أتاحتْ لي مقالة سلام موسى جعفر المنشورة هنا ، حاشيةً ، أن أستعيد تلك الذكرى المؤلمة حقّاً ، وأن أحاول تسليط ضوءٍ خافتٍ على ما جرى ، إذْ ليس لديّ سوى شهادة حقٍّ في زمن الزُّور هذا .
في أوائل الثمانينيّات ، كان فخري كريم زنكَنه استكملَ عدّتَه ، وأحكَمَ ارتباطاتِه الأمنيّة :
علي دوبة ، بارون أجهزة الأمن السوريّة .
محطة الكي جي بي في دمشق.
محطة السي آي أيه في بيروت .
مماسّات قصر الرئاسة أعلى قاسيون .
وقبل هذا كله ، بزمن طويل ، كان أحكمَ سيطرتَه على ما بقي من " الحزب الشيوعيّ العراقيّ " ، مالاً ورجالاً ، ونساءً أيضاً .
كما وضعَ مَن ائتمنهم ، رُقَباءَ ، على الدروب الضيّقة للعودة إلى شماليّ العراق ، تسلُّلاً .
*
جهاتٌ عدّةٌ كانت تريد إطاحة جمهورية اليمن الديمقراطية :
غورباتشوف الذي شرع في تصفية النُّظُم الإشتراكية ، مبتدئاً بالأطراف : أثيوبيا ...
مشيَخات الخليج .
عُمان ، إذْ لم ينسَ حُكّامُها التأييد الذي نالتْه ثورة ظُفار من عدن .
دمشق ، التي أصابَها الذُّعرُ من التقارب بين بغداد وعدن ، هذا التقارب الذي أثمرَ مساعداتٍ عراقيّةً .
صنعاء ، الطامحة إلى ابتلاع الجنوب .
*
في أوائل كانون ثاني 1986 ، جاء فخري زنكَنه إلى عدن قادماً من دمشق .
زارني في مسكني بالمدرسة الحزبيّة .
قال إنه جاء يفتتح ملهى مقابل فندق نوفوتيل .
*
فجر الثاني عشر من كانون ثاني 1986 ، أي قبل الكارثة بيومٍ واحدٍ ، غادرَ عدن ، عائداً إلى دمشق .
*
صباح الثالث عشر ( رقم مشؤوم ) ، كنت أتأمّلُ ، وأنا عند منزلي بالمدرسة الحزبية ، "جبل حديد " القريب ، يتفجّر مثل بُركان .
في أنفاق الجبل كانت ذخائر الجمهورية وأسلحتُها .
وقفَ إلى جانبي ، أستاذٌ روسيٌّ ، كان جاري .
الحقُّ أنه كان برتبة عقيد في الجيش الأحمر وإنْ كان يدرِّسُ الفلسفة في " مدرسة عبد الله باذيب للإشتراكية العلميّة " .
قال لي : لا تخفْ ّ! انتهى الأمر ... هاهي ذي الدبّابات !
التَفَتُّ لأشاهد رتل الدبّاباتِ الروسيّة ، يتقدّم إلى العاصمة ، على ساحل " أبْيَنْ " .
*
كان الوضعُ خطِراً .
مذبحة الطيّارين .
الجثث في الشوارع تقتاتُها غربانُ عدَن الشهيرة .
انقطاع الماء والكهرباء .
مرتزقة الشمال بملابسهم غير النظاميّة ، يحرقون البيوت العدنيّة ، بيتاً بيتاً .
حاولتُ أن أحفرَ في الساحةِ الرمليّة ، علّني أستنبطُ قطراتِ ماءٍ .
لا فائدة .
*
نُقِلْنا ، نحن " الأجانب " إلى منطقة سمَّوها " المربّع " ، تحت حماية الأمم المتحدة .
بعد أيّامٍ رستْ سفنٌ روسيّةٌ لتنقلَنا .
السفينةُ الروسيّة نقلتْنا ، نحن الشيوعيّين العراقييّن ، إلى اللاذقية ، مرفأ سوريّا العريق .
هناك استُقْبِلْنا بحفاوة وتسهيلاتٍ لم تكن معهودةً .
أنا ، شخصيّاً ، كنت بلا أي وثيقة أو وُرَيقة تُثْبِتُ هويّتي ، فقد فقدتُ في البحر كل أوراقي .
( بعد سنين ساعدني عبد الحسين الرفيعي في استعادة جواز سفري العراقيّ ، وأنا في بلغراد ) .
*
علي ناصر محمد جاء إلى سوريّا .
زوّجوه امرأةً من آل الأسد .
ومنحوه قصراً باللاذقية .
وفتحوا له " مركز أبحاث اليمن " بدمشق .
*
رأيته مرةً ، أو اثنتَين ، رفقةَ فخري كريم زنكَنه .
لندن 15.01.2018