في يوم ما، بينما كان الدراويش يعملون في الحقل، تأتي إليهم " دايراك" – أم سلطان- وتجلس عندهم، وفجأة يدوي صوت هائل في السماء، وتسقط قطعة نور حول " دايراك " يحملها الدراويش إلى المنزل، وبعدها تلد ولدا، يسموه " سان إسحق " أو " سلطان إسحق "، ويرى الدراويش بأبصارِهم الداخلية، علامات الآلهية على جبين الوليد .
وعندما يتأمل داود أعمالَ سلطان إسحق، يدرك بأنها تجليات آلهية، وأن امامه آفاقا رحبة، ويحمل مستقبلاً باهراً للمنطقة . وعند إشتداد عوده، تبدو علامات النباهة واضحةً عليه، مما يثير دهشةَ الشيخ عيسى، فيأخذه معه إلى مكة لحج بيت الله، بم يلاحظ إشارات الفيوضات الآلهية على إبنه، وعندما ينوي أن يشهد على ذلك، يفقد النطق، وفي طريق العودة يقضي نحبَه، يعود سلطان إسحق إلى مسقط رأسه ثم يبدأ بتأسيس طريقة " أهل الحق" . إن أنصار " أهل الحق يدَّعون أن سلطان كان ينعمُ بعلم الغيب، ولم يكن بحاجة لتلقي العلم من البشر
الطهارة، التسامح، الصدق، والتضحية بالذات
على كل من يعتنق هذه الديانة أن يكون طاهراً، نظيفاً في الظاهر والباطن، يجاهد النفس بجعلها نظيفة، سواء في الجسم، أو الروح، ام باللباس والفكر والعمل، الصدق لديهم هو السبيل الصحيح، والابتعاد كليا عن التكبر والغرور والأنانية وهوى النفس، والرذائل الأخلاقية، لكي يتم التسامي إلى الحق تعالى، وكذا المغفرة والإحسان، فعلى كل إنسان منهم مد يد العون والمساعدة للمحتاجين، لكي يكسب رضى الله ومحبته . هكذا اركان ديانتهم الاربع ومن يستند إليها في حياته، يصل الى مرحلة الفناء في الله، وتستجاب دعواته، وينال لطفَه ورحمتَه .
انها الديانة ( الكاكائية )، والتي تسمى أيضاً الـ"يارسانية"، وهما اسمان لديانة اعتنقتها مجموعة كردية في شمال العراق، يعود تاريخها إلى نحو أكثر من 5000 عام . وبحسب المصادر التاريخية، فإنّ جذور هذه الديانة تمتد إلى الديانة الميثرائية، التي تؤمن بوحدة الخالق، وتقوم على أربعة أركان هي الطهارة، الصدق، والتضحية بالذات والتسامح . وظهرت هذه الديانة بين الشعوب الهندو-أوروبية، وعن طريقهم انتشرت في غرب آسيا ومنها إلى شمال العراق . اختلفت الآراء حولهم، هناك من يعتقد أنها قبيلة كردية مسلمة تأثرت بالأديان الأخرى، ودخل إليها مزيج من الأفكار والعقائد المستمدة من التصوف والتشيع المغالى، والمسيحية والفارسية، وهي ليست دينا أو مذهبا خاصا ولكنها خليط من الأديان والمذاهب . وهنالك مَن يعتقد إنهم مسلمون، وعلى التحديد يعتقد انهم طائفة إسلامية عرفانية متصوفة مغالية بتشيّعَها وتقديسها للأمام علي (ع) . تعود في جذرها الى المتصوف الشيعي العراقي ( قطب العارفين عمرو بن لهب الكوفي ) الملقب بـ ( بهلول ) ( توفى في 219 هـ القرن التاسع م ) . ثم تأسست الطائفة فعلياً في ( القرن السابع هـ ـ الثالث عشر م ) على يد ( فخر العاشقين سلطان اسحاق البرزنجي ) المولود في السليمانية سنة 671 هـ/ 1182م، وقد درس في بغداد ودمشق . أما تسمية ( كاكائية ) فإنها كلمة كردية مأخوذة من (كاكا) التي تعني الأخ، فبذا فان ( كاكائي ) تعني الاخوة .
يؤمن الكاكائيون بتناسخ الأرواح وأنتقالِها من بدن إلى آخر، ويرون أن الملائكة تتقمص صورة البشر . وتتسم الديانة الكاكائية بالتسامح، وتؤمن بمبدأ أن الروح خالدة وأن الجسد فانٍ، وأن الروح تعود للحياة في مجتمعات أخرى وفي جسد آخر قد يكون من ديانة أخرى، لذلك الإيمان بوحدة الله هو أحد سمات الديانة الكاكائية، وهذا أحد أسباب وحدة المجتمع والدعوة للعيش بسلام لدى أتباع هذه الديانة، بينما تحتل الموسيقى مكانة خاصة لدى أتباع الديانة الكاكائية، وهي حالة عرفانية يمتازون بها، ولآلة الطنبورة الموسيقية ( عود بعنق طويل ) مكانة دينية لديهم . ويصلون مرتين في اليوم قبل بزوغ الشمس وأثناء غروبها، ويصومون يوماً واحداً ويسمونه يوم ( الأستقبال )، وبعده يصومون ثلاثة أيام ويدعونها ( أيام الصوم ) ويوم آخر يسمونه يوم ( العيد ) . وهم لايراعون العبادات والتكاليف ويعرفون ( بالنيازية ) أي أصحاب النذور، كما يدعون غيرهم ( بالتمازية ) أي أهل الصلوات .
لديهم كتب مقدسة لا يفضلون ان يطلع عليها أحد مثل ( خطبة البيان )، ويتضمن ( خطب ونصوص للإمام علي ) . يعدونه من أعظم كتبهم وأقدسه، وكتاب ( جاودان عرفي ) وهو كتاب الطريقة الحروفية الصوفية، ويعد من كتبهم المهمة، وهو منتشر باللغتين التركية والفارسية، كتاب ( كــلام الخــزانــة أو سرانجام ) المدون في القرنين السابع والثامن الهجري ويتكون من ستة أجزاء . ويعتبر في رأيهم وحياً منزّلاً، ويرون فيه تعاليم كاملة، ونهجاً قويماً، ومرشداً لهم في الحياة، يستندون إليه في حل كل مسائلهم الدينية والدنيوية . وهذا الكتاب لم يُطبع قط في أي مكان . ومن كتبهم أيضاً ، كتاب ( حياة ) و( التوحيد ) لـ سلمان أفندي الكاتبي، و( يارسان )، تُضاف إلى هذه الكتب دواوينَ شعرية، تُتلى كأدعية وابتهالات .
أما مزاراتهم، التي يشاركهم فيها العلويون أو العلي إللهيون هي : مزار سلطان إسحق في جبل هورامان، ومزار سيد إبراهيم، بين مقبرة الشيخ عمر، والباب الأوسط ببغداد. ودكان داوود، وصاحب المزار المذكور كان خليفة السلطان إسحق، ويقع بين سربيل وباي طاق، في كهفِ جبلٍ . ومزار زين عابدين في داقوق، أصل محله كنيسة . ومزار أحمد في كركوك، بمحلة المصلى . ومزار عمر مندان في كفري، وهو غير عمر مندان الواقع على طريق كركوك ـ أربيل .