ظل حلمي وحلم حبيبتي، ان تكون لنا إطلالة صغيرة وأنيقة على دجلة في بغداد، نجعل منها فسحة للمشاعر الانسانية الراقية والنظيفة، صحبة النغم الرفيع، وتحديدا موسيقى الجاز، فهي التي باتت نغما يقارب روح المدينة المعاصرة، أي مدينة، مع التداخل النغمي، والاتصال بين موروثات انسانية كثيرة وصهرها في مشغل تعبيري جديد، يبدو ترجمة للعصر الذي نحيا لجهة سعة الاتصال بين شعوبه وثقافاته.
وبحسب تحولات بغدادنا التي تتراجع قيم مدنيتها امام المشاعر الوحشية المتعددة الاشكال والمضامين، راح حلمنا المشترك يبحث عن فرص أخرى، مكان آخر، نعوّض فيه خيبتنا، اذ نجد مكانا ما، نهرع اليه في عاصمة شرقية، وتحملنا فيه انغام الجاز على اجنحة الشوق الى مدينتنا المتعبة.
أمكنة في بيروت، تخصص اوقات محددة لعزف الجاز وسحر انغامه، التي تبدأ من لويس ارمسترونغ ولا تنتهي بالساحر زياد رحباني، "كانفاس" في العاصمة الاردنية ( الصور)، حيث كانت تتواصل امسيات الثلاثاء من كل اسبوع، ويعزف فيها شبان من المدينة، ما بدا لنا اتصالا مبهجا مع راقي المشاعر والانغام.
هل أستعيد هنا موسيقيين من بغداد، كانوا امناء لحلم نظيف باغناء روح مدينتهم عبر النغم الرفيع، وعبر موسيقى الجاز المتداخلة في ليالي "حالمة"، كانت تشهدها مدينتنا رغم احزانها ومتاعبها، منذ عقود الحروب والقمع، هل ننسى سمير، عازف البيانو والمخلص لروح موسيقى الجاز في امسيات "مطعم الغريب" بكرادة بغداد؟ وهل ننسى الاشواق الضائعة للأرمني آفو الذي ظل مسكونا بروح الجاز المعاصر، عازفا ما امكنه من عيون الفن الموسيقي الرفيع قبل ان يقرر الرحيل عن بغداد، مودّعا مدينته، بالكثير من الحسرات والاوجاع؟
انه مجر حلم شخصي بمكان نظيف تصدح فيه الانغام الرفيعة، ويطلّ على دجلة اشارة حياة ومسرة. حلم لا تبدو مدينتنا في وارد احتماله، فنعوّضه بأشواق ضائعة؟