رشيد منسوم
2011-10-10
هنا ليس النور معتدا بذاته ولا الأشجار واثقة من عريها هنا الغابة تجل لمتاهة الوجود وهوية الشاعر.
حاجتنا الغامضة الى الهروب والى الشعر.
ليس بمعنى التيه ولكن بما هو قوة ورغبة متجددة للتحرر من أسر الوجود وابتكار صيغة خاصة ومغايرة في خضم مغامرة التيه في العزلة والفوضى والسديم. اعادة تشكيل الكون من خلال هذه المفردات لذلك يعجبني كثيرا الفيلسوف الفرنسي جيل دلوز حين يعبر عن هذه الرغبة في اختراق المتاهة كتجل لقوة الحياة وارادة الشاعر.
فللكتابة كانفتاح على الكينونة مساراتها المنفلته وخرائطها الضالة كتابة احتفال بالمنبثق فجأة، اقتناص، وسرقة، جرياً وراء المبعثر، الاستراتيجية هي أن تظل يقضا وغامضا في عالم لا يفضي الا لعري الوجود. فثمة دائما عشب مثقل بالندى ونهر في عمق تيه الوجود يصون دهشتنا كزوار في هذه الحياة الغريبة. ويأبى ان يصير وجودنا وجود غفل. هذا النهر الذي يحول الوجود داخل المتاهة الى ابتكار للحاضر واختبار قدرتنا في امكانية المغامرة في المجهول والاختلاف والانفلات من مكر التشابه والتطابق يتآلف من العقل والعاطفة والخيال والأسلوب وتزاداد نسبة عذوبته بقدر خيانة الماء للضفاف.
وكيف يخون الماء الضفاف؟
يا سعدي
السر في تدرج لون الغيم على ورقة السنديان.
ظلال الشاعر الألماني ريكله في فيلم 'الأخضر بن يوسف'
هنا - أقصد في فيلم الأخضر بن يوسف - ليس النور معتدا بذاته
ولا الأشجار واثقة من عريها
هنا الغابة تجل لحاجتنا الغامضة إلى الهروب إلى الشعر.
ليس بمعنى التيه بقدر ما هي انفتاح على أسئلة الكينونة وعلى مساراتها المنفلتة وخرائطها الضالة واحتفاء أيضا بالمنبثق فجأة، بجمالية الاقتناص، وشعرية الجري وراء المبعثر.
يعجبني كثيرا الشاعر الألماني ريلكه حين يقول أن الأعمال الفنية تنبع دائماً من أناس واجهوا الخطر، ووصلوا إلى النهاية القصوى للتجربة، وصلوا إلى نقطة لا يستطيع أي كائن إنساني أن يتجاوزها، وكلما ازدادت جرأة الإنسان على التوغل، كلما أصبحت الحياة أكثر جدارة للاحترام وأكثر ذاتية وأكثر تفرداً. فالفيلم يصور بلغة الظل والضوء وشعرية الصورة كتابة سعدي يوسف كما حياته كقوة نابعة من الخطر كما الرعد والبرق وفي نفس الآن هي كرغبة متجددة للتحرر من أسر الوجود وابتكار صيغة خاصة ومغايرة في خضم مغامرة البحث في العزلة والفوضى والسديم إلى درجة يمكن القول أن الفيلم يروم إعادة تشكيل الكون الجمالي لسعدي يوسف من خلال هذه المفردات ويراهن على اختراق المتاهة كتجل لقوة الحياة وإرادة الشاعر. وعلى تفكيك بعض المفاهيم التي شكلت ثوابت الذائقة الجمالية العربية الكلاسيكية مفاهيم مثل 'المنفى' و'الحنين' و'الوطن' و'الغربة' و'الموت' و'الكتابة'...
من يشاهد هذا الشريط لجودي الكناني وباسل علي عمران يخرج بقناعة مفادها انه ليس في النهر شقاء الماء ، ليس في الماء صمت الوجود، ليس في الغابة معنى واحدا لأغنية العصافير وليس في الشجرة ظل حطاب. في النهر بعض النهر، في الماء لون الماء،في الغابة وحشة وذئاب وفي الشجرة سناجب وبوم. فلنظل إذن يقضين وغامضين في عالم لا يفضي إلا لعري الوجود. فثمة دائما عشب مثقل بالندى ونهر في عمق تيه الوجود يصونان دهشتنا كزوار في هذه الحياة الغريبة. ويأبيان أن يصير وجودنا وجود غفل على هذه الأرض. هذا النهر الذي يحول الوجود داخل المتاهة إلى ابتكار للحاضر واختبار قدرتنا على إمكانية المغامرة في المجهول والاختلاف والانفلات من مكر التشابه والتطابق يتآلف من العقل والعاطفة والخيال والأسلوب وتزداد نسبة عذوبته بقدر خيانة الماء للضفاف.
ولكن يا سعدي
كيف يخون الماء الضفاف؟
هل السر في تدرج الزرقة على الشجر عند الفجر
أم في لون الغيم على ورقة السنديان؟
كاتب وشاعر من مراكش
Mansoumrachid5@hotmail.com