حققت القوى اليسارية المدعومة من الشعب في دولة تشيلي انجازًا هائلًا، يفوق النصر الانتخابي للشاب غابريال بوريك، مرشح أقصى اليسار، المناصر للقضية الفلسطينية، والمعادي للسياسات العدوانية والاحتلالية والاستيطانية الإسرائيلية، وذلك بإنجاز خطوة سياسية ذات أبعاد ومعانِ وطنية وطبقية وأخلاقية وتاريخية كبيرة، تتمثل بتشكيل حكومة اليسار الجديدة، التي تضم 14 امرأة و10 رجال وثلاثة وزراء شيوعيين وزيرين اشتراكيين ووزراء من الحركة البيئية ونشطاء في حركة الاحتجاج وحركات سياسية وشخصيات مستقلة أخرى، لتمثل بذلك كل شرائح ومكونات المجتمع التشيلي، وتجسد مصالح وتطلعات وأماني وأحلام الشعب في هذه المرحلة السياسية الجديدة .
وهذه المأثرة التشيلية العظيمة هي بمثابة رسالة إنسانية حقيقية، رسالة أمل وتفاؤل لكل الجماهير المظلومة والشعوب المقهورة والمستلبة والمصادرة حقوقها وخيراتها وإرادتها، بأن الظلم والقهر ليس قدرًا، وإنه بفضل الوحدة والإرادة والعزيمة والكفاح الشعبي والنضال الثوري يمكن تغيير صورة الراهن المظلمة الحالكة، وقلب صفحات من التاريخ القهري الصعب والقاسي والأليم .
وبذلك تنضم تشيلي رسميًا على محور دول أمريكا اللاتينية الديمقراطية لمناهضة للهيمنة الامريكية المصممة على السير ببرنامج استقلالي وطني، بعد أن شكلت كوبا على مدار الخمسين عامًا منارة للقرار المستقل رغم الحصار الظالم والتهديد والوعيد .
ومع انتصار الائتلاف اليساري والحركات التحررية التقدمية في تشيلي وانتقال العدوى من بلد لآخر في أمريكا اللاتينية، وبعد إخفاق الولايات المتحدة الذريع بتغيير الحكم في فنزويلا وهزيمة رجلها غويدو أمام إصرار الشعب الفنزويلي الحفاظ على استقلالية قراره والمضي في نهجه الوطني، يبدو أن الولايات المتحدة قد نقلت مركز اهتمامها إلى روسيا والصين لزعزعة اقتصادهما، وتحاول تعطيل توجهاتهما الإقليمية والدولية، وبذلك تضمن البقاء على هيمنتها على مقدرات الدول ونهب ثروات شعوبها .