مدينة Yiwu لا أعرف كيف أنطقُها: يِـيْ وُو أمْ وِي يُــو ..
هذه المدينة ليست بعيدةً عن شنغهاي.
أنت تبْلغُها بالقطار (نحو خمس ساعات) .
لماذا نذهب إليها؟
أوّلاً لأنها بلدة صديقي إدوارد الأصلية ، ولأنّ فيها، حتى الآن، مكتبه التجاريّ الأصل.
أمّا السبب الآخر، وقد يكون الأهمّ ، فلأنها مدينةٌ يباعُ فيها القات!
ليستْ مزْحةً ما أقول..
هذه البلدة، وهي من مُدُن الأنهارِ، الكثيرة في الصين، هي قِبْلةُ التجّارِ العرب، متوسطين وصغاراً، ويأتيها أفارقةٌ مسلمون أيضاً.
كانت البلدةُ من أفقرِ بلْداتِ المنطقة، لكن واضعي خطط التنمية دفعوا يي وو إلى الواجهة بأن جعلوها بلدة.
معارضَ تجاريةٍ دائمة (حين كنّا هناك ، كان وزير التجارة الأمريكي هناك أيضاً في افتتاح معرضٍ ما).
ليس في المدينة ســوى المكاتب التجارية.
هناك بُرجٌ قديمٌ عمرُه ألفُ عامٍ، وحديقةٌ عامّةٌ ناضرةٌ ، ونهرٌ يمرّ وسط البلدةِ، وســوقُ ليلٍ مفتوحٌ من تلك الأسواق التي نحبّها، نحن العرب، والتي تُذَكِّرُك بأسواق حلب ودمشق والقاهرة.
هناك أيضا، الشواءُ في الشارع، والقتارُ المتصاعد مع الشواء.
بل لقد رأيتُ، بالفعلِ، عربيّاً كسيحا، يزحف على الرصيف، زحفا، ويمدّ يده مستجدياً. هل اكتملت الصورةُ العربيةُ في المكان الآخر؟ تذكّرتُ نجيب محفوظ، أستاذَنا في قولة الحقّ، أ زِيطةُ صانعُ العاهاتِ دبّرَ إقامتَه في الصين أيضا؟ هل الكسيحُ العربيّ، إذاً ، في هذه البلدة الصينيةِ، كسيحٌ حقا؟
تمشي في المساء المبكر، وتقرأ اللافتاتِ بالعربية:
مطعم بغداد
كافتيريا الرافدَين
مطعم اليمن (وهو أكبر مطاعم العرب هناك) .
ثم، في زاويةٍ، في مكانٍ ضيّقٍ على الطريقة اليمانية:
هــنــا يُبــاعُ الــقــات
يا أُمَّ الله المقدّســة!
في أحد لقاءاتي الأولى مع محمود درويش، وكان لا يزال في القاهرة، أخذني إلى مطعمٍ يعرفه (غير بعيدٍ عن مسكنه في العادة ، سواءٌ كان في القاهـرة أم باريس أو عمّان) .
- محمود كان في المهندسين -
جلسنا.
قال محمود لصاحب المطعم: ألَديك أفاعٍ؟
نظر إليّ محمود كأنه ينتظر مني ردَّ فِعْلٍ، فزَعاً أو ما يماثله. غير أني كنتُ محايداً، لأني أعرف ما تعني العبارةُ Eels إنها تلك الأسماكُ التي تماثلُ الأفعى هيئةً. وقد كنتُ أصطادها في الصباح المبكر ، في خليج عدن.
أفاعي النيلِ شــهيرةٌ بطَعْمِها الشهيّ.
لماذا تلِحُّ عليّ الأفعى؟
بعد وصولنا إلى البلدةِ، بالقطار، كان في استقبالنا بالمحطة ابنُ أخٍ لإدوارد، نسِيتُ اسمَه، الآن، لكنه كان ذا شَعرٍ فوضويّ أعجبَني. قلت له ذلك.
أخذنا ابنُ الأخ إلى أشهر مطعمٍ في البلدة.
اخترنا مائدةً معيّنةً، ثم هبطْنا كي نختار مآكلَنا.
المطعم عجيبٌ. الطهاة فيه أكثر من النادلين. وعليك أن تختار: أسماك، ومَخاليقُ بَحرٍ.. إلخ.
وقريباً من الأسماك الحية والسراطين، كان قفصٌ مشبّكٌ ، فيه أفعى. أفعى حقيقيةٌ ترفعُ رأساً مرِحاً. لم تكن ضخمةً. ولا أظنها من الأفاعي التي تبدِّلُ جِلْدَها. أظنّها أفعى عُشبٍ. قالوا لي: هي على القائمة!
صعدنا إلى حيث مائدتُنا.
شــربتُ نبيذَ أرُزٍّ محليّاً، من تخمير المطعم نفسه. كان لذيذا.
طلبْنا أطعمةً. أنا طلبتُ وجبةً نباتيّةً.
والأفعى؟
الأفعى التي تنتظر ضربةَ الساطور؟
الآن أستعيدُ صورتَها:
كانت في قفصها، حرّةً. الأفعى لا تحتاج إلى فضاء . في بيتنا بأبي الخصيب كانت أفعى، نسمِّيها الجارةَ، وهي تحظى منّا بالمهابةِ ، وبالتزام ألاّ نسيء إليها، أو نحاول قتلَها. هي البَرَكةُ في البيت.
ربما كانت أفعى بيتِنا بأبي الخصيب، أفعى عُشْبٍ كهذه التي في المطعم الصينيّ!
هنا في بيتي بالضاحية اللندنـية.
في الليلِ الطويلِ
تأتيني تلك الأفعى ، أفعى المطعم الصينيّ
إنها ما زالت رافعةَ الرأسِ، مرِحةً، حُرّةً.
أدعو الآلهةَ كلَّها، آلهةَ الأزتيك والمايا والإغريق، آلهةَ أجدادي العربِ الوثنيين، أن يُجَنِّبوها ضربةَ الساطورِ الصينيّ التي لا تخيب!
لندن 14.12.2009