غسان كنفاني مبدع كتب الحقيقة بدمه

2008-08-20

( لنزرع شهدائنا فــي رحــم هــذا التــراب المثخــن بالنــزيف......فدائـمـاً يوجــد فـي الأرض متسعـاً لشهيــد آخــر" )
- غسان كنفاني

//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/2fa87f02-1078-4472-a0ef-cb25297189d5.jpeg

* صباح 26/4/1948 صحى اهل عكا على صوت الرصاص والقذائف التي تطلق باتجاه بيوتهم بكثافة من جهة محطة القطار، خرج والدَيْ غازي وأحمد السالم وفاروق غندور وصبحي أخو والدغسان يحملون بواريدهم ويطلقون الرصاص من بيت الدرج باتجاه اليهود المهاجمين، خرج والدغسان ليستطلع الأمر حيث رأى بعينيه جثة رجل عربي لم يتبين من هو، ملقاة في وسط الشارع. كان ابنه غسّان حول أقاربه، يجمع أغلفة الرصاص الفارغة الساخنة، في المساء، لاحظ الوالد بعض الحروق على كفيّ غسان، ورأى في عينيه نظرة لم يرها من قبل، ثم ارتمى على صدره، لاحظ أنه مقبل على البكاء، فبكيا سويّاً..

* في الساعة السادسة والنصف من صباح يوم خميس التاسع من نيسان 1936 كانت إطلالة غسّان الأولى على زيتون عكا.. وحين حمل 2755 رقماً على شهادة ميلاده، ربما... ربما أدرك حينها ان والده كان معتقلاً في سجن الصرفند لأنه خرق مع صحبه نظام منع التجول المفروض على عكا، وحرّك مع صحبه أيضاً عبر قرع الطبول من فوق مئذنة جامع الجزّار، وصيحات الله أكبر الهادرة، جماهير عكا والقرى المجاورة . . .
وما أن أفرج عنه حتى اعتقل مرة ثانية، هذه المرّة لدفاعه المتطّرف المجّاني بصفته محامياً منذ 1926 عن المعتقلين من الثوار في يافا.. ثم أفرج عنه بكفالة بشرط إثبات تواجده ثلاث مرات يومياً أمام الميجر هارنجتون الحاكم العسكري البريطاني. ولم تلبث السلطات أن اكتشفت أنه مع المحاميين أمين عقل وإبراهيم نجم قادة الثورة في يافا.. فأصدرت بحقّهم مذكّرات اعتقال قد تؤدي إلى أحكام بالإعدام، لكنّهم تمكّنوا ثلاثتهم من الهرب، وتمّكن والد غسان من السفر إلى سوريا واللجوء إلى حماية المجاهد محمد الأشمر الذي تعامل معه من قبل ومن بعد بتوريد السلاح لتأمين استمرار الثورتين..
عندما جاءت أحداث 25 نيسان 1948 يوم الهجوم الكبير على عكا، هذا اليوم الذي عاشه غسّان بكل تفاصيله، بأحداثه المأساوية التي جرت أمام عينيه، كان بيت جدّه لأمه، حيث أقاموا بعد رحيلهم من يافا ملاصقاً للمستشفى الوطني الذي كان يستقبل كل لحظة جرحاهم وقتلاهم.

انها حقيقة المناخ الذي عاش فيه غسّان كنفاني، وقد يكفي القول، أن مجرد القدرة على البقاء على قيد الحياة كانت تعتبر إنجازاً ليس له مثيل.. في هكذا مناخ.. وفي هكذا زخم درجت خطا غسّان الأولى.. فكان واحداً من جيل ضاعت طفولته على بوّابات اللجوء .


//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/50f6b1c2-7187-439d-a974-bea36ebcb077.jpeg

//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/50f6b1c2-7187-439d-a974-bea36ebcb077.jpeg
 
ولد غسان كنفاني في عكا عام 1936، وعاش في يافا واضطر إلى النزوح عنها كما نزح آلاف الفلسطينيين بعد نكبة 1948 تحت ضغط القمع الصهيوني، حيث أقام مع ذويه لفترة قصيرة في جنوب لبنان، ثم انتقلت العائلة إلى دمشق .
عمل كنفاني منذ شبابه المبكر في النضال الوطني، وبدأ حياته العملية معلماً للتربية الفنية في مدارس وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأنروا) في دمشق ثم انتقل إلى الكويت عام 1965 حيث عمل مدرساً للرسم والرياضة في مدارسها الرسمية. وكان في هذه الأثناء يعمل في الصحافة كما بدأ إنتاجه الأدبي في الفترة نفسها.
انتقل إلى بيروت عام 1960 حيث عمل محرراً أدبياً لجريدة "الحرية"الأسبوعية, ثم أصبح عام 1963 رئيساً لتحرير جريدة "المحرر", كما عمل في "الأنوار" و "الحوادث" حتى عام 1969 حين أسس صحيفة "الهدف" الأسبوعية وبقي رئيساً لتحريرها حتى استشهاده في 8 تموز (يوليو) 1972 .
يمثل كنفاني نموذجاً خاصاً للكاتب السياسي والروائي والقاص الناقد، فكان مبدعاً في كتاباته كما كان مبدعا في حياته ونضاله، وقد نال عام 1966 جائزة (( أصدقاء الكتاب في لبنان)) لأفضل رواية عن روايته "ما تبقى لكم", كما نال جائزة منظمة الصحافيين العالمية (I.O.J.) عام 1974 ونال جائزة ((اللوتس)) التي يمنحها اتحاد كتاب آسيا وإفريقيا عام1975  كما مُنح وسام القدس للثقافة والفنون في 1990.

غ//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/88f6e80a-4364-43b6-b978-de90d71f1aa0.jpegسان كنفاني الاديب

ان دور غسان في الثقافة العربية الفلسطينية يؤكّد وعيه المبكر وإخلاصه الصادق وينتهي إلى أنه كتب بالدم لفلسطين، أن ما قدمه غسان للثقافة والأدب والفن يظل - كما أراد له بوعيه الفني المتقدم - مفتوحا للمقاربات والدراسات والاستنتاجات والتأويلات، تماما كما كانت قصة ( القنديل الصغير ) التي كتبها لابنة أخته لميس رفيقته في الدم والشهادة، حين أراد لها أن تكبر معها، وكلما تكبر تكتشف جديدا في القصة وتفهم شيئا جديدا . وها نحن نكبر بالمعنى نفسه ونفهم ما أراد لها أن تفهمه ونكتشف ما أراد لها أن تكتشف .

إن غسان بثقافته الواسعة وقامته العالية ومشروعه الثقافي المتميز يستحق منا القراءة الواعية دائما، والاهتمام الدائم، لأنه كان يعي عمق القضية فكتب من وحي عمق تعقيدها لتكون كتاباته ذات تأويلات متعددة الرؤى وزوايا التناول والبحث .

ان غسان الأديب احترم عقل القارىء ووعيه، وأخذ بيده إلى مواطن الجمال الروحي ليعمّق الانتماء ويدفع إلى العمل . لقد قدّم أعماله الأدبية بروح معاصرة سبقت وقتها الذي كتبت فيه، لأنه كان يتطلع إلى المستقبل ويمتلك أدواته الفنية . وهذا ما دعا ناقدا كالدكتور عادل الأسطة ليقول : إنه بدأ بما انتهى إليه محمود درويش .
ومع هذا فلم يغادر بساطة الطرح الواقعية فلم تكن أعماله ملغزة، بل شفيفة الرمز مفتوحة على التأويل لاكتشاف السر اللذيذ الذي يميّز الأدب عن التاريخ والحكاية .

لقد حملت أعماله رموزا وإشارات ذات دلالات وإيحاءات قريبة ومؤثرة، ها هي الأرض النابضة التي تتوحد مع المرأة ،
وها هي خربشات قلم الرصاص والدرجة المكسورة والطريق المعاكس إلى حيفا، وتلك هي الخيمة التي تفرق عن خيمة، والدموع التي لا تحمل زورقا ورقيا، وتلك مقولته ( الإنسان قضية )، وتلك الساعة التي أزاحها حامد عن معصمه فشعر براحة تشبه من يزيل دملا قديما، وهذه شخصية ( أبو الخيزران) المتناقضة التي تسرق وتهرّب وتقسو، ولكنها تتعاطف وتس

//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/fafa12f4-9dd6-4d90-9885-c0a506e5ca11.jpeg
أل ( لماذا لم تدقّوا جدران الخزان ؟)، وهذا ( القميص المسروق ) الذي ما زال يسرق ...

ان ابن الست والثلاثين عاما عاش القضية بأبعادها وخلفياتها وقدّم رؤيته الوطنية والفكرية والفلسفية، قدّم مشروعه الفني والثقافي التعبوي بشكل ما زال متفرّدا في الساحة الثقافية الفلسطينية .
كان وكأنه في سباق مع الزمن، وكأنه يدري أن عمره الفردي على وشك النهاية، وعليه أن يطيل عمر قضيته التي أمل لها أن ( تبرعم ) .

لقد كتب غسان ليرسم طريقا نحو الوطن، وليصوغ إنسانا مثقفا يعي واقعه ويمتلك أحلامه ورؤاه .
لقد صاغ مشروعا ثقافيا متكاملا بأعماله . هذا المشروع الذي كان من المأمل أن يغنيه بتنويعاته وتكرار بعض أجزائه ومفرداته وتوضيح رموزه ومفاصله الفلسفية ليزداد وضوحا ورسوخا وتأثيرا، وهو المجدّد في الأدب الفلسطيني حين انطلق من غموض فني لم يكن مألوفا قبل أكثر من خمسين عاما حين بدأ الكتابة .
لقد خاض مغامرة التجريب الفني وانشغل بشاغل التغيير الأسلوبي بفعل اطلاعه ومخزونه الثقافي، إلى أن انتبه إلى أهمية الاقتراب من الجماهير الواسعة فكتب بلغتها وأشخاصها وعاطفتها وروحها، فكانت أم سعد بواقعيتها وعفويتها وحميميتها وإنسانيتها ورمزيتها أيضا ... لأنه يكتب وفي ذهنه مستويات القراء والباحثين والسياسيين . إنه أديب شامل متعدّد المستويات .

من مؤلفات الشهيد
قصص ومسرحيات
• موت سرير رقم 12- بيروت، 1961. قصص قصيرة.
• أرض البرتقال الحزين - بيروت، 1963. قصص قصيرة.
• رجال في الشمس - بيروت،1963. رواية. قصة فيلم "المخدوعين".
• الباب (مسرحية). مؤسسة الأبحاث العربية. بيروت. 1964-1998.
• عالم ليس لنا- بيروت، 1970. قصص قصيرة.
• ما تبقى لكم- بيروت،1966 - قصة فيلم السكين.
• عن الرجال والبنادق - بيروت، 1968. قصص قصيرة.
• أم سعد - بيروت، 1969. رواية.
• عائد إلى حيفا - بيروت، 1970. رواية.
• الشيء الآخر - صدرت بعد استشهاده، في بيروت، 1980. قصص قصيرة.
• العاشق، الأعمى والأطرش، برقوق نيسان5 (روايات غير كاملة نشرت في مجلد أعماله الكاملة)
• القنديل الصغير-بيروت.
• القبعة والنبي. مسرحية.
• القميص المسروق وقصص أخرى. قصص قصيرة.
• جسر إلى الأبد. مسرحية.
بحوث أدبية
• أدب المقاومة في فلسطين المستقلة.
• الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال 1948-1968.
• في الأدب الصهيوني
• نال في 1966 جائزة أصدقاء الكتاب في لبنان عن روايته "ما تبقى لكم".
• نال اسمه جائزة منظمة الصحفيين العالمية في 1974 وجائزة اللوتس في 1975.
• منح اسمه وسام القدس للثقافة والفنون في 1990.

//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/d69f0775-56bd-43bc-bfa0-aa9548abb98b.jpeg

* استشهد الاديب المناضل غسان كنفاني صباح يوم السبت 8/7/1972 بعد أن انفجرت عبوات ناسفة كانت قد وضعت في سيارته تحت منزله مما أدي إلي استشهاده مع ابنة شقيقته لميس حسين نجم (17 سنة).

عالية كريم

رئيسة تحرير "معكم"

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved