برزت خلال ماسمّي بثورات الربيع العربي أسماء نسوية كثيرة لعبت دوراً مهماً في قيادة هذه الثورات وأصبحت رموزاً لها وقد تجلى ذلك ليس فقط من خلال المدونات الشخصية ووسائل التواصل الإجتماعي كالفيسبوك وتويتر وغيرها، بل من خلال تواجدهن الفعلي في متاريس وساحات الثورة والإعتصام، ولعل من أبرز هذه الأسماء، لينا بن مهنّي من تونس وتوكل كرمان من اليمن ومنى الطحاوي من مصر.
اليوم، وبعد أن نجحت هذه الثورات وتبدد دخانها وبدأت بالتحول نحو إنجاز المهمات الديمقراطية، تلاشت هذه الأسماء وإختفت من الميدان السياسي تماماً ولم يعد لهن ولا لغيرهن من النساء ذلك الدور الذي لعبنهن أثناء الثورة . في مصر مثلاً، لم يكن دور المرأة مجرد المشاركة في فعاليات الثورة اليومية، بل تعداه أيضاً الى التهيئة والتحضير للثورة والبدأ بها . تقول الناشطة المصرية أمل عبد الهادي مؤسِسة منظمة ( إتحاد المرأة الجديدة ) " لقد إستبعدوا المرأة المصرية وبشكل كبير من العملية السياسية الجديدة، ولن يكتفوا بذلك بل تعداه الى محاولات البعض للإنقضاض على تلك الإنجازات التي كانت قد حققتها المرأة سابقا والتي هي ثمرة نضالهن السياسي والإجتماعي الطويل وعلى مدى عقود من الزمن".
لقد كان من أبرز سمات هذه الثورات هو المشاركة الفاعلة للشابات حيث إن عقوداً طويلة من التركيز على الطموحات التعليمية في المنطقة قد أدى الى إيجاد قطاع كبير من الشاباب اللواتي يملكن تحصيلاً دراسياً جيداً أخذن يطالبن وبشكل كبير بحقوقهن التي تناساها المجتمع منذ مدة طويلة . وفي ذات الوقت فإن بقاء الكثير من التقاليد والقوانين الفعالة في المجتمع قد ساهم وبشكل كبير في عرقلة مساهمتهن في النشاطات المجتمعية والسياسية كافة .
يقبع العالم العربي في نهاية القائمة التي أعدها الإتحاد الأوربي بخصوص مساهمة المرأة في الحياة العامة لبلدانها . وبحسب السيدة عبدالهادي فأن القوى التي تقف بالضد من مساهمة المرأة في الحياة العامة تحاول الربط بين زيادة الحقوق التي حصلت عليها المرأة وبين النظام السابق في محاولة منها لإرجاع عقارب الساعة الى الوراء، وهو مايتعلق بنظام الحصص بين الجنسين والكوتا النسائية والذي كان معمولاً به سابقاً في البرلمان المصري، إضافة لإتهامات ومزاعم البعض من أن حراك المرأة الديمقراطي ماهو إلا إبتكاراً وصناعة أوجدها الغرب وهي مزاعم دأبت ترّوج لها بعض من وسائل الأعلام المحلية .
بعد الربيع .. يأتي الخريف
توجه المصريون الى الدورة الثالثة من الإنتخابات البرلمانية، ويمكن القول بأن الخاسر الكبير في هذه الإنتخابات كن النساء حيث بلغت نسبتهن الواحد بالمائة، وعلى العكس فقد حقق تنظيم الأخوان المسلمين وذراعه السياسي حزب الحرية والعدالة إنتصاراً ساحقاً، أما السلفيين الذين يدعون الى تطبيق الإسلام كما كان في زمن النبي محّمد فقد أداروا معركتهم الإنتخابية بشكل جيد وحصلوا على ما يقارب من العشرين بالمائة من مقاعد البرلمان، وقد أضفت هذه النتائج على المجلس الصبغة الإسلاموية الواضحة والتي كان بعضها متزمتاً بعض الشيء . تقول النائبة عن حزب الحرية والعدالة السيدة عزة الجرف بأنها ستعمل سوية مع بقية الأعضاء في المجلس على تغيير القوانين التي عملت على تخريب العائلة المصرية وخصوصاً تلك القوانين المتعلقة بقضايا الزواج والطلاق والتعليم والتي أصبح من المهم جداً إعادة كتابتها لتكون مستمدة من الشريعة الإسلامية . إلا أنه ورغم الصورة القاتمة بعض الشيء لواقع المرأة وحقوقها وإختلاف القوى التي تعمل في هذا المجال، إلا أن السيدة أمل عبد الهادي ترفض النظر الى المعركة من أجل حقوق المرأة وكأنها معركة خاسرة، وتؤكد على أنها "مقتنعة تماماً في أن ما تقوم به مع النساء الأخريات ماهو إلا جزء من عملنا التعليمي والتثقيفي إتجاه شعبنا الذي سيتعّلم وسيتعّرف اكثر على حقوقه. لا شك في أن عملنا هذا سيكلفنا بعض الشيء لكن ماندفعه هو ثمن الديمقراطية وأنا على يقين من أن الإنتخابات القادمة سوف لن يحصد الإسلاميين بمختلف واجهاتهم السياسية ما حصدوه سابقاً " .
يمكن القول بأن الإنتفاضة التونسية لها إستثناءاً واضحاً في المنطقة فيما يخص المشاركة السياسية للمرأة على الرغم من الفوز الذي حققته القوى الإسلامية في الإنتخابات حيث فاز حزب النهضة الذي يوصف عادة بالحزب الإسلامي المعتدل بعدد كبير من الأصوات . أما في ليبيا فأن الكثير من قادة الحكم الجديد وكان اولهم رئيس مجلس الحكم الإنتقالي قد صرّحوا مرارأ من أن الشريعة الإسلامية ، وليس العلمانية ستكون هي المصدر الرئيسي لتشريع القوانين الليبية الجديدة.
ليس الجميع متساوون أمام القانون
أما في الاردن فهناك محاولات جادة يقوم بها ملك الأردن ومؤسسات الدولة في سبيل إعادة صياغة النظام السياسي مما مكّنها ولحد الآن من تفادي الإنتفاضات الشعبية الكبيرة . لقد أتيحت لنا الفرصة للإلتقاء بالسيدة أسماء خضر الناشطة الأردنية المعروفة في مجال حقوق الإنسان والتي ترأس حالياً إحدى اللجان الحكومية الخاصة بالمرأة إضافة لإختيارها مؤخراً ضمن اللجنة التي شكلتها الأمم المتحدة للتحقيق في الأعتداءات التي تعرضت لها النساء في ليبيا . تقول السيدة خضر" لقد كنت ضمن المجموعة المكلفة بتقديم مقترحات لتعديل قوانين الدولة . لقد تم قبول كل المقترحات التي قدمتها عدا مقترح واحد كنت قد أصريت عليه وهو مساواة الرجل والمرأة أمام القانون حيث تم رفضه وبشدة. لقد كنت مستعدة لقبول رفضهم لكل المقترحات الأخرى مقابل القبول لمقترح المساواة امام القانون لكن هذا لم يحصل " . لقد أصبح من البديهيات القول من أنه لا يمكن تحقيق الديمقراطية دون مساواة حقوق المرأة مع حقوق الرجل، وعليه فأنه يجب على كل المهتمين بتطوير الدولة ونظامها السياسي من أن يؤمنوا بالدور الكبير الذي يجب أن تلعبه المرأة في الحياة السياسية. لكن المشهد اليوم في هذه البلدان يبدو سيئاً بعض الشيء، وبإمكاننا الحديث عن نكسة حقيقية في هذا المجال.
وعلى مقربة من مكتب السيدة خضر إلتقينا بالسيدة رحيل غرايبة احد قادة جماعة الإخوان المسلمين في الأردن . يقول السيد غرايبة " نحن نرى بأن من المهم أن تتقلّد المرأة المناصب العليا في الحياة العامة والحياة السياسية وإن ذلك من حقهن تماماّ . إن للنساء خصوصية نموذجية ومثالية من الكفاءة والمقدرة تجعلهن أكثر تأثيراً في المجتمع . وفي نفس الوقت فأن الأردن بلد إسلامي وإن شعبه لا يريد أن يكون دستور البلاد بالضد من الدين" .
أما في اليمن فقد اعلنت السيدة توكل كرمان الحاصلة على جائزة نوبل والعضو في حزب التجمع اليمني للإصلاح ( إسلامي ) من إنها سترشح نفسها للإنتخابات الرئاسية في اليمن عند لقائنا قالت كرمان من أنه " لايوجد أي تناقض من أن يكون المرء متدنياً وأن يكون سياسياً في الوقت ذاته. غالباً ـ تضيف كرمان ـ مايكون الخطأ لدى النساء أنفسهن ولو كُن أكثر ثقة بقوتهن لاستطعن إقناع المحيط الذي يعشن فيه من أنهن يجب أن يشاركن في الحياة السياسية". لقد كانت تتكلم بثقة ودون خوف وهي تجلس جنب زوجها الذي ينظر إليها بإعجاب وهوالذي كان يمشي أمامها خلال التظاهرات العارمة في صنعاء لحمايتها. تشير السيدة كرمان الى " أن جميع الثورات لها نفس العناصر ، ففي البداية لابد من إزاحة الديكتاتور وبعد ذلك لابد من تصفية الأجهزة الأمنية والعسكرية ، ثم إنشاء مؤسسات جديدة. إن المرحلة الأخيرة للثورة ـ تضيف كرمان ـ هو كتابة دستور شرعي وترسيخ ديمقراطية الدولة وهذا يأخذ وقتاً ليس بالقصير في اليمن ".
وبالعودة الى مصر ، تقول الناشطة امل عبد الهادي بأنه ( لايمكن الإنتظار لحين ترسيخ النظام الديمقراطي لكي تطالب المرأة بحقوقها ) . إن عدم حصول المرأة على حقوقها يعني قبل كل شيء عدم وجود ديمقراطية إضافة الى ان عدم مشاركة النساء في العملية السياسية يعني وبكل بساطة ولادة دستور ناقص لا يلبي إطلاقاً حاجات المرأة وحقوقها المشروعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ عن مجلة ( دراسات دولية) السويدية.
ـ ناتالي بيسير ، مستشارة معهد السياسات الخارجية السويدي