أحلام مستغانمي... وإعلان حرب النساء على الرجال

2011-06-11

//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/5cc9ce9e-62b6-4a7b-9528-3d558270a4ed.jpeg صدر في الآونة الأخيرة كتاب"نسيان com" للكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي بعد ثلاثيتها "ذاكرة الجسد" و"فوضى الحواس" و عابر سرير"، وهو كتاب موجه إلى مخاطب خارجي هو جنس الإناث، ويراهن منذ البداية على الاشتغال على النسيان. ويبدو أن الكاتبة الجزائرية قد غادرت محطة الذاكرة إلى الاشتغال على المحو في العلاقات العاطفية، لذا جاء هذا الكتاب مغايرا لنمط كتاباتها السابقة .

يحظر بيعه للرجال:

كتاب "نسيان كوم" كما أرادت الكاتبة، يتصدره ختم أحمر، مكتوب عليه "يحظر بيعه للرجال"، ويبدو أن هذا الختم هو إغراء إضافي ومحاولة لإثارة شهية الرجال كي يرتادوا فضاءات الكتاب ويعبروا سراديبه، ليعرفوا ماذا تقول الكاتبة، ولذا نجد الكاتبة توجه لهم خطابا خاصا،" أيها الرجال الرجال سنصلي طويلا كي يملأ بفصيلتكم مجددا هذا العالم، وأن يساعدنا على نسيان الآخرين."(ص 11 )، فكيف يحظر بيعه للرجال والكاتبة تعود لتحدثهم بضمير المخاطب؟ ألا يكون هذا الختم محض ترويج للكتاب ليس إلا؟

الكاتب مرشد عاطفي:

تصنف المؤلفة كتابها بوصفه يشبه كتاب "رسائل إلى شاعر شاب"للشاعر ريلكه، إضافة إلى العديد من الكتب التي توجه على شكل رسائل، وخاصة ما تركه محمود درويش كقصيدة موجهة إلى شاعر شاب، وتفتح أبواب تأليفها لهذا الكتاب من هذا المنظور. في حين لا يمكن الخلط بين ما يكتب من رسائل توجه عملية الكتابة ورسائل توجه نمط الحب أو الحياة، لذا يمكن أن نصنف كتابها ضمن الكتب\ الرسائل التي بدأت تخترق حيوات الآخرين بالنصائح والسلوكات وأنماط التفكير والتوجيه، وفي هذا الباب ندرج"رسائل إلى مغربي شاب" التي كتبها مؤخرا مجموعة من الكتاب والصحفيين والرسامين والسينمائيين.

تتوخى الكاتبة أحلام مستغانمي توجيه جنس النساء في حيواتهم العاطفية، بحيث تعلن منذ البداية أنها كتبت دليلا للحب، وهو نوع من التوجيه والتعليم ضمن أسلاك الحب التي تربط رجلا بامرأة، ويمكن أن نعتبر كتابها نوعا من الكتاب\ الأطروحة، إذ أنه يقترب من نفس التناول الذي طرحته الناقدة" سوزان روبان سليمان" في كتابها"الرواية الأطروحة"، والذي يفترض نوعا من الحكمة والموعظة، لذا يندرج كتاب "نسيان كوم" ضمن نفس المعنى، أي أنه يلعب دور التوجيه، ويمثل نوعا من الدليل للنساء في حياتهم العاطفية تجاه الرجال، ومن ثم تعقد الكاتبة المهمة على المتلقي، إذ كيف يمكن أن تلعب دور المرشد العاطفي في شأن يصعب حصره في قواعد أو منطق؟ كيف ستكتب هذا الدليل الذي يصبح نوعا من الرموز التي تتناقلها النساء؟ وكيف تحولت الكاتبة إلى موجه يصدر الفتوى في أمور العواطف؟

موقع النسيان، حزب النسيان:

تبلغنا الكاتبة منذ البداية أنها أسست حزبا للنسيان، وهو موقع يمكن أن تنضم إليه كل النساء اللواتي يشعرن بخيباتهن العاطفية، ويحمل الموقع اسم:

www.nessyane.com

وفيه نجد نصائح للنساء ومقولات عن النسيان، كما أنها تترك مساحة للرجال ليعبروا عن أقوالهم، ومن هنا نجد أن الكاتبة تترك على الدوام مساحة للرجال ليتسللوا إلى موطنها الخاص، ويعلنوا رغباتهم. كما أرفقت الكاتبة بالكتاب قرصا مدمجا تغني فيه المطربة اللبنانية جاهدة وهبة قصائد للنسيان من تأليف الكاتبة أحلام مستغانمي، وهو يدخل ضمن القواعد التي تبلغها الكاتبة للنساء كي ينسوا علاقاتهم العاطفية المؤلمة.

 

يخلق هذا الكتاب نوعا جديدا من الخطابات غير المسبوقة، فهو كتاب يكتمل بموقع تكميلي إضافي من حق النساء أن يكتبن فيه قصصهن الخاصة، كما أنه مرفق بأغان مسموعة للنسيان، وكل هذه الأشياء تؤثث نمطا خاصا من التلقي، بحيث تدخل لعبة النسيان في المكتوب والأغاني والموقع، وبذا تغير الكاتبة أنواع التلقي وتتسلح بالعديد من الأسلحة للنسيان، ولكن أي تلق تبحث عنه الكاتبة؟

النسيان مذهبنا الوحيد:

إن المتلقي في هذا الكتاب هو امرأة، فهو كتاب موجه إلى المرأة بشكل عام، كي تغير من أنماط طبيعتها العاطفية وكي تتحرر من الألم والانتظار والخوف والانتحار البطيء في علاقتها بالرجل، ولذا فإن الكاتبة تخاطب هذه المرأة خطابا عموديا غير قابل للحوار، فهي توجهها، حتى أن المتلقية التي تقع خارج الكتاب تبدو وكأنها عاجزة تماما عن حل أبسط الأشياء في حياتها العاطفية. وتستقي الكاتبة قصصها من كل المحيطين بها، بدءا بالشغالة المغربية التي أحبت رجلا سوريا وهامت به إلى حدود الموت، انتهاء بصديقاتها الكثيرات اللواتي يعانين إحباطات عاطفية معقدة ولا يستطعن النسيان. ويتنوع الكتاب بين القصص و الحكمة التي تستنبطها الكاتبة من هذه القصص وتذيلها على شكل نصيحة، بحيث أن الكتاب يستقي من السرد أدواته الخاصة ثم يعود إلى الحكمة والموعظة والإرشاد. تقول الكاتبة:"على النساء أن يشفين من خوفهن الأنثوي من المجهول. فليس الرجال أقل منا خوفا، ولا أكثر طمأنينة لما ينتظرهم. هم فقط أكثر خيانة وتنصلا من وعودهم. النسيان خطى يبلغ المرء في نهايتها مشارف حب جديد. لكن بعض النساء عندما يطول بهن الطريق يعتدنه، لذا يفشلن في الخروج من هذه الحالة لاستغراقهن في الاستمتاع بالتلذذ بألم النسيان، فيصبح الطريق لعذابه حينها ممتعا حد شغلهن عن أي حب جديد. ذلك أن في تكوين المرأة جانبا مازوشيا لا يوجد عند الرجل...السادي بتكوينه". (ص74 )

قاموس الحب:

تغير الكاتبة القاموس الذي تتداوله النساء مثل العشق الأبدي، فتحول كلمة الأبد إلى عابر، بحيث يبدو الحب طقسا عابرا لا مطلقا، ولذا تقول الكاتبة:" لا تحبي...اعشقي، لا تنفقي...اغدقي، لا تصغري...ترفعي، لا تعقلي...افقدي عقلك....لا تكوني واقعه...بل ظلي حلمه، لا تكوني سريره، كوني وسادته" (ص 86 ).

إن الكاتبة تغير القواميس التي تتداولها النساء بحيث يتحول النسيان إلى "ليفتينغ"جميل، يشد الوجه والعضلات، ولذا لا تنفك تبعد النساء اللواتي أصبحن يتداولن الهاتف والأنترنيت والميساجات وكل ما أحدثه الزمن الحديث من أدوات جديدة تعمل المرأة على استخدامها ضد نفسها، لذا فالمرأة المتروكة لا تنفك تستعمل الهاتف، لكن الكاتبة تنصحهن ب"السكتة الهاتفية" حتى لا يجربن مرة أخرى، وتسوق حكاية إحدى صديقاتها التي كوت يدها حتى لا تهاتف حبيبها السابق مرة أخرى.

عشق النساء، عشق الرجال:

تبدو نساء كتاب" نسيان كوم" نساء محملات بخيبات مرة، بحيث أنهن يتجلين كملائكة جار عليهن الزمن، ويمكن أن نؤيد الكاتبة في الكثير من الخيبات العاطفية التي تعيشها النساء، والكثير من الخيانات التي يرتكبها الرجال، لكننا نصاب بالصدمة حين تتحول النساء إلى ملائكة والرجال إلى شياطين، فالكاتبة تقول: " لاتنسي أنه في هذا العمر غالبا ما يعاني الرجل من مرض القلب، ومن ضغط الدم ومن مرض السكري والروماتيزم والكوليستريول، ومشاكل في النظر، ومن كآبة منتصف العمر...ومن أمراض رجالية وقانا الله شرها. لكنه بين جرعتي دواء، وبين الأقراص البيضاء وتلك (الزرقاء) يحتاج إلى الوقوع في الحب كل يوم. فهو يفضله على حب كبير، حبا بالتقسيط المريح، لاعتقاده أنه مع كل قصة حب يقع في شبابه" ( ص111 ).

نصائح لنسيان الرجال:

تقدم الكاتبة نصائح لنسيان الرجال، لذا تعنون فصول هذه النصائح بعناوين دالة، تقول: ابعدي عن البحر...وغني لو، تجنبي الأغاني العاطفية(إلا إذا كنت مازوشية)، لا تصدقي الأساطير فمؤلفوها رجال، لا تسقطي عنه ديون انتظارك، تسلحي بالشوكولا، إلى غير ذلك من النصائح.

يبدو عالم الرجال مختلفا عن عالم النساء العشقي، ولذا فالكاتبة تحذر النساء قبل الدخول في غمار العشق أن يعرفن النهاية المنتظرة، تقول:"سيختفي. توقعي ذلك منذ أول ظهور له في حياتك. الرجل نجم مذنب يختفي من سمائك دون أي إنذار من أي مرصد جوي. عليك آنذاك أن تتحولي إلى منجمة، أو تتعلمي الضرب بالرمل وخلط الحصى. فمهم جدا، حال دخولك في علاقة عاطفية، أن تكون لك دراية بالتنجيم. فالتفكير المنطقي لا يساعدك بتاتا على العثور على الأجوبة التي ستؤرقك لاحقا." (ص 169 ).

ولا يقف الأمر عند هذا الدليل العشقي الذي ينبغي على المرأة معرفته، ذلك أن الرجل يهرب متى سنحت له الفرصة، ولذا ترى الكاتبة أنه متملص دوما من التزاماته العاطفية، تقول الكاتبة:"اعلمي يرحمك الله، أن الرجل أرنب، أمام أول مواجهة يهرب. لأنه لا يملك تبريرا لأي تصرف ولا أي جواب على أسئلتك الكثيرة. في الهروب مخرج مشرف له." ( ص 173 ).

تنصح الكاتبة النساء بالنسيان، رغم أنها تعود في كل مرة إلى استثارة أهمية الذاكرة بالنسبة للفرد، ويبدو أن الكاتبة لا تستطيع أن تتخلص من آثار الذاكرة وما تحمله من رياح الحنين إلى الحبيب الذي يهجر أو يغدر، لذا تقول:"تهزمنا الذاكرة لأن لها عملاء يقيمون فينا، يديرون شؤونها لحساب حبيب، يتآمرون علينا لصالحه. كل حواسك تعمل عملاء عنده، البعض بمرتبة ضابط اتصال." (ص 205 ).

إن العشق يتحول إلى حرب، لذا ففي قاموس الكاتبة نجد هذا الاستحضار الذي يستخرج الأسلحة ومنطق الحروب، فتتحول الحياة العاطفية إلى موقع للنزاع الحربي والقتال الدائم بين الجنسين.

الوفاء امرأة، والنسيان رجل:

يطرح الكتاب العديد من القضايا التي تؤدي بنا إلى موضعة النساء في خانة الوفاء وموضعة الرجال في خانة الخيانة، وهو تقسيم يحمل صورة مطلقة جازمة، ولنا أن نتفق مع آلام العديد من النساء اللواتي تم ذكرهن في كتاب قصص نسيان، وما أثرنه من قضايا تتنوع بين الهجر والغياب والنسيان والخيانة والألم وكل القواميس التي يعيشها الرجال كنوع من الوراثة لبني جنسهم، لكن صورة المطلق تجعلنا نقف على سؤال آخر: هل كل الرجال خونة، وهل كل النساء وفيات؟ إلى أي حد نستطيع الجزم بمطلق هذا التصور؟

تجزم الكاتبة بصورة لا تقبل النقاش أن النساء وحدهن من يتعذبن، لذا فقد أعلنت منذ البدء حظر هذا الكتاب على الرجال، ولكننا نجدها تقوم بتصدير العديد من فصولها بأشعار قالها رجال في الحب والهجر. فماذا نصنع بكل هؤلاء الرجال الذين كتبوا في الحب والعشق والهجر، أين يمكن أن نصنف أجمل ما قيل في الشعر العربي عن الحب من طرف رجال؟ وأين نضع أشعار بن زيدون وجميل بثينة وأحمد رامي وابراهيم شوقي وعمر أبو ريشة ونزار قباني ومحمود درويش والمتنبي وطرفة بن العبد وأمل دنقل وبدر شاكر السياب... واللائحة طويلة؟ هل كل الشعراء كانوا يبدعون فقط؟ أم أنهم كانوا يحلمون بالعذاب؟

كتاب نسيان كوم وضجيج التلقي:

خلق كتاب "نسيان كوم" للكاتبة أحلام مستغانمي نوعا من الهوة بين الجنسين، ويمكن أن يؤثر تأثيرا سلبيا على العديد من النساء، اللواتي يعانين نفس معاناة بطلات كتابها، وأن يعمق التباعد بين الجنسين عوض أن يختصر المسافة، وإن كانت العديد من النساء قد اكتسبن مناعة خاصة في علاقاتهن العاطفية وأصبح لهن منظور آخر يعشنه بشكل طبيعي، فإن نساء الكتاب يبدين وكأنهن شخصيات سلبية، خنوعة، ينهزمن لأتفه الأشياء، فلا عجب أن نجد هذا الدليل العاطفي الذي كتبته الكاتبة موجها إليهن بنوع من القسوة، إلى حد نعتهن ب"الغبيات" و"الحمقاوات"، وإلى حد وصول الكاتبة إلى أن تثور ضد "كاميليا" إحدى صديقاتها التي ساعدتها الكاتبة على النسيان، فما كان منها إلا أن عادت إلى حبيبها، تقول الكاتبة بنوع من الحدة:" شهران وأنا أستميت دفاعا عن النسيان. من أجلها ومن أجل الحمقاوات أمثالها، اشتريت كل نسيان العالم واستحدثت موقعا. وأسست حزبا نصبت نفسي عليه أمينا عاما ونائبا..."(ص313).

يبدو من كلام الكاتبة أنها ترفض الهزيمة النسائية وتستميت من أجل النسيان.

خلق هذا الكتاب رأيين متعارضين لدى القراء، فالبعض يعتبره نوعا من الكلام\الرسالة وبأن وضع أحلام مستغانمي هو وضع النبي الذي يفتي ويقرر، ويأخذ دليلها مأخذ الإيمان المطلق، والبعض يعتبرها إحدى نزوات الكاتبة الأدبية التي غامرت بدخول غماره. وإن كان الكتاب قد أثار نوعا من الضجيج، فإنه قد نجح في فتح قوسين بشأن تعامل النساء مع حياتهن العاطفية ومحاولة تغييرها.

أسئلة تبحث عن أجوبة

يثير الكتاب دليلا للعاطفة، غير أنه دليل للنسيان يصنف العاطفة ضمن أحد أركان الهزيمة النسائية، وهو بذلك لا يعالج بقدر ما يباعد، ويقدم الأشياء في صورتها المطلقة، بينما وجب تنسيب العديد من الحقائق النسائية، فلا يمكن أن نحصي الأسرار التي تخبئها النساء، كما أننا لا يمكن أن نفضح أكاذيب مغامرات الرجال.

إن صورة المطلق تؤدي بالعديد من النساء إلى الاعتقاد بخيانة كل الرجال، ولذا فإن هذا الكتاب لا يمكن أن يقوم مقام الدليل العاطفي، بل هو دليل لمحاربة كل أنواع العشق، فما معنى أن ندخل العشق بكل قواميس الخوف والحذر والترقب، في زمن قلت فيه العاطفة بشكل كبير، وتضاءل عالم الحواس ليصعد عالم الزيف؟

وفي النهاية: هل يحمل الأدب على عاتقه تقديم حقائق أم أنه يبعث فيها نوعا من القلق؟ هل الأدب يصوغ المطلق أم النسبي؟ هل الأدب يعمل على تدمير الأشياء الجميلة أم أنه يعلي من شأنها؟ هل يمكن للأدب أن يسمو بالعلاقات الإنسانية حتى لا تتحول إلى ركام من العلاقات الشاذة والغريبة؟

أشياء كثيرة تظل مفتوحة لأسئلة قادمة... وكتاب "نسيان كوم" يظل منفتحا لنقاشات أخرى.

لطيفة لبصير

 كاتبة وباحثة من المغرب

              
  

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved