فنان عاشر صخب الإبداع ورحل بصمت

2020-10-01

إنها "تماثيل منزوعة العيون بهيئة عري قديم، أرواح صوفية تتسلل عبر لوحات عُلِقَتْ بفوضى ....

منقذ 15

 

شهادات

 

لندن 2014
ليس من السهولة أن تفقد صديقا عشت معه أيام محن وآلام ولكنها قسوة الحياة علينا أن نتلقى أخبار أعزائنا وهم يغادرون بصمت .
النحات العراقي والرسام منقذ عبد الوهاب الشريدة رحل بصمت في الولايات المتحدة بعد أن كان يملأ الدنيا صخبا وألقا .
منقذ كان رفيقي في درب الحرب وعشت معه أياما من الخوف والرعب أثناء الحرب العراقية الإيرانية على الرغم من أني وإياه دخلنا رحاها في آخر أيامها لكنها كانت أياما مخيفة وكأن الأيام التي دخلنا فيها أواخر الحرب كانت أيام تفجير الدملة كي ينتهي الوجع بأوجاع متتالية دفعنا نحن ضريبتها .
قضينا أنا ومنقذ خمس سنوات في الأسر بجنب بَعضُنَا نتحمّل مرارة ألذل والجوع والبرد والقهر حتى جاء يوم خروجي وانتقالي إلى معسكر اللاجئين حيث طلبت اللجوء السياسي يومها إلى بلجيكا بعد مقابلتي مع وفد الصليب الأحمر الدولي .
وأبلغني قبل أيام قلائل، أحد العراقيين في الولايات المتحدة الأمريكية أن منقذ موجود وأبلغني تحية منه، لكنني صدمت قبل يومين بخبر يقول أن منقذ فارق الحياة، بعد معاناة طويلة ورحلة شاقة لم نستفق منها بعد، ووصلنا إلى كل الدنيا وعثرنا على كل ما نبغي لكننا لم نعثر لحد الآن على وطن .
وداعا منقذ ....... وداعا عزيزي ورفيق دربي، هذا الفراق لن يعطينا يوما لنلتقي فيه ثانية فقد حجز التراب بيننا هذه المرة ....... سأبكيك ما حييت وسأذكرك ما حييت وسأذكر انك رفضت في يوم من الأيام الزواج من فتاة بعد ان أقنَعْتُك بالزواج منها، لكنك رفضتها لأنها لم تكن تعرف من هو مظفر النواب وقلت لي يومها تريدني ان أرتبط بفتاة لاتعرف من هوشاعرالعراق العظيم مظفر النواب .
سأذكرك كلما اشاهد نصبا أوتمثالا وكلما أشاهد تخطيطا لأَنِّي سأقارن عمله وتشريحه مع ما كنت عليه من دقة  في التشريح .

منقذ 17


كاظم فنجان الحمامي
ليس من السهل أن يخسر العراق فناناً كبيراً بمستوى الراحل منقذ الشريدة . لكنها قسوة الحياة علينا أن نتلقى أخبار أعزائنا وهم يغادرون بصمت . النحات العراقي والرسام منقذ عبد الوهاب الشريدة رحل بصمت في الولايات المتحدة بعد ان كان يملأ الدنيا صخبا وألقا متجدداً .

أعلنت البصرة عن حزنها وأسفها لفقدانها الفنان الكبير منقذ الشريدة من دون أن يلتفت النشء الجديد إلى أعماله، ومن دون أن تلتفت البحرية العراقية إلى النصب التذكاري الكبير الذي شيده الفنانون (منقذ الشريدة وقيس عبد الرزاق وأكرم خان ونجاح الجزائري) .
فهل شاءت الأقدار أن يموت هذا الرمز مصلوباً على بوابة أقدم ثكنة بحرية في حوض الخليج العربي، البوابة التي ابتلعتها الآن زواحف الحواسم، حتى انهارت تماماً وصارت ملاذا للمشردين والمهجرين والبائسين .
  فلنتحرك لإنقاذ هذا النصب الذي شيده منقذ، ولنتحرك ثانية لننهل من عمق التجربة التي ينهض بها الآن رفاق منقذ .
الرحمة والغفران لهذا الفنان الوطني الغيور والصبر والسلوان لعائلة الفقيد الغالي
وإنا لله وإنا إليه راجعون

سعدي يوسف

من ينقذ منقذ

كان ذلك في دمشقَ، أواخرَ الثمانينيّاتِ، أو أوائلَ التسعينيّات  .
عرفنا أن  منقذ الشرَيدة أسيرُ حربٍ عند الإيرانييّن، وأنه ليس في أسوأ حالٍ . أي أن القائمين على معسكر الأسرى خفّفوا عليه ظروفَ الأسْرِ، لقاءَ خدماتٍ يقدمُها : إصلاح أبواب . نجارة أبواب جديدة لبيوت الضبّاطِ ... إلخ .

إذاً، كانت ظروفُ أسرِهِ أفضلَ قليلاً من سواه، لكن الحبس هو الحبس، على أي حالٍ .
لكننا عقدنا العزمَ على إنقاذ منقِذ :
اتّصلْنا بالصليب الأحمر الدولي، وبالهلال الأحمر الذي عن طريقه رجونا من السلطات الإيرانية إخلاءَ سبيله، وتسليمه إلى الهلال الأحمر السوريّ، في دمشق .
*
وصل منقذ إلى دمشق، واستقبلتُه كما يليق .
كنتُ التقيتُه مرةً، في بغداد .
لكن آل الشريدة هم من سَراةِ أبي الخصيب . عرفتُ أباه، عبد الوهاب الشريدة، وكان شقيقه الأكبر هشام زميلي في الدراسة، حتى إنتهاء مرحلة الثانوية، بثانوية البصرة .
*
منقذ، بالِغُ التهذيب .
بل يكاد يكون خجولاً ...
*
بعد لقاءاتِنا الأولى في دمشق، شرع منقذ يختار حياته، كما يشاء .
حاناتُ دمشق بدأتْ تغلِقُ أبوابَها بوجهه .
حياته هناك  شرعتْ تضيق .
*
لم أعلمْ برحيله، في الولايات المتحدة، إلاّ بعد مجيئي إلى كندا .
لقد خسِرنا فنّاناً مرموقاً كان وراء أعمالِ نحتٍ مرموقةٍ كانت باسم سِواه .

لندن 16.09.201

منثذ

محمد علوان جبر
 
قرأت الخبر عبر الفيس بوك، بوست للروائي والقاص جمعه اللامي ، قال فيه رحيل النحاة العراقي منقذ شريده ، أصبت بما يشبه الذي يقف بلا حراك، لاشيء سوى انهمار شلال الصور … صورة تتبعها صورة هكذا ….. فكانت سبعة صور …
 
اليوم سمعت ان منقذ شريدة مات في منفاه الامريكي ….. وداعا ايها المعلم … وداعا ايها البصري الفذ الذي يملك قلب طفل …. منقذ شريدة .. اهم نحات عراقي بموازاة فنانين عراقيين كبار أمثال اسماعيل فتاح الترك وخالد الرحال وضياء العزاوي … ذكرت هذه الاسماء لانها تعد قريبة من جيله لكنه تفوق عليهم لولا ظروفه التي سردت اغلبها ….

كتب عنه د.ماضي حسن نعمة قائلاً :

"تستوقفنا إيحاءآته الإشارية .. خطوط، وألوان، وريليف، ومدور .. تتكاثف صيغ التعبير بوسائلها المتعددة كي تمنحنا دفقاً من ثراء التعبير والتفسير، أعماله خاضعة إلى مخاض متعدد ومتنوع من المداخلات في أفق التجريب الذي يمنح الفنان ثراءً معرفياً في تراكمات ذاكرة الإبداع، ستبقى نتاجات الفنان الراحل أثراً له مساحة من الإفتراض والإهتمام والرسوخ في ذاكرة التشكيل الإبداعي" .

ضياء مصطفى
منقذ الشريدة معلمي الذي علمني أبجدية الجمال
 
من طقوسي اليومية التي كنت اقوم بها حينما كنت صبيا يافعا في اواخر الستينيات من القرن الماضي هو زيارة بيت (جدتي ام هشام ) الملاصق لدارنا كان بيتا تراثيا جميلا تفوح منه رائحة الطيبة والحنان والمحبة، وكان وراء هذه الزيارة سببان رئيسيان الأول هو لاستنشاق رائحة المحبة والتعلم من مدرسة الحنان التي كانت تمنحها لي أمي العزيزة وجدتي الحنون، والتي كانت تجود عليَّ من هداياها وتفرحني يدها الممتدة إلى شيلتها ( غطاء رأسها ) لتفتح عقدة منها وتعطيني قطعا من النقود تفرحني كطفل صغير ولأنطلق بعدها إلى العم أبو عماد فأشتري ما لذ وطاب .... وأول مايدهشني حين الدخول إلى هذا البيت الجميل حين يستقبلني مشغل (عمو منقذ) هكذا كنت أطلق عليه حيث تضرب أنفي رائحة الطين والخشب والألوان الزيتية ثم أُكمل رحلتي في البيت وعينياي تتعانق مع لوحات عمو منقذ وتماثيله الصغيرة والكبيرة التي توزعت في أنحاء البيت .... هذه الصور خلقت عندي دهشة حب اللون والجمال والتفكير بطريقة أكبر من عمري، وأنا أدخل هذا العالم الجميل الذي يمتزج فيه اللون والجمال مع الطيبة والحنان الذي قادني فيما بعد إلى حب الفن والثقافة والإعلام حتى صار تخصصي الذي أعمل فيه ... فلا أنكر أن منقذ الشريدة كان معلمي الأول ومدرسته هي التي أدخلتني الى المدرسة الاكبر .
.... ذات يوم دخلت إلى البيت وكان أول مااستقبلني هو عمو منقذ ومشغله فشاهدت (عروسة بحر) مسجاة على منضدة خشبية استفزت طفولتي قصص عروس البحر التي كنت اقرأ عنها في قصص الطفولة... سألته : (عمو منقذ هاي العروسة وين راح تخليها ؟ ) أجابني وهو منهمك في عمله وسيكارته تتدلى من إحدى جوانب فمه - ضاوي هاي هدية للقاعدة البحرية، كنت أفرح كثيرا حينما يجيبيني وهو القليل الكلام الهادئ الطبع وإن تكلم فهو جميل في كلامه .
لا أنسى حينما عاصرت ولادة أهم تماثيله وهو القائد موسى بن نصير وأنا اتابع مراحل ولادة تمثال مهم احتل إحدى ساحات البصرة وتحديدا مدخل قيادة القوة البحرية ... صبي صغير يتعلم من أمهر الفنانين الذي درس في إيطاليا وتتلمذ على يد الفنان محمد غني حكمت وزامل الفنان اسماعيل فتاح الترك وآخرون من فناني جيله ....
صبي صغير يتدرب في أكاديمية فنية اسمها منقذ الشريدة ابن أبو الخصيب والبصرة الحبيبة .
ومازلت أذكر تلك البوابة العملاقة التي نحتها بانامله الذهبية لتكون ومازالت بوابة للمصرف العقاري في البصرة كنت أفرح حينما اراه قادما بهدوءه المعتاد ليستقبلني بابتسامته المعهودة التي أعطتني درسا بتواضع الفنان وطيبته مهما أبدع .... كنت مستمعا جيدا لكلامه المقتضب والغني بالحكمة كان هذا الكلام اكبر مني لكني نكت أفهمه..
عمو منقذ الشريدة له فضل عليَّ، لانه أسس في داخل ذلك الطفل الصغير قاعدة مهمة في حب اللون والجمال وتدريب الخيال على صناعة الأفكار وإن كنت قد استثمرتها لاحقا في مجال الإعلام حينما تخصصت فيه، عمو منقذ إنسان لم أنساه ابدا ... عطف أخ كبير على أخيه الصغير ... تعلق تلميذ لحوح بأول معلم تعلم منه أبجدية الجمال .
الحديث عن منقذ.... الفنان البارع لايمكن ان يلخص بكلمات، إنه ذلك النورس الذي طاف العالم بفنه ليحميه من الزيف والخداع ليغلفه بحصن المباديء والأخلاق فمهما كتبت فلن أفيه حقه وأنا من عاصره وتربى في متحفه الجميل ...
رحمك الله عمو منقذ ... رحمك الله قلبا طيبا وفنانا مجدا ظلمه الزمن لكن الله سبحانه وتعالى سينصفه في عليين رحمك الله وعام يمر على رحيلك ....
رحلت عنا مبتعدا بسنوات ومنافي لكن قلبك كان معنا رحمك الله يامنقذ الشريدة أخي الكبير ومعلمي المبدع .

منقذ شريدة 3

شيئ عنه

ولد عام 1940م في قضاء ابي الخصيب .

اكمل دراستة الإبتدائية في المدرسة المحمودية ودراستة الإعدادية في ثانوية ابي الخصيب للبنين .

التحق بكلية الفنون الجميلة في بغداد في اختصاص النحت علما بأنه كان ماهرا في التخطيط والرسم والزخرفة .

بعد أن أكمل دراسته في الكلية ذهب إلى المملكة العربية السعودية وعُين مدرسا في معهد إعداد المعلمين هناك وقد تم تكليفه برسم تخطيطات لقراءة الصف الأول الابتدائي.

بعد فترة عاد إلى العراق وحصل على بعثة إلى المانيا، الّا أنه ولاسباب معينة لم يحصل على البعثة إلى المانيا، عندها غادر العراق إلى بيروت ومنها إلى إيطاليا والتحق هناك (باكاديمية دانتي) للفنون والتقى هناك بالفنان محمد غني حكمت وأصبح صديقا له . ترك أكاديمية دانتي للفنون مضطراً لعدم قدرته على دفع اجور الدراسة فيها .

عاد إلى العراق وعمل في وزارة الشباب وبعد فترة من عمله في وزارة الشباب استغنوا عن خدماته .

غادر العراق إلى الإمارات العربية المتحدة حيث افتتح هناك محلا للرسم والنحت والتخطيط وحصل على عدد من المكافآت والجوائز التقديرية لإعماله الفنية  .

عاد إلى العراق للإ لتحاق بالخدمة العسكرية وأصبح جنديا في القاعدة البحرية في البصرة وفي القاعدة قدم أعمالا فنية كثيرة للقاعدة البحرية ولنادي الضباط .

في الحرب العراقية الإيرانية وقع في الأسر لدى السلطات الإيرانية وعندما كان في الأسر شارك في معرض اقيم في إيران بأعمال عن استعمال السلطة العراقية للسلاح الكيمياوي في مدينة حلبجة الكردية، وفاز بالمرتبة الأولى وعلى إثرها كرّمتة السلطات الإيرانية وسمحت له بالتجول خارج الأسر في إيران . 

أن الفنان منقذ الشريدة فنان موهوب بشهادة أساتذتة وزملائه من الفنانين ولكنه كان قليلا في عطائه الفني والمتتبع لسيرتة الذاتية  يجد  أنه كثير التنقل والإرتحال من بلد إلى آخر، علما أنه كان يحصل على أعمال في كل بلد يحل فيه ولكنه سرعان ما يترك عمله وينتقل إلى بلد آخر،  إن عدم استقرار الفنان وعدم حصوله على الظروف التي تساعده على التفرغ  لعمله الفني يقلّل من عطائه مما يحرم الساحة الفنية من إبداعاته ونتاجاته  كما حرمت الفنان نفسه من تقديم أعمال ولوحات فنية تخلد إسمه كبقية مشاهير الفنانين .

رحل الفنان الشريدة في أيلول عام 2014 وستبقى ذكراه خالدة خلود أعماله وخلود قيمته كإنسان .

منقذ 14

  
 
.
 
 
 
 
 
 

 

 

عالية كريم

رئيسة تحرير "معكم"

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved