هادي العلوي سليل الحضارتين

2012-05-22

مع تكالب تيارات التكفير وتصاعد حملات الاغتيالات التي قامت بها أجهزة الامن العربية وراح ضحيتها الكثيرون من بينهم الباحث والمفكرالدكتورحسين مروه، ومع تسليط أجهزتها لملاحقة مارسيل خليفة ونصر حامد أبوزيد، والعديد من المثقفين البارزين في الوطن العربي، برز باحث ماركسي مشبع بفكر الشرق ليقول بجرأة واصرار : أتحدى أي عالم دين يثبت فَتَْوَة قتل المرتد أو الكافر، وكتب مقالة لم يرد عليها أحداً، بل على العكس استطاع قلب موازين النقاش ولم يأبه بمن وضعه في خانة التكفيريين .
انه  الماركسي المتصوف، اليساري الملتزم، المثقف المتمرد، سليل الحضارتين، انه الباحث العراقي الشهير هادي العلوي الذي شكّلت كتُبهُ وأراؤه صدمة للمثقفين ولقرائه لما فيها من أشكالية في طرح قضايا تعتبر من المقدسات والمحرمات التي لايستطيع المثقف العربي المساس بها او مجرد ذكرها . كان كاتبا صادقاً مع ذاته، جريئاً  في طرحه، غزيرا في نتاجه، حيث ألف الكثير من الكتب التي تدور حول الماركسية والتراث العربي ومناصرة المرأة، وعاش متنقلا بين الصين ولندن وبيروت ودمشق، مجسماً تجربته بمؤلفات طرح فيها افكار جريئة، معاصرة ورائدة  .

 قدم هادي العلوي للمكتبة العراقية والعربية والعالمية كذلك، اكثر من 20 كتاب تناولت اكثرها التراث العربي والاسلامي وقضايا التصوف وقضايا المرأة، والعديد من المقالات التي تميزت بتحليل ونكهة ماركسية، وكان في طرحه ضد تقديس اي شىء، كما علمه استاذه الاول ماركس، لا شىء مقدس، كل شيء قابل للنقد والتحليل الموضوعي، وكان نقده واضحا وصريحا لاصحاب العقيدة الشيوعية من السياسين والمثقفين الذين بشروا بأقتصاد السوق وحاولوا بل مارسوا التشهير بالاقتصاد الماركسي ..حاول الراحل والحاضر دائما معنا، البحث عن زعيم مقتدر يجمع بين الشرف الشخصي والشرف الوطني والطبقي لكي يعمل معه، لكنه لم يعثر على تلك الشخصية الحلم، حتى وافاه الاجل..

حاول العلوي، المزاوجة بين الماركسية والتراث والذي كان جوهر مشروعه وبهذا يذكر ان التجارب الشيوعية فشلت عندنا بسبب أحاديتها المرجعية، أذ أعتمدت حصراً على المصادر المترجمة، وأن المصادر الماركسية وحدها لاتكفي وقد أهمل شيوعيونا مصدر التأصل للفكر الشيوعي والنضال الشيوعي ، وحاول العلوي أقلمة الماركسية وكان هذا جزءا من مراميه الاخيرة ثم أقترب من التصوف في اواخر حياته .

ترك العلوي ارثاً ونتاجاً معرفيا في مجالات التصوف والفكر العربي والاسلامي وقضايا المرأة، اهتم وأنشأ مشروع المشاعية، اخريات عمره بعد ان هجر ألايديولوجيات الحزبية، وقد اعتبره المستشرق الفرنسي جاك بيرك احد أهم عشرة مفكرين في القرن العشرين.. كانت كراهية العلوي للسلطة والتسلط بكل اشكاله، كرهاً مبدئياً وليس ايديولوجيا فكان ضد كل انماط السلطة وطغيانها .. كان هادي العلوي عنيف المزاج رقيق القلب متواضع كالحقيقة شامخ مثلها. . . 

فتح هادي العلوي عينيه مبكراً على عالم الثقافة والابداع والأفكار المضيئة وتأثر بالمفاهيم العلمية، التي ترى بالفن أداة تعبوية وثورية في عملية التحول الاجتماعي لصالح الطبقات الشعبية المقهورة، وجعل من قضيتي الأدب والوعي النقدي أكبر همومه الروحية والفكرية. وخاض أعنف المعارك الثقافية والسجالات الفكرية بكثير من الجرأة والاخلاص في سبيل مقاييس أدبية ومناهج نقدية تُحَرر الأدب والثقافة من الفكر والجهل والادعاء والتقليد الزائف والشكلية الخانقة. وبمشروعه النقدي واصل هادي العلوي خطوط التنوير المعاصرة واستلهامها، في النظر إلى التاريخ العربي السياسي بما بدأه الدكتور طه حسين في كتابيه "الشعر الجاهلي" و"الأدب الجاهلي".

 تناول هادي العلوي قضايا المرأة، ونادى بضرورة تمكينها من المشاركة السياسية والشعبية والديمقراطية. وفي كتابه "فصول عن المرأة" يتناول وضعية المرأة في الجاهلية والاسلام من خلال موضوعي الحريات والحقوق وما حققته من مكاسب ونجاحات، وما فقدته من حريات، ويستعرض مواقف الفقهاء والمفكرين من قضايا المرأة وتطور الأحكام المتعلقة بها. ويتوقف عند المشروع الناجز لتحرر المرأة في الصين كمحطة بارزة في تاريخ الكفاح النسوي، حيث انها تقف خارج الذكورية الحاكمة في الحضارات القديمة والاباحية الجنسية لحضارة الغربيين الحديثة.

وامتاز هادي العلوي بلغته التي تستند إلى التراث والمعاصرة والجرأة في ولوج عالم الممنوعات والمحرمات وطرح ما هو جديد وطريف في ميادين دراسة وتقويم التراث العربي الاسلامي الانساني. وتنم قدرته الفائقة في توظيف علمه الموسوعي والفلسفي وتمهيد الطريق أمام المثقفين لقيادة المعارك الثقافية والايديولوجية الحضارية الساعية لبناء الديمقراطية وفتح آفاق التقدم الاجتماعي. وقد أسهم بفعالية في انبعاث المشروع النهضوي والتنويري والخطاب العلماني العربي وطرح رؤية جديدة للمستقبل، وناضل بالكلمة والممارسة والموقف من اجل ترسيخ هذه الرؤية في الثقافة العربية المعاصرة.

لم يكن تأثيرالماركسية على فكر العلوي محكوما ومرتبطا بالعقل العملي والقيم الأخلاقية، اوبتراثها الفلسفي وعقلها النظري فحسب، وليس مصادفة أن يصطدم آخر حياته بإشكالية الموقف من العقيدة. بحيث نراه ينظر إليها بقدر من المرارة الخالصة من شوائب الانتماء السياسي عندما اعتبرها خديعة. بحيث توصل أخر حياته الى "مشروع" الإنسان وليس مشروع العقائد الكبرى. لقد أراد أن يعيد بناء رؤيته وتجاربه الشخصية من خلال التركيز على جوهرية الإنسان. لكنه مشروع جاء متأخرا. ومن ثم لم يكن بإمكانه التحرر من ثقل الزمن الأيديولوجي وتاريخ التراكم الفكري والعقائدي في تصوراته وأحكامه وقيمه. لقد كان الرجوع الى فكرة الإنسان ملاذه الأخير، الذي سعى لتجسيده في قاموس يتناول إشكاليات الإنسان.

ولد الباحث والمفكر هادي العلوي في بغدا د سنة 1932 ونشأ في كرادة مريم حي العباسية والذي يقع بين المجلس الوطني العراقي والقصر الجمهوري في المنطقة الخضراء حاليا، ضمن عائلة فقيرة ومتعلمة تملك مكتبة ضخمة غنية بكتب التراث والفقه واللغة والتاريخ والتي تعود إلى جده السيد سليمان، فقيه الكرادة وإمامها، حفظ القرآن ونهج البلاغة والكثير من دواوين الشعر العربي. أنهى دراسته الثانوية سنة 1950 وتخرج في كلية التجارة والاقتصاد بتفوق سنة 1954، وفي أوائل الخمسينيات تعرف هادي العلوي على جريدة (الأهالي) التي كان يصدرها كامل الجادرجي فصارت جريدته المفضلة. في نفس الفترة الزمنية تعرف إلى (علي الشوك)، احد أبرز المثقفين العراقيين وتوطدت معه علاقة متأخرة في الزمن لكنها أضافت الكثير إلى مخزونه المعرفي .

 

توفي هادي العلوي في مستشفى الشامي بدمشق يوم 27/9/1998 ويقول حسن العلوي شقيق هادي العلوي في كتاب عمر والتشيع، ان الدكتور عبد الستار الرفاعي الطبيب المشرف على علاج اخيه هادي العلوي اخبره ان الفقيد الراحل قبل أن يدخل في الغيبوبة التي توفي بعدها قال"مسيرة التاريخ تعتمد على التوازن"

 

 

 



 

عالية كريم

رئيسة تحرير "معكم"

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved