حيث أقيمَ مَنْشَطٌ ثقافيّ عامٌّ .
كان الرجل ، في منتهى الدماثة والذوق ، قدّمني في الأمسية الشعرية ، وغادر المكان بعد التقديم مباشرةً ، ليلحقَ بالقطار المتجه إلى بلجيكا ، مقامه حتى عودته المشؤومة إلى العراق المحتلّ .
ما كنتُ قرأتُ لكامل شياع شيئاً حتى ذلك الوقت ، لكني تتبّعتُ محاضرته عن " الإمبراطورية " بإعجاب .
ولم أقرأ له شيئاً بعد ذلك .
كامل شياع لم يطبع كتاباً .
هو نفسه ، كان كتاباً متنقلاً .
*
زار لندن قبل أشهر . لم أره .
اتّصلتُ بأخيه فيصل ، رجاء أن يخبره بتحيتي ، وبنصيحتي له ألاّ يعود إلى المستعمَرة .
كنتُ خائفاً عليه حقاً .
*
ماذا كان يفعل في " بغداد الجديدة" ؟
أكان يكتب افتتاحياتِ صحيفةٍ ، مُرتجَــعُــها أكثرُ من مطبوعِها ؟
أكان يكتب خطاباتٍ لا معنىً لها ، لأناسٍ لا معنى لهم ؟
أكان يحاولُ أن يرممَ صورةً شائنةً عصيّةً على الترميم ، صورةَ العراقِ المستعبَدِ المحتلّ ؟
في زورته لندنَ ، ألقى محاضرةً عن الوضع الثقافيّ في العراق .
حاولَ أن يتفادى ، بلباقةٍ ، اسئلةً ظـنَّها محرجةً .
كان يدافعُ عمّا لايمكنُ الدفاعُ عنه .
*
لقد قُتِل كامل شياع ، بمسدّسٍ قديمٍ ذي ماسورتَينِ ، ماسورتَينِ لهما توقيتٌ مختلف :
انطلقت الماسورةُ الأولى في العام 2003 ، حين حُشِرَ الرجلُ حشراً ظالماً مع الخونة والعملاء واللصوص في وزارة بول بريمر الأولى . وكان من الأفضل تجنيبه تلك الكأس .
أيّامَها اتّصلَ بي من بغداد ، يدعوني إلى هناك .
قلتُ له : يا كامل ! لندعْ واحداً منا ، في الأقل ، خارج الكرنفال ...
قال : سأكتب عنك قصيدةً ، أُضَـمِّـنُها قولتَكَ !
*
الماســورة الثانية ، الأخيرة ، أتمّتْ ما بدأ في 2003 .
لندن 27.08.2008