قررت نيابة منيا القمح بمحافظة الشرقية حبس العامل بإدارة الكهرباء (إبراهيم علي) أربعة أيام على ذمة التحقيق لقيامه بذبح عروسه ليلة الزفاف معتقدا أنها ثيب من علاقة محرمة بعد أن فشل في فض غشاء بكارتها . وكان أهالي قرية «القبة» بمركز منيا القمح قد سمعوا صرخات استغاثة من جارتهم العروس هدى سالم 23 عاما، فأسرعوا إليها ليجدوها مذبوحة من الرقبة وبها عدة طعنات نافذة في جسدها وملقاة على الأرض. قبل أن تلفظ العروس أنفاسها الأخيرة، أخبرتهم بأن زوجها هو الذي طعنها وفر هاربا فأبلغ ألاهالي رجال الشرطة، وتم نقل العروس إلى المستشفى حيث لفظت أنفاسها الأخيرة. وتم القبض على العريس الذي اعترف بأنه بعد أن أنهى وعروسه حفل الزفاف وتوجها إلى عش الزوجية حيث ليلة الدخلة، فشل في فض غشاء بكارتها فاعتقد أنها ليست عذراء، فقام بطعنها وذبحها. وتعتبر هذه هي الحادثة الثانية من نوعها خلال شهر حيث قام فلاح بالجيزة بذبح زوجته لنفس السبب، كما قام موظف بقتل زوجته معتقدا أنها ليست بكرا، وكانت المفاجأة أن تقرير الطب الشرعي أكد أنها عذراء وتم سجن هذا الموظف ويقضي الآن عقوبة ألأشغال الشاقة.
الثاني: عند الامتحان يكرم المرء أو يهان
كنا ومازلنا وسنظل نسمع ونقرأ عن شرف المرأة وترقيع غشاء البكارة وأهميته للفتاة حيث يرمز للشرف والعفة ويحفظ كرامة وسمعة العائلة، انطلاقا من "ثقافة العبيد" كما يرى د. أحمد صبحي منصور. نعم مازال مجتمعنا الكبير بذكوره أبا وأخا وعما وخالا يقتل البنت لغسل العار. وتكثر المقالات والتعليقات مع وضد، وتأتي أيضا فتوى د. علي جمعة مفتي مصر وتلحق بفتواه فتاوى أخرى وآراء وجدال كله يصب على قطرات دم من بكارة المرأة. د. جمعة مفتي مصر يجيز رتق البكارة للنساء اللواتي فقدن عذريتهن" لأي سبب كان" قبل الإقدام على الزواج، مؤكدا أن ذلك مباح شرعا لأن الدين الإسلامي يدعو إلى الستر، وأتساءل لماذا فقهاء الإسلام وأصحاب الفتاوى مثل د. جمعة لم يصدروا فتاوي ضد ظلم الرجل وإغتصابه للمرأة وكم قرأنا عن ذكور ليسوا غرباء بل أخ وأب وخال كانوا وراء فقدان عذرية ابنته أو أخته أو أبنه عمه؟ كم من فتاة فقدت عذريتها في سجون المجتمع الكثيرة في مختلف أقطار أمتنا وفضلت الفتاة أن تبقى في سجنها حتى لا تلاحق من طرف أفراد عائلتها وتقتل، علما أنها ظلمت في السجون وانتهكت عذريتها هناك رغما عنها ، والطامة الكبرى أن نساء كثيرات أيضا يؤيدن هذه الخرافة للأسف.
يحدثني زميلي المغربي في العمل أنه ذهب إلى المغرب وألتقى بفتاة في سن السادسة عشر من عمرها، ألحت عليه أن يمارس معها الجنس ، فأجابها بطريقة لبقة: أنت ما زلت قاصر ! ضحكت وقالت له: لا تخف إن أمي تقول لي إفعلي ما شئت ولكن إياك وعذريتك. ويقول لي آخر من الأردن أنه في مجال عمله تعرف على فتاة فنشأت بينهما علاقة جنسية برضاها بشرط ألا يقترب من شرفها "الغالي جدا" غشاء البكارة لأنه لزوج المستقبل، ومارسا الجنس مرارا دون الاقتراب من رمز الشرف العروبي الذي هو أغلى من الأوطان مجتمعة من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر.
وفي فنادق بيروت غالية السعر الخاصة "لسواح لبنان" الذين أتوا لا لرؤيته أو آثاره ولكن لفض بكارة حورياته، يدفع السائح ثمنا خاصا بالجناح الفندقي مع حورية جميلة شرط أن تكون عذراء ليفض بكارتها بسيفه العروبي القاطع، ونفس الحورية الجميلة تعيد رتق بكارتها لتكون زبونة لسائح آخر ورزق الهبل، كما قالوا، على المجانين . والجديد في فنون الشرف العربي هو إعادة عذرية الفتاة بعملية رتق خاصة ينتج عنها عند فض غشار البكارة ليلة الدخلة الموعودة فيض غزير من الدماء حتى يتسنى للزوجين أن يعيشا ليلة العمر ويحتفلا بها وسط زغاريد لم يسمعا حدتها طوال عمرهما . أيعقل أن تقبل المرأة على نفسها هذا الهراء وتشجع على هوس الزوج لفض بكارتها للمرة الثانية وربما الرابعة خاصة بعد أن أصبحت عملية ترقيع البكارة لا تكلف أكثر من خمسين دولارا خاصة في مصر؟
لماذا عيون وعقول ورجولة ذكور أمتنا العربية تنتفض غيرة على شرف المرأة المتمركز في تلك المساحة الصغيرة بين ساقيها ، بينما تتغاضى عيونهم وعقولهم عن الرجل الشريك في فقدان عذرية تلك المرأة؟ هل هؤلاء الذكور لم يفقدوا شرفهم عندما شاركوا تلك النساء في فقدان بكارتهن؟ وهل د. جمعة مفتي مصر وجد حلا للمشكلة بفتواه أم زاد من تفاقمها بحيث سيستمر الفساد والترقيع ثم الترقيع والفساد واستمرار الذكر العربي في إبراز فحولته وهوسه المتعطش لدم البكارة؟ ألم يسأل من يؤمن بنظرية شرف المرأة هو عذريتها، أن الفتاة يمكنها ممارسة الجنس بشتى الطرق ومع العشرات من الذكور من غير مس البكارة أو فقدانها؟ فأين شرف الفتاة هنا وهي قد مارست مع العشرات من الرجال ،وفي ليلة زفافها تبدو " عذراء" نقية طاهرة رفعت رأس أهلها، تدق لها الطبول مهنئة، وتعلو لها الزغاريد بدموع من فرح، وتهلل لها الأفواه الغبية مباركة لها شرفها الذي حافظت عليه.أنضحك على أنفسنا أو أنفسنا تضحك علينا؟ أين أنت يا د. جمعة يا من تمثل لنا الإسلام قدوة والقيم أخلاقا ، أن تصدر فتوى حول أن الشرف الحقيقي ليس بين فخدي إمرأة وإنما شرف الضمير والأخلاق، هو شرف الإنسان الحقيقي رجلا كان أو إمرأة؟
لم أكن أعرف أن قطرات من دم العذرية أهم من دماء كالبحر تسيل يوميا من بكارة فلسطين والعراق وأفغانستان وكثير من الدول الإسلامية بسب إحتلال أو إرهاب واغتصاب علني لوطننا العربي ولا من مفتي يفتي ، ولا رجولة تنتفض ، فالانتفاضة الحقيقية هي ليلة الدخلة حيث هي الامتحان الذي فيه يكرم المرء أو يهان ، أما تحرير الأوطان فتلحق بالأندلس وعربستان !
الثالث : من تنويعات رواية للشرف المهان
( ظل صامتا، شعرت بقلبي المحموم ينبض مثل قلب الشمس. أحس بي ولكي يكبت تلك النيران المتأججة بداخلي قال: الزواج المبكر في نظر الرجل يحول دون وقوعها في الخطأ والرذيلة. نظرت إليه نظرة ملغومة حادة متفرسة في وجهه كأنني أبحث عن شيء مفقود وقلت بصوت يشبه الصراخ. مع من تقع في تلك الرذيلة وحدها أم مع ذلك الرجل الذي قد يكون أبا أو أخا أو زوجا لامرأة ثانية؟ مع من تخون المرأة إن نُعتت بالخيانة؟ مع الشبح أو مع ذاك الرجل الذي يحمل دائما لواء الشرف بيده ويدافع عنه تحت راية العرف والتقاليد وباسم الدين والعقيدة. هل الدين يا سمير أمر المرأة بأن تتحجب وتتستر وتتزين بالطهارة والعفة بينما الرجل يفتخر بمغامراته في أيام شبابه وبعشق الفتيات له وجريهن وراءه لأنه كان عنترة زمانه؟ كنت أتأمله منتظرة منه جوابا. أما هو فكان يطيل النظر إلي ويبتسم ابتسامته الدافئة التي اعتدت عليها ، يتماوج في عينيه سيل من الكلمات.
_ أريد أن أبني مستقبلي بعيدة عن التبعية والتقليد. تقليد أخواتي وكل فتيات مجتمعنا. لا أريد أن أتزوج رجلا يمتحن شرفي بدمي ويضعه على خرقة بيضاء ويقدمها في صينية لكي يراها أهلي وعلى رأسهم أبي وإخوتي و يصفق الحاضرون، ويباركون لي حفظي لشرفي الذي اعتنيت به وحافظت عليه لذلك اليوم الكبير. لا أريد أن يتزوج رجل عذريتي بقدر ما أريد أن يتزوج روحي. إن كثيرا من الأزواج من غير شرف. لأن الشرف لا يقاس بالبكارة بقدر ما يقاس بعفة المرء ذاته رجلا كان أو امرأة. إن الرجل من غير شرف مادام يروي لزوجته مغامراته الغرامية مع البنات قبل أن يرتبط بها في حين أنها غير قادرة وخائفة من ذكر رواية ما، حتى ولو كانت إعجابا بريئا بشاب ما. والله أعلم بعد ذلك هل سيكون شريفا معها مُحترِما ذلك الرباط المقدس. كل تلك الألاعيب التي قام بها مع البنات لم تفقده شرفه بل زادته رجولة وتجربة في حياته الجنسية. أما المرأة فهي مخلوق تابع للرجل، ضعيف، ضلع أعوج لا يمكن إصلاحه أو تقويمه. المرأة ناقصة عقل ودين، ضعيفة أمام الشهوات، كيدها عظيم، رجس من الشيطان، لا بد للرجل أن يضع حدا لذلك الكيد وأن يمنعها من السقوط في هاوية الشيطان وهاوية الجنس ببتر عضو في جسمها الذي وهبه الله لها مثلما وهبها سائر الأعضاء. لا يجب أن تحس بمتعة الجنس. أتعجب كيف يتدخلون في صنع الخالق؟ كيف داسوا خلق الله وصنعه. فلماذا لا يقطعون لسانها أيضا ويحرمونها متعة الإحساس بمذاق الطعام وبفقؤون عينها لكي لا ترى! نعم، لا يجب أن تحس بشيء في هذه الدنيا سوى إحساس ألم الإنجاب المتكرر والضرب والمعاملة السيئة واللعب بمشاعرها وبحياتها. كم من امرأة نجحت في امتحان الشرف وعاشت مدة ثم سقطت في امتحان الوفاء لزوجها، وجلبت لنفسها أمراضا خبيثة ومميتة، فماتت وتركت أولادها وراءها يتامى.... أين هو الشرف؟ وما هو مفهومه؟
كانت صامتة ورأسها مطأطئ خوفا ورجلاها مشدودتان ببعضيهما ويداها تشابكتا على ركبتيها وآهات تزمجر بداخلها شرف! شرف! ما هو الشرف؟ وماذا تعرفون عن الشرف؟ وإن كنتم تعرفونه، يا ليتكم تحسنون التعامل مع هذه الكلمة ومعناها العظيم. لو فعلتم ما تعذبت غالية وشرّدها سرّها الخطير. آه يا أبي ليتك تفهم ... ليتك تخترق عظام صدري وجمجمة رأسي لترى كم غاليتك يعذبها فهمك للشرف وتعاملك مع هذه الكلمة ...آه ...
قال الأب: هل تعرفين إن داستك سيارة ومتّ لكان أهون علي من موتك انتحارا؟ موتي عنده دعسا بسيارة أفضل من موتي انتحارا لكي لا أجلب لك العار. قبح الله هذا الشرف الذي تسعى إليه حفاظا على سمعتك. فماذا عني أنا؟ ماذا اقترفت من ذنب إن كنت سأخزى أو أهان أو أٌقْتَلَ بذنب لم أرتكبه. ماذا عني أنا التي لم أٌلْمَس في حياتي ومع ذلك عرفت العذاب وذقت المر منذ وقوع ذلك السر الخطير على جسمي وروحي؟ بقعة دم حمراء في لباسي الداخلي، لم أكن أنا سببها، نزلت من جسمي من غير إرادتي وحولتني إلى شؤم ملموس طوال حياتي وجعلتني في نظركم غولا ومسكونة بالجن. أطلقتم علي كل هذه الصفات تنعتون بها حزني وانطوائي وغضبي من غير أن تسألونني يوما عن سبب ذلك. وكيف لي أن أبوح لأحد منكم بذلك السر. إن أختي العنود نصحتني بل هددتني بأن لا أبوح بذلك ولو لأمي....اسمعي يا غالية، أنت تعرفين معزتك ومكانتك عندي. لقد أسميتك غالية وأقول دائما إنك أميرتي لكن هذا لا يعني أنني سأسمح لك بأن تدمري سمعة العائلة. كل شيء في كفة وسمعة العائلة وشرفها في كفة ثانية. إنني لم أمد قط يديّ عليك فلا تدفعيني لذلك. ارتعشت غالية وتبلل سروالها، أغمضت عيناها حتى لا تنزل دموعها وزفير يخرج من أسفل أحشائها. هذا ما بقي لك يا أبي أن تفعله اتجاهي. تضربني. فولله أن الانتحار أهون عليّ ألف مرة من أن تمدَّ يدك علي وتضربني ظلما. اسمعي يا ابنتي سأغفر لك تلك الفعلة الشنيعة بشرط أن تقبلي الدكتور نبيل زوجا لك. فاجأها ذلك الألم الغامض الذي داهمها وانتقل من منطقة ما في الجسد وتسرب إلى باقي الأوصال:
_ لماذا أقبله زوجا لي؟ هل طلبني للزواج؟
ـ أجل، طلبك للزواج.
شعرت بدوار وكأن غشاء من ضباب ينزل على عينيها قالت: لكنه متزوج وله خمسة أولاد.
قال بلهجة آمرة: وإن كان فالرجل يحق له الزواج مثنى وثلاث ورباع وما ملكت يمينه .
عاصفة أثارت غضبها وسرقت هدوءها المصطنع، تنهّدت بحسرة حيث لا هروب من الموت الذي يطوّقها من كل جانب ويضعها في زنزانته المظلمة: آه يا أبي كم تظلمون آية الله وكم تستشهدون بها لإرضاء أهوائكم ظنّا منكم أنكم تتقيدون بما تحتوي هذه الآيات العظيمة من معان.
صادفت فتيات كثيرات سنحت لهن الفرصة للسفر إلى الخارج وكان هدفهن الوحيد هو الحصول على المال بأية طريقة كانت، لكن ابنتك غالية كانت على عكس ذلك. هدفها الوحيد هو الدراسة والحصول على درجة عالية من العلم. أحب ابنتك وهي تبادلني نفس الشعور كما أثق بها كل الثقة لذلك أردت أن تبدأ علاقتنا على التفاهم والصراحة والاحترام فهي تريد إتمام الدراسة قبل الزواج وأنا أحترم رغبتها.
لم يستطع الأب أن يخفي الغضب الذي يظهر على سحنة وجهه وقال بإلحاح:
ـ اسمع يا دكتور إن الشرف مقدس عندنا وأيضا هو شرف العائلة لذلك لابد أن تكتب كتابك على ابنتي قبل سفركما.
شعر نبيل بأن شيئا ثقيلا يجثم على صدره، كابوس مزعج . كان يظن أن مشكلة غالية ستنتهي مع الخطوبة ولكن يبدو أنها زادت تعقيدا وأن غالية لا محال ستقوم بفعل شيء لا تحمد عقباه، لا يعرف كيف يرضي غالية وعائلتها. قال وقد ملأ فمه شعور بالمرارة: ابنتك لا تحتاج إلى عقد زواج لكي تحافظ على شرفها ، ذلك الشرف الذي تتحدث عنه لا يراه المرء إلا مرة واحدة في ليلة الدخلة، لكن بعد ذلك لن يبق للمرأة إلا شرف واحد وهو الشرف الحقيقي شرف الضمير.
قالت الأم بصوت جاف: إن زوجي معه الحق في كل ما قال. لا بد من كتب الكتاب والدخلة وبعدها تسافر معك.
شعر نبيل بالاختناق . جحظ عيناه وكأن أحدا يضغط على عنقه، قال وهو يفتح زر القميص:
ـ أنا موافق. ، لكن يجب أن ننهي كل الإجراءات بسرعة، لأنه لم يبق على موعد سفري إلا ثلاثة أيام.
قال الأب: غدا سنكتب الكتاب وفي نفس الليلة تكون الدخلة.
قالت بدرية ووجها مقطب: وماذا عن الحفل؟
قال نبيل أفضل أن نقوم بحفل الزفاف عندما تتخرج غالية.
قال الأب: أنا موافق.
إنني لا أريد أن أتزوج هل تفهمين؟ لا أريد أن أتزوج! لا أريد أن أتزوج!
حدقت سلمى في أختها بعينين دامعتين مناجية روحها: آه يا شق نفسي وتوأم روحي تظنين أني لا أدرك سرك. كم أنت واهمة. أعلم أن عفتك وشرفك فوق الشبهات لكنني على يقين أنك تعانين من مشكلة تتعلق ببكارتك والله يا غاليتي لا ولن أشك بأخلاقك وشرفك. ليتك تبوحين لي أي حادث لعين أفقدك ذلك الغشاء اللعين الذي أشقاك وشرّدك. ليت والدي يفهمان أن الشرف ليس منسوجا من ألياف ذلك الغشاء.
فتحت أزرار فستانها بيدين مرتعشتين وقطرات من الدموع متشحة بالحزن. نزلت مضطربة على خديها. سقط الفستان من جسمها الذي بدا شبه عار لا يحجبه سوى اللباس الداخلي الأبيض الشفاف. فغر فاه شاردا في جسمها وفجأة وكأنه استيقظ من غيبوبة، أسرع إلى السرير أحضر اللحاف وغطى جسمها وحضنها بين ذراعيه. صمت رهيب ساد الغرفة قاطعه الطرق الشديد على الباب وصوت النساء يتأجج كالمد والجز: يالْعْريسْ، سربي سربي اعطيه لينا سربي سربي سربي... (اسرع أيها العريس ... وقدم لنا قطعة الثوب ، ثم هوين على الباب دقا وكأنهن يردن تحطيمه. تراجع نبيل خطوات إلى الوراء، مرعوبا وقال:
ـ ماذا تريد هؤلاء المجنونات؟ لماذا يطرقن الباب هكذا؟
أجابت وقواها خائرة، الكابوس الذي كان يراودها يشتعل مستعدا للاحتراق. بلعت ريقها وقالت وهي ترتجف:
ـ إنهن ينتظرن المنديل.
قال مفصحا عن عدم ارتياح: أي منديل؟
دموع كالسيل تنزف من عينيها، عضلات جسمها تتشنج، ودقات قلبها تزداد سرعة مع تلاحق الطرق على الباب. إنها لحظة كشف السر الخطير. قالت: منديل عليه...
خفضت عينيها ... ارتفعت أصواتهن مرة ثانية ... هوى الطرق يزلزل الباب في شغف ويدكّ روحها التي يمزقها نسيج هواء الغرفة المختنق... غريقة تحاول التعلق بقشة ووجهها مصفر يعلوه الهلع... تموج الأرض من تحتها ... صراخ وأصوات وزغاريد تدوي في براري الموت، وجسدها يتهاوى رويدا ويتراخى. كان نبيل يمشي في الغرفة بعصبية وينظر يمنة ويسرة وهي تتابع خطواته. لمحت عيناه إطار صورة على خزانة صغيرة بالقرب من السرير، صورة غالية وهي في سن السادسة ببذلتها المدرسية وحقيبة صغيرة بيدها. حمل الصورة، نظر إليها وابتسم ثم فجأة انقلبت ابتسامته إلى غضب. فك إطار الصورة، أمسك بقطعة الزجاج، كسرها، جلس على السرير بالقرب من غالية وأمسك بجزء من اللحاف الذي يغطي جسمها، مزقه ثم رفع كم قميصه وأحدث جرحا بذراعه. مسح الدم بذلك القماش وأسرع نحو الباب، فتحه بحذر ثم ألقى بتلك القطعة من القماش إليهن وأقفل الباب بسرعة وهو يتمتم بعصبية وغضب، المتعطشات المتلهفات لرؤية الدم ... الغبيات. أما هي فكانت تنظر إلى ذلك المشهد غير مصدقة ما تراه، حائرة من أمر ذلك الرجل. استلقى على السرير وحضنها بين ذراعيه في صمت. كانت تحت تخدير ذلك المشهد الخرافي ترتجف بين أحضانه إلى أن أغمضت عينيها وسط تلك الزغاريد وارتخى جسمها بعدما كان مشدودا وسكنت روحها التي كانت على وشك أن تزهق. ظل يفكر في المأزق الذي وقع فيه، محاولا إيجاد حل من غير أن يؤذي غالية وعائلتها. أفكاره تدور في حلقة مفرغة إلى أن سمع صوت آذان الفجر، سحب ذراعه ببطء كي لا يوقظها وتسلل إلى الحمام ليغسل قميصه من آثار الدم ووضع الإطار المكسر والصورة في حقيبة ملابسه. جلس على حافة السرير ينظر إليها ويبتسم. كانت تغط في نوم عميق وهادئ ).
" هذا المقطع من روايتي " نهاية سري الخطير " التي صدرت في طبعتين عربية عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت عام 2004 ، وطبعة إنجليزية عن دار
Author House
في بريطانيا عام 2005 ، وستصدر ترجمتها للغة الصربية قريبا ، وطبعة عربية جديدة عن منشورات ( زاوية للفن والثقافة ) في الرباط، المغرب ".
خاتمة
هل يثار شرف الرجل العربي هكذا وهو يرى أوطانه مغتصبة ؟ كيف أصبح الشرف العربي مرهونا ومحاصرا بذلك المربع الصغير من جسد المرأة ؟ هل قصد ذلك الشاعر العروبي أبو الطيب المتنبي عندما قال:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم