الروائي البرتغالي : أفونسو كروش ..( هيّا نشتر ِ شاعرا )
جماليات هذه الرواية ( هيّا نشتر شاعرا ) تجسده بساطتها وعمق أختيارها للمهيمنة وتسهيل قراءة النص من خلال فصول قصيرة مكثفة . لاتخلو من غاية تربوية، مموهة بطبقة كثيفة من شحنات شعرية مسردنة
وسنلاحظ في الرواية الشخصيات كلها لا تقول بل تفعل . إلاّ البنت وهي بتوكيل من المؤلف بوظيفة سارد عليم مشارك . وخلافا لذلك فالشاعر لايفعل شيئا بل يومض قولا ومن خلال ذلك سيكون فعله الأجمل هو : تقويل الغير بمؤثرية منه هو وأعني الشاعر، بعد أن تختمر أقواله في خميرة نفوس العائلة التي أشترته .
(*)
في هذه الرواية وحدة وصراع الأضداد : نعم نحن في عصر الرواية منذ سنوات لكن هذا الروائي البرتغالي ومن داخل روايته ينحاز للشعر وليس للسرد رغم استعماله للسرد كمحامي دفاع لتناول الوجود شعريا ولم تنس الرواية وهي تشعرن سرديتها أن تغمر اجناسيتي: السرد/ الشعر بطلاء السخرية المرحة حد الوجع، فالشاعر يباع كبضاعة ويربى في البيوت مثل القطط والكلاب ويتم التخلص منه بالطريقة نفسها ( وضعنا الشاعر في السيارة في الأسبوع الموالي، أما هو فلم يكن مستوعبا ماحصل، يبدو أنه لم يفهم مايحدث.... وقفنا تحت شجرة في حديقة، أنزلنا الشاعر من السيارة وانطلقنا . من مرآة السيارة رأيته ينظر إلينا . حك رأسه وأخرج الدفتر وخربش شيئا ما / 60 ).. ومكان الشاعر المشترى للتسلية : هو ذلك الحيز الذي تدحس العائلة فيها المهملات من الأشياء تحت سلّم البيت ( وهناك يمكن أن نضع له كنبة وطاولة صغيرة لممارسة نشاطاته اليومية / 15 ) وسنلاحظ أن الشاعر الذي اشترته العائلة يختلف عن النسق إذ ( لاتوجد أسماء ماركات راعية على ملابسه /12 )
(*)
السيادة التداولية الكلامية لدى العائلة هي الرقم : ( دارت حوالي أربعين درجة أو خمسين /17 ) ( سمك السلمون قطع من مائة وخمسين غراما../19 ) ( وقف قربها على بعد مسافة قصيرة وخطيرة تُقّدر بسبعين سنتيمترا../26 ) ( جلس بجانبي على السرير على بعد اثنين وعشرين سنتيمترا وظل صامتا/ 55 ) .. حتى الهواء تقاس جمالياته بالعملة ( كان الهواء جميلا جدا، كما يقولون يفوح بالدولارات /44 ) من جانب آخر العائلة : مبصومة بالشركات أسوة بالمجتمع : ( وضعت أمي الشراشف، وهي برعاية شركة لتصدير الخضار والفواكه/17 ) ( غطاء المائدة برعاية عطور فراغنس تراي تراي أوريانتل /19 ) ( تلبس تنورة برعاية شركة مشهورة للتدليك../40 ).. وهذه الرعاية صارت مباهلة أولادنا وبناتنا الآن والموجع هناك جمل في هذه الملابس : على وجه القميص أو تي شيرت تُخّجل حتى الغجري !! .. ولا أحد ينتبه لذلك عندنا !!
(*)
مكونات الرواية
*غلاف الرواية: يحتوي أربعة صور ملوّنة لرجل لا يذكّرني بغير الشاعر البرتغالي العظيم فرناندو بيسوا ..
أما المسرود الروائي فهو ينهض من خلال :
*الأرقام
*الماركات التجارية
*المنفعة والأرباح
(*)
الزمن الروائي ينشطر إلى شطرين :
(1) وجود الشاعر من ص12- 60
(2) مؤثرية الشاعر، على العائلة بعد أن تتخلص منه بطريقة مخابراتية
من 61- حتى ( مايشبه الخاتمة )
(*)
*البنت التي في منتصف عقدها الثاني : ومن لسانها تنبجس طراوة الحكي النصي كله : ( بدأت أكتب أبياتا على الجدار ) الجملة هنا واضحة وعمومية لكن الجملة التالية هي النقلة من الطبيعي إلى الغرائبي ( وكتبت كلمة أقحوان في ذيل قلم الرصاص، نعم يحتاج إلى أن يزهر) وعلى المستوى العائلي ستقوم البنت بتمرد جميل ( اقتلعت ُ كثيرا من علامات الرعاية لأثاث غرفتي/ 61 ) وبشهادة البنت بحق الشاعر( دفعني لإعادة التفكير في مكانتي في سوق الحياة، ماهي أرباحي، ماهي ديوني، ورأيت أن علي تغيير شيء ما ../62 ).. بالنسبة للأم كانت ضحية الواجبات البيتية، لكن روح الشاعر تسللت إلى ذاكرتها، فتلفظت الأم : جوهرة ً من كلام الشاعر ( التجاعيد هي ندوب العواطف ).. ليس هذا فقط بل الشاعر علّم العائلة كيفية إجتراح فراغا نكاية بزاحامات الواجب اليومي ( لكن ذلك أعطاني... كيف نقول ذلك ؟ فراغ ؟ هذا بالضبط . ظلّت أمي بعض الثواني تنظر إليّ. كأنك ِ الشاعر يتكلّم . فراغ هذا بالضبط ) وهكذا ستكون بقامة فكرية ( أعلى من طبخ السباغيتي / 64 ).. والأب يتجاوز أزمته الأقتصادية بقوة شعرية دافعة .. ( بيت شعري خَضَر َ في ذاكرته وحل الأزمة : القبلة هي الأنجح لحرارة الجسم/ 67)
(*)
ماينقص هذه العائلة هو: نقيصتنا الجماعية، كلنا نحتاج يقظة جمالية، كلنا نعاني عوزا في الأخيولة : شخصيا مااقترحه مؤلف الرواية، أقرأه : نوعا من الردع الجميل : لا تكنسوا المجاز اللغوي والميداني وأنتم تكنسون الشوارع والبيوت والممرات والحدائق، لا تمسحوا المخيلة مع الغبار من على رفوف المكتبة، حافات القنفات الملفات الحيطان .. السقوف . علينا أن لا نكتفي برؤية العين للأشياء : فالنافذة علينا أن لانراها ضمن وظيفتها الأثرية . شخصيا كقارىء :
أعوذ بالشعر وأقول ( إنّ النافذة هي قطعة من بحر أوقبّرة تطير /63 ) فالنافذة أوسع من شيئيتها .. كل الأشياء ستتغير بقوة الشاعر المهجور بالحدائق وسيبقى الشاعر في حدائق أخرى أقوى حضورا ( ولكن لو بحثنا فسنجد كثيرا من الحدائق ملأى بهم في داخلنا../ 68 ) ..
(3) طلاق الأم : ومن المتغيرات المنزلية، هو طلاق الأم، والأصح طرد الأب من المنزلة، فعلى مرأى من الأب جلبّت الأم حقيبة ، وجلبت بعض ملابس الأب ودحستها في الحقيبة وأمرته بمغادرة البيت فورا.. وضمن المتغيرات أيضا : تجاوز الأب لأزمته الأقتصادية .
(*)
خارج النص/ داخل المطبوع : آيدلوجية القص
أنجذبت تماما للفصل الضروري بالنسبة لي ( مايشبه الخاتمة ) فالروائي هنا يفكك آيدلوجية النص الروائي مبينا أهمية الفاعلية الثقافية في الإنماء الوطني للأقتصاد ضاربا مثلا في الأقتصاد البرتغالي ومبينا بالأرقام ظلالها الأيجابية في إنعاش البنية الأقتصادية .
(*)
انحيازها للعمال في المعمل وضرورة تحسين أجورهم وتوفير التدفئة المركزية لهم وهم يعملون : كانت الرواية قد أسقطت قطرة طبقية، في عين النص وأكتفت بذلك وهكذا : لم يتورط النص بالمنبر الأيدلوجي . وفي ( مايشبه الخاتمة ) ركّز النص على حماية الأخيولة لدينا .
(*)
العلم بذاته يمكن ان يستعين بالشعر كما فعل كلود برنار في بحوثه لتطوير الطب الحديث .. واكتشافه للكلوز، وهو يرى تجمع الذباب بشكل يلفت النظر على الكبد، دون بقية أعضاء الجسم البشري، أثناء تدريسه لتلاميذه في الكلية الطبية .
(*)
تتغذى رواية ( هيا نشتر شاعرا ) للروائي البرتغالي أفونسو كروش من حزمة نصوص شعرية لشعراء منحونا دروسا في المخيال الشعري، وهذه التغذية جاءت ضمن ضفيرة النص ولم تهبط عليه قسرا، وقد أعلن الروائي عن ذلك في صفحة خاصة تلي نهاية الرواية ..
(*)
أترك لفعل القراءة : هذه العينات الجمالية من الرواية
*( الخيال ليس هروبا من القبح، وإنما بالضبط تصميم لبناء بديل، هندسة فرضية لمجتمع أكثر انسجاما مع انتظاراتنا الإنسانية والأخلاقية / 73 )
*( ليس في كل يوم ينتظم العالم في قصيدة/ والاس ستيفنس )
*( الحيوانات تولد مع الحقيقة بحقيقة صلبة مما يقلل لديها الحاجة إلى التعلّم، نحن نولد بحقيقة أقل ولكن بإمكانيات أوسع وبأسلحة وليدة الخيال /73 )
( نحن نحقق إنسانية مثالية، مفكرا فيها، متخيلّة، فمستقبلنا سيكون دائما خيالا، شيئا لم يوجد بعد، تحويل الطاقة إلى فعل/ 74)
*أفونسو كروش/ هيا نشتر شاعرا/ ترجمة عن البرتغالي: عبد الجليل العربي/ دار مسلكلياني للنشر/ تونس / ط1/ 2017