أجرت الاستاذة صفية اكطاي حوار ثقافيا مع الباحث بوعزة ساهل حول ثلاث نقط وهي :
الأولى حول إصدار كتابه الأخير نحو قطيعة ابستمولوجية مع الفكر الرشدي: دراسة تحليلية للمحتوى المعرفي والمضمون الإيديولوجي في الفلسفة العربية الإسلامية .
الثانية حول إصداره المرتقب : العقل العربي الجريح : قراءة معاصرة في تراثنا العربي العلمي .
الثالثة حول أعمال الأستاذ الباحث
ففي هذه الورقة ستتناول الأستاذة اكطاي النقطة الأولى وتبدا بالسؤال التالي:
لماذا هذا الكتاب ؟ ما عساه يضيف إلى المؤلفات العديدة المهتمة بالفكر الرشدي ؟
فحسب الأستاذ الباحث ان جل ما نتج عن الفكر الرشدي في أيامنا إما اجترار وإما توظيف تحتل فيه الإيديولوجيا مكان الحقيقة العلمية
فالكتاب الذي نتحدث عنه يراهن على قطيعة ابستمولوجية بمفهوم باشلار مع محتوى معرفي القرون الوسطى والإنتقال إلى محتوى معرفي حديث ومعاصر أي الإنتقال من نظام معرفي القرون الوسطى إلى نظام معرفي جديد يناسب مرحلتنا نحن أبناء القرن الواحد والعشرين بأدوات معرفية جديدة وبمنهج (اومناهج ) جديد، نحن نراهن على الإنتقال من ابستمي القرون الوسطى إلى ابستمي حداثي مؤسس على القيم . الابستمولوجية التي أفرزتها الثورات العلمية الحديثة والمعاصرة كثورة ريمان ولوباتشوفسكي في علم الهندسة، وكثورة ماكس بلانك في عالم الذرة ومع نسبية البرت اينشتين في العالمين الصغير والكبير وعلى الثورة في علم المنطق الجديد المؤسس على تعدد القيم بدل ثنائي القيم الأرسطي .
كما يطمح الكتاب الى قطيعة مع إشكالية ابن رشد رغم أنها تشبه اشكاليتنا نحن اليوم . فإشكالية ابن رشد هي إشكالية وليدة ظروف عصره وظروف المسلمي عصرئد، فهي إشكالية تحاول إصلاح وضعية خلل وقعت فيه الأمة نتيجة تمزقها، فكتب ابن رشد جداليته الثلاثية : فصل المقال والكشف عن مناهج الأدلة في عقائد الأمة وتهافت التهافت تدور جميعها على تقارب وتباين على سؤال جامع مشترك كيف السبيل إلى توحيد فهم المسلمين للنص الديني وتجنب التفرقة والشقاق .
فكان لابد لابن رشد من نقد علماء الكلام والفقهاء لتجنب التفرقة التي كان يطمح إليها .
أما اشكاليتنا نحن حاليا فليس مصدرها الفقهاء فقط، بل الزوايا والأحزاب السياسية كذلك،كل حزب يعتبر نفسه هو الممثل الحقيقي للمجتمع الذي ينتمي اليه وبخاصة الأحزاب الدينية كما هو الشأن في تونس ومصر والمغرب ولبنان .
لننظر إلى ما يجري حاليا في ليبيا والسودان والجزائر وتونس مصر وسوريا والعراق حول التصارع والتطاحن بين الأشقاء بأسباب عقائدية وأسباب إيديولوجية لأغراض نفعية ومصلحية .
وماذا عن القطيعة المزعومة ؟ سؤال طرحته الأستاذة المحاورة عن الأستاذ الباحث .
فالقطيعة التي نطمح إليها يقول بوعزة ساهل ليست إلى حد اللاعودة بل قطيعة تكون فيها إعادة السبك وترتيب الأوراق من جديد لتشكل بنية فكرية جديدة علمية الإبستيمي .
أما الأرضية التي ننطلق منها فهي تلك الروح الرشدية وليست الروح السينوية( نسبة الى ابن سينا)
التي يقول عنها الجابري إن عصرنا يقبلها ولأنها تلتقي مع روحه في أكثر من جانب في العقلانية والواقعية والنظرة الأكسيومية والتعامل النقدي، يقبلها عصرنا لأنها مجموعة من العناصر المتقدمة التي دافع عنها ابن رشد، فماذا يميز هذه الروح الرشدية ؟
أهم مميزاتها :
كيفية التعامل مع الغير
روح التسامح
العقلانية
توظيف الجانب الإبستمولوجي كما وارد في كتاب الكليات في الطب لابن رشد
المنهج البرهاني
النزعة الاكسيومية
فصل الدين عن الفلسفة ( يمكن العودة إلى تحديد هذه المفاهيم في الفصل الأخير من الكتاب المذكور )
تلك هي بعض العناصر التي تحملها الروح الرشدية التي لا يمكن تغييبها في تفكيرنا وفي سلوكنا لأنها مازالت لها راهنيتها، ولها طابع كوني وليس طابعا محليا أو إقليميا، يمكن الحفاظ عليها بل دمجها في القيم الأخرى التي أفرزتها الحضارات الأخرى بما فيها الحضارة الغربية الـمعاصرة.وبالتالي نربط الـماضي بالحاضر، ونقصد بها ربط العصارة الفكرية لابن رشد والقيم التي كان يدافع عنها كذلك رواد النهضة العربية سواء الجيل الأول مثل رفاعة الطنطاوي والأفغاني ومحمد عبده..: أو الجيل الثاني كطه حسين وأنطوان لحد أو الجيل الثالث مثل محمد عابد الجابري ومحمد وأركون وغيرهم لبلورة نظام معرفي جديد برؤية جديدة وبمنهج جديد وليس بمنهج الشافعي البياني وليس بمنهج العرفاني الـمبني على الـمماثلة بين بنيتين أو أكثر، تلك هي بعض القيم الفكرية الرشدية التي تختزل في مفهوم الروح الرشدية يمكن أن نتسلح بها حاضراً بجانب قيم معاصرة كالحرية وحقوق الإ نسان والديمقراطية وغيرها من الـمفاهيم التي أفرزتها الحضارة الأوربية الحديثة والـمعاصرة .
"فنحن حينما ندعو هنا إلى استيعاب الروح الرشدية لا يعني أكثر من جعلها حاضرة في فكرنا ونظرتنا وتطلعاتنا بمثل ما هي حاضرة في فكر الفرنسيين "الروح الديكارتية"، وتمثل ما هي حاضرة في فكر الإنجليز "الروح التجريبية" التي أسسها هيوم ولوك. والواقع إننا إذا تساءلنا ماذا بقي من الديكارتية في فرنسا أو من تجريبية لوك وهيوم في إنجلترا فإننا سنجد شيئا واحدا نعبر عنه بالروح الديكارتية بالنسبة لفرنسا والروح التجريبية بالنسبة لإنجلترا". وبالـمثل، فإن ما تبقى من فكر وعلـم وفقيه فيلسوف قرطبة هو ما نسميه الروح الرشدية .