قصيدة نونو جوديس
ترجمة: سعدي يوسف
" هذه القصيدة التي تتناول ، مثل سابقتِها ، الموتَ في هيأة امرأة ، هي من الديوان الجديد لنونو جوديس
Manuel de Notions Essentielles
وقد استهوتني القصيدةُ لأن مسرحَها قريبٌ من أماكنَ أليفةٍ ، أحببتُها أيّامَ إقامتي في باريس ، مثل بُرج سان جاك
والشاتْلَيه ، والجسر ذي الأقواسِ . كنت أسكن في باريس الدائرة الأولى ، في دربِ الزّجّاجين
Rue de La Verrerie
غيرَ بعيدٍ عن البرج والجسر ومركز بومبيدو ، وعن نافورةٍ من تصميم خوان ميرو .
سقياً لتلك الأيّام ّ! "
*
في الشاتْلَيه ، كنت أنتظرُ النادلَ يخدمُني
وأنا أُنصِتُ إلى ماءِ السَينِ وهو يسيل في رأسي
( أعني أنني أُحِسُّ بالماءِ يلطمُ أقواسَ جسرِ الشاتْلَيه ،
بينما المراكبُ الملأى تمرُّ متوهجةَ الأنوارِ في مساءِ الشتاءِ الهاديءِ)
كنتُ أجلِسُ مواجِهاً فتاةً ترتدي السوادَ
ممّا أثارَ صورةَ الـمَنِيّةِ لديّ
وهكذا ، قمتُ ، وغادرتُ المقهى ، بدون أن أنتظرَ النادلَ
الذي كان سيسألُني عمّا أريدُ .
في الشارعِ ، أرغمَني الهواءُ المثلوجُ للشتاءِ على أن أجريَ ، مسرعاً
إلى أيّ مكانٍ قد أجدُ فيه ، الدفءَ .
إلاّ أنني أحسسْتُ بخُطى الفتاةِ المرتديةِ السوادَ تُسرِعُ ورائي
كما لو كانت الـمَنِيّةُ تتبعُني لتُمسِكَ بي ؛
لكنّي ، إذ وقفت الفتاةُ أمامي ، لتكلِّمَني ، انتظرتُ ما ستقولُهُ المنِيّةُ لي .
قالت لي الفتاةُ : " لقد نسِيتَ كُتبَكَ "
وأعطتني الكيسَ الذي نسِيتُهُ ، حين غادرتُ المقهى ، بعد مواجهتي المنِيّةَ .
" لِمَ ترتدين السوادَ ؟ "
لكنها لم تنتظر ،
وحين عبرتْ تلكَ الفتاةُ الشارعَ
وشرعتْ تقطعُ جسرَ الشاتْلَيه ، أسرعتُ وراءَها
لأتأكّدَ إنْ كانت ، هي ، المنِيّةَ
أم أنها ارتدت السوادَ ، فقط لأنها تريدني أن أنسى كتابَيَّ
ولكي أستطيعَ ، اليومَ ، أن أقولَ
إن المنِيّةَ جرتْ خلفي
لتُحَرِّرَني من صورتِها .
________________
تمّت الترجمة في لندن بتاريخ 24.08.2015