حــــدائــــق

2015-11-01
//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/c6caecf3-be06-4083-a6fb-ab0590b2fbca.jpeg

 (1)

حديقةٌ في شيراز

هي جنّةٌ من تحتِها الأنهارُ تجري ...
هي في الضواحي
حيثُ شيرازُ المدينةُ سوف تُمْسي جنّةَ البستانِ .
كانت شمسُ شيرازَ العميقةُ تُحْرِقُ الأحداقَ .
قالَ فتى الـمُحَمّرةِ الذي يقتادُني في " فارِس " الأعماقِ :
سوفَ نكونُ في ظِلٍّ وماءٍ ...
سوف ندخلُ  ، مثلَ طَيرَينِ ، الحديقةَ !
قد دخلْناها !
وكانت جنّةً من تحتِها الأنهارُ تجري
جنّةً للدَّوْحِ والأفيونِ ...
" حافِظُ " عند حافةِ جدولٍ  ، متمدِّدٌ ، مستسلِمٌ للطيرِ ،
يُنْصِتُ :
هذه الأشعارُ من ديوانِهِ كانت تُغَنّى ؛
والهواءُ مُتَعتَعٌ من نفحةِ الأفيونِ
والشمسُ اختفَتْ بين الظِلال ...

          (2)
حديقة التجارب في الجزائر العاصمة
Jardin d'essai

كنتُ ملتجئاً في " حُسَين داي "  ، بالمنزلِ الجامعيّ ...
لقد كان ذلك في 1964
أهي خمسون عاماً ؟
أهي خمسون عاماً  من الهولِ والوَيلِ والمَرْكَباتِ الثقيلةِ ؟
تأتي " حسين داي " سامقةً مثلَ أُمٍّ
وتأتي وقد سبِقَتْها الحديقةُ
تلك التي عرفَتْني
وتلك التي منحَتْني مصاطبَها ، أتمَدَّدُ أيّان أرهَقَني السيرُ ...
كنتُ الطريدَ الذي يتساءلُ عن شجرٍ لا يُسَمّى
وكنتُ الشريدَ ...
الجزائرُ قد أطعمَتْني من الجوعِ 
قد آمَنَتْني من الخوفِ ...
تلك الحديقةُ كانت بلاديَ
أيّامَ ضاقتْ بحالي البلاد !

       (3)

الحديقة ج ...

في الحديقةِ ج
زغَبٌ ذهبٌ
في الحديقةِج
عينُ ماءٍ بها فضّةٌ قد تسيل
في الحديقةِ ج
نعمةُ الرشفةِ السلسبيل
للحديقةِ ج
حارسانِ رُخامٌ
ودلْتا
وليلٌ طويل !
في الحديقةِ ج
يستوي الكونُ مُرتبَعاً للنعيم ...


(4)
حديقةُ روبِنْز    Rubens's Garden

ستكون السماءُ سماويّةً ، ثمّ بيضاءَ
خارجَ سقفِ الكنيسةِ
أو سُوْرِها ...
لم  يَكُنْ ليَ من مستحيلٍ ، ولا مُغْلَقٍ ، في محاولةِ اللونِ ؛
لكنني ضِقْتُ بالمَشْهَدِ :
النسوةِ المتْرَفاتِ
وأثدائهِنّ ...
الثيابِ العريضةِ ، والخدَمِ 
العرَباتِ  
القساوسةِ ...
الآنَ ، لي أن أغادرَ ما كانَ يُسْمى " الحديقةَ " ...
لي أن أُخَطِّطَ :
سوف تكون الحديقةُ بيضاءَ ...
ساحةَ رقصٍ
وأغنيةً للقُرى  ...
كي أرى القرويّينَ ، آلهةً يرقصون ! 

           (5)
حديقة السّبكي

في دمشقَ التي تتناءى
وتخفتُ ،
تَثْبُتُ
هذي الحديقةُ ، شاخصةً ، بين أشجارِها الهرِماتِ
تُحاصرُها العجلاتُ السريعةُ ،
والأغنياءُ يرَونَ عمائرَهم في خرائطَ سِرِّيّةٍ للحديقةِ
محفوظةٍ في المَصارفِ  ...
لكنّ تلك الحديقةَ صامدةٌ ، لاتُعِيرُ اهتماما
إن طوطمَها ماثلٌ
إن طوطمَها  لا ينامُ إلى مطْلعِ الفجرِ إلاّ لُماما ...
إن طوطمَ تلكَ الحديقةِ
" نادي الجنودِ القدامى " 
حيثُ يُتْرَعُ ، ريّانَ ، كأسُ الندامى !


لندن 29.01.2015

سعدي يوسف

 شاعر عراقي وكاتب ومُترجم، وُلد في ابي الخصيب، بالبصرة عام 1934. اكمل دراسته الثانوية في البصرة. ليسانس شرف في آداب العربية. عمل في التدريس والصحافة الثقافية . غادر العراق في السبعينيات وحاليا يقيم في لندن ونال جوائز في الشعر: جائزة سلطان بن علي العويس، والتي سحبت منه لاحقا، والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية. في العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ. في العام 2008 حصل على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا . وعلى جائزة الأركانة المغربية لاحقاً

عمل كعضو هيئة تحرير "الثقافة الجديدة".

عضو الهيئة الاستشارية لمجلة نادي القلم الدولي PEN International Magazine

عضو هيئة تحرير مساهم في مجلة بانيبال للأدب العربي الحديث .

مقيم في المملكة المتحدة منذ 1999.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved