حلم أخضر بطوق ياسمين احمر

2009-03-12

كفاح الطائي شابٌ عشرينيٌ كان يُفتشُ عن فضاءٍ حرٍ ليطلقُ العنانَ لأحلامهِ الخضر، وحين قرر أن يصرخ بإحلامه وسطَ جدران مغلقة، تَسربتْ صرختهِ الى مسامع المخبرين السريين والعلنين المتوقديّن لأصطياد النفوس الخضرة الحالمة. فأغارت عليهِ عساكر الأمن منتصف الثمانيات من القرن الماضي وضبطت تحت سرير//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/c0e1be48-8a7a-48d1-bebb-aeeeb84cfce4.jpeg هُ ادلة الموت اشرطة لصرخات وتراتيل "مظفر النواب" الشعرية، فلُفَ حول عنقه حبل المشنقة وظل طوق عنقه الياسميني الاحمر ذكرى اطلال يلف صدر أمه كلما حّنت إليهِ قبل ان تلتحق بجانب اكبادها.


أنتقلَ حلمُ "كفاح" الى شقيقه "سلام" الذي كانت صرختهُ اكثر دوياً وتمرداً على الواقعِ ، لكنهُ سرعان ما التحق مع شقيقهِ في 1990 برصاصات موت دفع والده -عمنا " حيدر الطائي"- مقابلها (30) دينار ثمن لتمزيق جسد "سلام " الطري الذي لم يمضي على زواجه سوى سنة ونيف ، فطلب في وصيته الاخيرة من زوجته الحامل ببنت ان تسميها " نور" ، لانه كان يدرك في ظلمة الزنزانة أنهُ سيُساق الى الموتِ ولم يرى النور من جديد.

ثم اغتالت رصاصات الغدر "البعثسلفي" بعد سقوط دكتاتورية البعث شقيقهم الاخر بشير لترسم لوحة تضحية درامية حددت خطوط وابعاد حجم التضحيات التي قدمتها أسر الحزب الشيوعي على مدى عقود الظلم والاضطهاد العجاف التي هيمنت فيها الجمهوريات القومية الاربعة وزمرها الارهابية المجرمة على مقدرات شخوصنا الوطنية.

وسبقت ارواح هؤلاء الشبان شاب في ريعان العمر حين كان طالباً في ثانوية المنصور ببغداد وهو الشهيد منتصر عبد علوان الطائي الذي اغتالته يد الغدر والجبن والاجرام البعثية عام 1975 من خلال تدبير عملية دهس مفربكة كونه من النشطاء في اتحاد الطلبة بثانوية المنصور في بغداد.


وأنا أتابع من على شاشة قناة الفيحاء الاحتفالية التي أقيمت بمناسبة يوم الشهيد الشيوعي في بغداد أستحضرت ذاكرتي صور ابناء عمومتي الشهداء " منتصر وكفاح وسلام وبشير" وعمي المرحوم "عبد علوان الطائي" الذي توفي مؤخراً في السويد، ، والكثير من الأسماء والعناوين والاماكن والاحلام والاشعار والتراتيل والحوارات التي كانَ يجمعها الأملْ في بناءِ وطنٌ حر وشعبٌ سعيد.


لكن لم يبقَ من هذه الشخوص والاماكن إلا أطلالَ بعض الذكريات يحملها ذويهم والمحبين لهم ، حيث تقف امامها الكلمات عاجزة في رسم صورها وتوثيقها حتى عبر بعض الجمل البكائية التي اصبحت تزدحم وتصرخ عبر ذات النافذة التي كان يحلم بها الابرار ، أن يرى العالم جميعاً جراحاتهم الصامتة التي عانت الألم بين جدران من ملح على مدى عقود طويلة.


من المؤسف لم نرَ اي عمل فني كالافلام الوثائقية التي تجسد حالات واستذكارات وشهادات السفر النضالي الطويل لكوادر الحزب والاعمال الوحشية التي تعرضوا لها ، ولن يذكر اي من المتحدثين الجهود التي بذلها عمنا المرحوم " عبد علوان الطائي " في مشروع أرشفة وحفط وتوثيق اسماء شهداء الحزب الشيوعي رغم كبر سنه ومعاناته مع المرض فأخذ على عاتقه لملمة كل معلومة تخص السفر الطويل لشهداء الحزب ، لكن المنية لم تجعلهُ يكمل هذا المشروع الوثائقي، فوضعَ أسمهُ في ذيلِ قوافل البقية المنسية من مناضلي الحزب والعراق.


ان ذاكرة كوادر الحزب تحتفظ في الكثير من القصص والمواقف التي يمكن ان يخرج منها عدد كبير من الافلام الوثائقية التي توثق ليس للعراقيين وحدهم بل لشعوب العالم الصور الحية لجزء مهم من تضحيات احرار العراق ونضالهم ضد الدكتاتورية وتعرضهم لابشع الممارسات الارهابية منذ 1963 الى 2003 ، ويقيناً الاعمال ستكون رسائل مرئية لما تعرض له الشيوعيون وبقية المعارضين للحكم الصدامي الفاشستي.

ان الافلام الوئائقية عن قصف حلبجة على الرغم من بساطتها واعتمادها على الشهادات وبعص الصور لكن لفتت انتباه العالم حول هذه الجريمة ، ويقيناً ان انتاج افلام عن تاريخ الحزب الشيوعي لايكلف ميزانية كبيرة، وبمقدور الحزب تبني انتاج اكثر من فيلم لقلة الكلفة ولوجود الكثير من المتطوعين ووفرة القصص التي يندّى لها جبين الانسانية.


احمد نعيم الطائي

مدير الشبكة العالمية للاعلام - اميركا

ahmed@imnw.tk

 

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved