة من صلب مهامه حصراً.
 
واجبات المجاهد_ بالإضافة إلى إلواجبات التي سبق ذكرها، هنالك وجوب التقيد "حسب الامكانيات المتاحة" بسنة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) "قولاً وعملاً ومالاً"، والالتزام بدفع الاشتراكات الدورية والتبرعات إلى مكتب الإرشاد مباشرة ولصندوق الدعوة, أي إلى صندوق تجنيد أعضاء جدد، وكتابة وصية, وفقها يجب تخصيص جزء من أملاك المجاهد إلى ملكية التنظيم، وتنفيذ أي طلب "أمر" موجه من مكتب الارشاد, في أي وقت وأي مكان، وأن يكون جاهزاً على الدوام للخضوع لدورات خاصة تكون تحت الإشراف المباشر لمكتب الإرشاد. والمجاهدون هم أعضاء ما يسمى بالتنظيم السري، أي المجموعات المقاتلة للإخوان المسلمين.
يتعرف العضو المرشح بالتدريج على برامج التنظيم وخططه. وفي مرحلة معينة لا يحق للعضو المرشح الانسحاب من التنظيم، لا سيما إذا كان الحديث يدور حول التنظيمات المتطرفة أو غير الشرعية. فالانسحاب من هذه التنظيمات غير ممكن, لأن عقوبة ذلك هي الإعدام, لأن "العضو المرشح" أصبح يعرف الكثير. وفي تنظيم "التكفير والهجرة" نُفذ حكم الإعدام بعدد من أعضائهِ بسبب انسحابهم من التنظيم.
يحلف العضو العامل في التنظيم قسم الولاء والإخلاص، الذي يؤكد بشكلٍ خاص في نصه (لدى الاخوان المسلمين في مصر) على الطاعة العمياء. <أقسم بالله العلي القدير أن ألتزم برسالة "الإخوان المسلمون",، وأن أشارك في الجهاد وأن أحيا ملتزماً بقواعدهم، وأن أثقَ ثقةً عمياء بقيادتهم، وأن أخضع لها في مختلف الظروف، الجيدة منها والرديئة. إنني أُقدم قسم الولاء هذا أمام الله العلي القدير. والله شاهدٌ على ما أقول.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved