ضياء البكري .. صانع الطين

2010-09-13
العراق والإنسان السومري هما إلهامي .. وأنا أول من إستخدم الخط المسماري كعنصر أساس في تشكيل القطعة الخزفية

أتعامل مع الخزف ككائن حي ينبض بالحياة ويتحدى وليس مواد جامدة

أعمالي تمزج بين الرومانسية والأكاديمية الصارمة بأسلوب رمزي إيحائي

//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/353ba769-ecd0-4fdc-82a1-ddceb58846dd.jpeg

 

إبداع من سلسلة إبداعات عراقية .. نكتشفها بمحض الصدفة يوميا في أرض المهجر .. بئر لاينتهي وعمق لاينضب من مواهب عريقة ثبتت أصالتها في جذورها المتماسكة وأصولها المترابطة رغم بعد المسافات عن وطننا الحبيب وها هي تفرض وجودها في بلد عرفت فية المنافسة الصادقة .
الإبداع اليوم كان مع نوع مختلف تماما عن الفنون .. فن الخزف وهو محور حوارنا مع الفنان ضياء البكري.. الذي عشق الفن منذ صغره عندما بدأ بممارسة التمثيل والغناء منذ المرحلة الإبتدائية من خلال إنضمامه لأول فرقة تمثيل شكلها برنامج ركن الأطفال في تلفزيون بغداد آنذاك... وجمع للفن التشكيلي بصيرورتة التكونية من خلال تأثير البيئة التي كانت محيطة به من الأم النحاتة بالفطرة، والأخ الرسام منصور البكري، والقريبة النحاتة رضية محمد كريم، ومن موهبة فطرية صقلها وطورها بالدراسة الأكاديمية في أكاديمية الفنون الجميلة، والتي إختار بها وجوده كفنان، وتمثل في فن الخزف وإعتبره أصعب الفنون باستيعابه لفنون أخرى عديدة كالرسم والنحت والخط والزخرفة.
استهلينا الحديث مع الفنان ضياء البكري بسؤال عن ذكريات وبدايات إكتشاف الموهبة وهي بالطبع ذكريات لا تنسى.

 

//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/11d72c50-6228-4ad9-8675-5087ed80cb0c.jpeg

* قلنا له: متى بدأت أولى محاولاتك مع فن الخزف؟
- يقول ضياء البكري : تعرفت على الخزف من خلال مشاهدتي للقطع الفخارية المعروضة في المتحف العراقي خلال زياراتي المتكررة لهذا المعلم الحضاري، وبعد إكمالي السنة الاولى في أكاديمية الفنون الجميلة إخترت قسم السيراميك، بعد أن كانت رغبتي دراسة النحت، لأني وجدت أن الخزف بإمكانه إستيعاب فنون عديدة كالرسم والنحت والخط والزخرفة .. أستهوتني الفكرة .. وأكملتها .

عائلة متذوقة للفن

* متى اكتشفت الموهبة الرائعة التي تملكها أو من إكتشفها و في أي مرحلة عمرية؟
- البكري :بصراحة أنا لا أسميها موهبة، بل هي الحب المصقول بالتجربة، والخزف لم يكن ضمن إهتماماتي الفنية قبل دراستي الأكاديمية، فقد كنت أعشق وأمارس التمثيل والغناء منذ المرحلة الإبتدائية سواء من خلال مراسيم ( رفعة العلم ) في أيام الخميس من كل أسبوع أو من خلال إنضمامي لأول فرقة تمثيل شكلها برنامج ركن الأطفال في تلفزيون بغداد آنذاك، غير أن توجهي للفن التشكيلي كان بتأثير أمي العزيزة (النحا تة الفطرية ) وأخي الرسام منصور البكري وأيضا إبنة عمتي النحاتة رضية محمد كريم التي شجعتني على إختيارالدراسة في أكاديمية الفنون الجميلة بعد أن كنت طالبا في كلية العلوم بالجامعة المستنصرية.

//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/6f6a0197-f300-4f54-9499-ef7359db30d6.jpeg

*هل الموهبة ممكن توارثها ؟هل أنت مع فكرة أن الفن هو الشئ الوحيد الذي لا يورث؟
- يجيب السيد ضياء : الموهبة لاتورث - بالمعنى الدقيق للوراثة - لأنها موجودة أصلا لدى كل أنسان وتنتظر الفرصة المناسبة للإعلان عن نفسها بمساعدة عوامل عديدة بيئية ونفسية وأستعداد فطري، فنحن نذكر أن الشاعر الكبير بدر شاكر السياب لم يورث موهبته الشعرية لأي من أبنائه، كذلك الشاعر النابغة الذبياني بدأ نظم الشعر وهو في الأربعين من عمره
أما في حالة عائلة الفنان المبدع جواد سليم، فرغم أن أغلب أفراد عائلته - نزيهة سليم - نزار سليم - رشاد سليم - لهم بصمات واضحة في الفن التشكيلي العراقي، إلا أن ذلك باعتقادي جاء نتيجة تأثير بيئي وليس عاملا وراثيا
وينسحب هذا الأمر على الفن عموما بأعتباره نشا ط ذاتي محرك دائم النمو والتطور معزز بالصقل والتجربة المستمرة .

//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/623b812e-452d-476e-b08d-b892122a7f32.jpeg

* من أي تجربة أو مدرسة فنية أو أيديولوجية تنطلق لنحت أي شكل خزفي؟
- يقول ضياء البكري : لاأحاول تقييد عملي بأ يديولوجية محددة، ما يدفعني لصياغة الموضوع هو الإستفزا ز، فقد يكون مقطع من جذع شجرة، صخرة، حجر مركون في زاوية ما، با ب خشبي مهترىء، حالة إنسا نية ما، كلها عوامل تستفزني لعمل قطعة خزفية وهي ذاتها التي تحدد نوع التجربة.

* لكل فنان وحي أو إلهام يفجر ما في داخله من طاقات فنية ؟  ما هو أو من هو الهامك الذي يوقظ ما في داخلك؟
- الهامي في كل عمل فني أنجزه وباختصار شديد هو العراق بحضارته المؤثرة وكذلك الإنسان السومري الخلاق . فأعمالي تمزج بين الرومانسية والأكاديمية الصارمة بأسلوب رمزي إيحائي .

//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/a424a510-48ec-4c6b-9ee4-00ae487cc2d2.jpeg

 

* هل الرومانسية تجسد الأشكال التي تحاول صقلها؟
- يقول ضياء البكري : الرومانسية كمفهوم جاءت بالضد من الكلاسيكية المتشددة، وهي تحرر من القيود ونزوع نحو الفردية. وبرغم أن الخزف ( الفخار المزجج ) ومنذ القدم هو فن نفعي ( إستعمالي ) تحكمه أشكال ذات أنماط محددة وقوالب صارمة في التعامل، إلا أنه ومنذ بدايات القرن العشرين بدأ بالإنعتاق والإبتعاد عن القوالب التي قيدته لآلاف السنين وأخذ بالتحول التدريجي من صناعة شعبية تقليدية إلى فن تشكيلي يهتم بابراز الهموم الإنسانية والموروث الحضاري، وكانت تجارب سهام السعودي، سعد شاكر، ماهر السامرائي، تعنى بصياغة التراث بأسلوب معاصر، لذا فأعمالي تمزج بين الرومانسية والأكاديمية الصارمة بأسلوب رمزي إيحائي .

- ما هي أقرب تجربة فنية إلى قلبك و لماذا؟
- هناك الكثير من التجارب الفنية التي أعتز بها سواء عراقية كانت أم عالمية، ومنها على وجه الخصوص تجربة الخزاف البريطاني ( هانز كوبر ) بتلقائيته وإختزال الوانه مع بساطة وأنسيابية أشكا له، وأيضا تجربة النحات العراقي مكي حسين باستلها مه الهم الإنساني مبرزا العلاقة الوطيدة بين الكتلة والفضاء .

* هل شاركت في معارض عراقية ودولية ؟
- يقول البكري :لقد شاركت في عدة معارض منها:
- المعرض المشترك لثلاثة خزافين على قاعة المتحف الوطني للفن الحديث 1978
- معا رض جمعية التشكيليين العراقيين
- معرض الفنانين الشباب الأول على قاعة وزارة الاعلام ( حصولي على جائزة تقديرية )
- جميع معارض المركز التدريبي للسيراميك / وزارة الشباب
- Bow Valley Clay work Association -Calgary معرض
- معرض يوم الثقافة العراقي في كالغري لاتحاد الفنانين العراقيين الكنديين
- معرض الخزف العراقي المصاحب لأسبوع الفلم العربي في كالغري

//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/9585530a-f1b2-480a-acce-62d4e5fdd427.jpeg

بصيص أمل لنظرة تفاؤلية

*ما طبيعة الأفكار التي تعالجها في أعمالك؟
- يجيب البكري : أغلب الأفكار المعدة للتنفيذ وخصوصا ذات المعالجات الإنسانية تأخذ لدي شكلا هرميا قاعدته موضوع تراجيدي ورأسه بصيص الأمل لنظرة تفاؤلية تبشر بمستقبل أفضل رغم أنها في الوقت الحاضر وبما يمربه عراقنا الحبيب تبدو هذه النظرة التفاؤلية خجولة بعض الشئ.
لقد جسدت تلك الفكرة بالعمل النحتي المزجج (إاغتيال ) وهو يرمز لإغتيال المثقف وإغتيال الكلمة الصا دقة، ورغم مأساوية الحدث إلا أن ثبات المثقف رغم الجراح تنبىء عن مستقبل واع، وبأعتقادي أن مفهوم الإغتيال يأخذ مديات واسعة ولا ينحصر بفعل القتل الجسدي فقط، فهناك إغتيال لإنسانية الإنسان، وإغتيال للديمقراطية وإغتيال للقوانين وإغتيال للبيئة، والقائمة للأسف طويلة ومؤلمة.

* ماهي أبرز الوانك التي تستعملها؟
- يجيب :الموضوع عادة هو الذي يحدد اللون المستخدم رغم أني أميل إلى الألوان الغامقة، ولكن يبقى اللونان الأسود والأبيض المائل إلى الكريمي الأقرب لدي .


الخزف .. كائن حي!!

*يأتي الإلهام لبعض الفنانين من لحظة جنون أو غضب أو أحيانا النقيض كلحظة نشوة ؟الهامك في أي من هذه الحالات وهل الإلهام هو الغائب الحاضر أي أنه ينمو و يكبر كبذرة زرعتها وتعيشها بكل ثانية أم أن حضوره يقتصر على المراحل السايكولوجية المختلفة التي تمر بها كأي إنسان عادي؟
- يجيب البكري :
الإلهام لحظة يتوهج فيها ومض الإبداع لدى الفنان، وهي لحظة تحاول الإنفلات من أسر الزمان والمكان، لافرق إن كانت في الحلم أو اليقظة .
والإلهام قد يأتي في لحظة جنون أو غضب وحتى لحظة نشوة مستجمعا الخزين المعرفي والتجربة الشخصية ممزوجا مع خيال الفنان ورؤاه ليحدد في النهاية الملامح النهائية للعمل الفني، وهذا شائع خصوصا في الموسيقى والرسم .
أما في تجربتي مع الخزف فالإلهام يومض فجأة ليستحث المخيلة ثم ينسحب تدريجبا تاركا المجال للعقلانية أن تصوغ العمل وفق متطلبات مراحل التنفيذ والتي تأخذ زمنا طويلا، بدءا من تشكيل العمل بمادة الطين ثم التجفيف لتبدأ بعدها عملية الحرق بالفرن، وهنا تلعب الحرارة دورا مهما، وأخيرا مرحلة الطلاء الزجاجي المصاحب لعملية التصميم باستخدام أنواع مختلفة من الزجاج بحسب المواد الداخلة في تركيبه وأيضا الأكاسيد المعدنية لتحديد الألوان المطلوبة، وبسبب أختلاف المواد ودرجات الحرارة تأتي النتائج أحيانا مغايرة ومفاجئة لما مخطط لها وهذا يعطيني الإحساس بأني أتعامل مع كا ئن حي ينبض بالحياة - ويتحدى - وليس مواد جامدة.

أول من إستخدم الخط المسماري

* كيف وصفت العراق في الوانك وفي الأشكال التي جسدتها ؟ و ماهي أسماء أبرز الأشكال الخزفية التي جسدت بها العراق؟
- العراق هو الحاضر الدائم في أغلب الأعمال وذلك من خلال التركيز على إبراز الموروث الحضاري سومريا كان أم بابليا وحتى أسلاميا . وللخط المسماري وبعض العناصر الزخرفية القديمة موضع الصدارة لدي، ولا أكون مبالغا اذا قلت بأني أول من إستخدم الخط المسماري كعنصر أساسي في تشكيل القطعة الخزفية وذلك أعتبارا من العام 1976، ومن عناوين الأعمال، قصيدة حب سومرية، أمنيات مسمارية، الشهيد ( جدارية )، ولادة عسيرة ( جدارية )، حب في زمن ما ( نحت فخاري ).

