22/10/1919 – 17/11/2013
رحيل دورِس لسنغ، هذه الأيام ، سبّبَ لي وحشةً، كأن صديقةً قديمةً لي رحلتْ .
والحقُّ أن دورِس ، كانت لي صديقةَ حياةٍ .
لقد عرفتُها ( قراءةً ) بدءَ سنواتي المبكرة في قراءة الأدب الإنجليزي ، اليساريّ منه ، بخاصّة.
ومن المعروف أن دورِس كانت ، منذ شبابها في روديسيا ( زمبابوي الحاليّة ) ناشطةً يساريّة . فقد كانت عضواً في
" النادي اليساري" بسالزبري، ثم انضمّت إلى الحزب الشيوعيّ، وناضلت في صفوفه حتى العام 1949 . لكنها تابعت نضالها من أجل الحرية والعدالة، حتى أنها اعتُبِرَت شخصاً غير مرغوب فيه، داخل روديسيا وجنوب إفريقيا .
نالت جائزة نوبل في العام 2007 .
أوّل عمل لها كان بعنوان " العشب يغنّي " في العام 1949 .
*
أُقدِّمُ هنا صفحة من قصّتها : جواسيس عرفتُهم .
*
لا أريدكم أن تظنّوا أنني أقارنُ بأيّ صورةٍ، بين سالزبري، روديسيا، قبل ثلاثين عاماً، حين كانت بلدة حصانٍ واحدٍ، وبين أماكن أكثر فخامةً . لا سمحَ الله ! لا أنوي ذلك . لكن ليس من الضير بلوغ الهامّ، عبرَ التافه .
كان ذلك في منتصف الحرب العالمية الثانية .
حوالي عشرين شخصاً كانوا يقودون عشرين منظمةً أو نحو ذلك، من المنظمات اليسارية إلى هذا الحدّ أو ذاك.
ومع أن البلدة كانت عاصمةً، إلاّ أنها مازالت في وقتٍ " يعرف فيه كلُّ احدٍ، كلَّ واحدٍ آخر " .
السكّانُ البيضُ كانوا عشرة آلاف أو نحو ذلك، أمّا السودُ فإن عديدهم كان، كما هي الحال الآن، تخميناً .
كان هناك مكتب البريد المركزي، وهو مبنىً أنيقٌ، وكان أحد الذين يفرزون الرسائل قد حضرَ اجتماعات النادي اليساري . هذا الرجل هو مَن شرحَ لنا نظامَ الرقابة الذي يمارسه البوليس السرّيّ . كل البريد الوارد إلى المنظمات تلك، كان يوضَع، أوّلاً، في صندوق خاصّ، مكتوب عليه ( الرقيب )، ليقرأه، على مهلٍ، أناسٌ موثوقٌ بهم . بالطبع، هذا كله كان متوقّـعاً، ومعروفاً من جانبنا . لكنْ كانت هناك منظمات أخرى ممنوعة، مثل المرصد، وهي طائفةٌ دينيةٌ، موضع شكّ الحكومات، في إفريقيا بأسْرِها – ربما لأنهم ينبّأون بنهاية الكون الوشيكة ؟ وعدد من المنظمات الفاشستية، وهذا أمرٌ معقولٌ في الحرب ضد الفاشيّة . كانت هناك منظمات ذوات أهداف غامضة، وعضوية خمسة أشخاص، وماليّة من خمسة باوندات، وكان ثمّتَ أفرادٌ يجب أن يذهب بريدهم، أوّلاً، في هذا السياق، أعني التطهير، أو نزع المخاطر . هذه القائمة الأخيرة من مائة شخص ونحو ذلك هي المحيِّرة.
ما الذي يجمع بينهم، هؤلاء الأشرار الذين تشكِّلُ آراؤهم، هذا الخطر على دولة جنوبيّ روديسيا الوليدة ؟
خلال الحرب، ظل هذا الإجراءُ قائماً . ورَجُلُنا في دائرة البريد – صاروا عدداً من الرجال – ظل يخبرنا ماذا ومَن في القائمة السوداء . وكذلك يخبرنا إن كان بريدنا يظل وقتاً أطول من المعتاد تحت التدقيق، ويخبرنا عن عطلات الرقباء ،
وعمّا إذا كانوا كسالى ... وعن إسراع السلطات في الرقابة ...
تلك كانت تجربتي الأولى في التجسّس .
أمّا التجربة الثانية، فكانت حين عرفتُ شخصاً يعرفُ شخصاً أخبرني كيف أن سكرتير حزب شيوعيّ معيّن اتصلَ به الرجلُ المكلَّف التنصُّتَ على الهواتف الشيوعية – نحن الآن في أوربا .
ذهب هذا الرجل إلى مكاتب الحزب الشيوعي، وطلب مقابلة السكرتير ، وقال :
أريد أن أنضمّ إليكم ...