* الطفل و المرأة في العراق عانيا وقاسيا كثيرا كيف جسدت ذلك وكيف وصفتهما؟
- يقول السيد ضياء : حين أتناول الإنسان العراقي بأعمالي فإني أشمل بذلك الرجل والمرأة على السواء، والفوارق بينهما قليلة نوعا ما .
والمرأة لدي كائن بشري فاعل وحيوي يمتلك نفس ما لدى الرجل من جهاز عصبي وأعضاء حسية ورأس وأطراف،وتمتلك المقدرة والهمة لتثبت إنسانيتها ودورها في المجتمع - لولا الهيمنة الرجولية المستمدة من الأعراف والتقاليد والشرائع --
البحث في التاريخ العراقي القديم ينبؤنا بحقيقة جلية ( نحاول اليوم طمرها ) وهي أن المرأة كان لها حضور فاعل في المجتمعات القديمة ودورها فاق في أحيان كثيرة دور الرجل ( قبل أن يتمكن من سحب البساط من تحتها ) . ويتمثل حضورها أيضا في مجتمع الآلهة -- فبتنا نعرف الآلهة عشتار - وننليل -- وأنانا ( أخت اله الشمس أوتو ) --- وتعامت ( آلهة البحر أو الماء الأجاج ) ---- و ننماخ ( آلهة الأرض وواهبة المحاصيل والخصوبة ) . هذه المكانة السامية التي وضعها الإنسان العراقي القديم للمرأة وخصها بالتقديس والتضرع تثبت أنه لم ينظر إليها ككائن أقل شأنا أو ناقص عقل ودين . ( ولا أدري هل العراقي القديم كان أكثر تحضرا وواقعية ؟ )

خزين الذكريات وحقيبة الغربة

* كيف تصف الغربة بكلماتك و فنك ؟هل تجاوزت هذه المرحلة ؟هل عشت مرحلة الغربة مع النفس أم الغربة عن الوطن؟
- يجيب ضياء البكري بألم :الغربة لدي تعني - الإفتقاد - وفي أعلى مراحلها تعني الإنسلاخ
فأنا أفتقد الصدر الدافئ والرحب الممتد من شط العرب إلى ذرى جبالنا الشماء ليضم رأسي المتعب
أفتقد 30 مليون نخلة باسقة فقدت رؤوسها منذ حرب الخليج الأولى لتستحيل إلى ثلث هذا العدد يعاني الأمراض والعطش، أفتقد سوق الشورجة وسوق الصفارين بضجيجه وتنوع معروضاته الذي تحول إلى محلات لبيع الأدوات الصناعية .
أفتقد أزقة محلة أبو سيفين - و البوشبل - وساحة السباع - ومنطقة الناظمية والزوية ومشاجرات الصبية وألعابهم البريئة . أفتقد رنين طاسة حمام الكولات والتميمي وصخرة التعرق الدائرية. أفتقد المتحف العراقي والمدرسة المستنصرية والقشلة ومقهى أم كلثوم ومقهى البرلمان.
هي ليست نظرة تشاؤمية ولكنها خزين من ذكريات جلبتها في حقيبة سفري إلى مستقري الحالي في كالغري
والغربة في إعتقادي سلاح ذو حدين - وبالإمكان التخفيف من سطوتها عبر تغذية الجذور. وما التجمعات والمنتديات الثقافية والجمعيات المنتشرة هنا وهناك إلا عوامل تساعد على تقوية الجهاز المناعي لدى المغترب للحفاظ على جذوره وأدامة الصلة الروحية والنفسية مع الوطن الأم ..... وهذا ما نحاول العمل عليه من خلال - مركز ميزوبوتاميا الثقافي - والذي نأمل من خلال إحتضانه من قبل -- الموزائيك المشكل للمجتمع العراقي - أن يوصل رسالته ، عسى أن نعيد ( ولو عن بعد ) منظر النجوم تتلألأ في سماء العراق ونحن مستلقون في فراشنا على سطح الدار ... أتساءل الآن .. هل لازالت النجوم تضئ سماء بغداد ؟ .

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved