احتفاليّةٌ أدبيّةٌ أقيمتْ في قاعةِ مار يوحنّا الأرثوذكسيّة في حيفا، بالتّنسيقِ ما بين نادي حيفا الثقافيّ، ومُنتدى الحوار الثقافيّ عسفيا، والمجلس المِلّيّ الأرثوذكسيّ الوطنيّ بحيفا، ومكتبةِ كلّ شيْء، احتفاءً باليوبيل الماسيِّ للأديب جورج جريس فرح، وتكريمًا لدَوْرِهِ الأدبيِّ العريض في الحَرَكةِ الثقافيّةِ الفلسطينيّة، وذلك بتاريخ 27-11-2014، وسط حُضورٍ كبيرٍ مِنْ شعراءَ وأدباءَ وأصدقاءَ وأقرباء. وقد افتتحَ الفنّانُ بشارة ديب الاحتفالَ بمعزوفةٍ يُرافقُها صوتُهُ العذب، وتولّى عرافةَ الأمسيةِ الأديبُ والإعلاميُّ نايف خوري، وتضمّن الاحتفاءُ مداخلاتِ كلٍّ مِن الأديب رشدي الماضي، ود. بطرس دلّة، وقد حاوَرَتْهُ آمال عوّاد رضوان حولَ قصائدِهِ المُغنّاةِ وأرْشَفَتِها وتكلفتِها، وكانت مُداخلةٌ غنائيّةٌ لإحدى قصائدِهِ بصوْتِ الفنّانة الإعلاميّة تغريد عبساوي، وأخرى بصوت الفنان بشارة ديب، وكلمةُ العائلةِ ألقتْها كريمتُهُ فاتن جورج فرح، وبرقيات من الأديبة سعاد قرمان، وبرقية مقروءة للبروفيسور فاروق مواسي. وقد قدّمَ درعَ التكريمِ لِلمحتفى بهِ جورج فرح كلٌّ مِن؛ جريس خوري وفؤاد نقّارة، ومِن ثمّ شكرَ الأديبُ جورج الحضورَ، وألقى قصيدتيْن، ليتمّ بعدَها التقاطُ الصّورِ التّذكاريّة.
جاء في كلمة الإعلاميّ نايف خوري: شاعرنا الّذي نحتفي كلُّنا معَه بمناسبةِ يوبيلِهِ الماسيّ، خمسة وسبعون سنة مرّتْ في حياةِ الشّاعرِ مليئةً بالعملِ الدّؤوب، بالعطاءِ المُستمرّ، وبالإبداع الّذي لا يَنضُبُ. شاعرُنا عملَ في عدّة مَجالاتٍ، منها المعيشيّةِ العاديّةِ، ومنها الإبداعيّةِ ككتابة الشّعر والتّرجمة، فهو مُترجمٌ بارعٌ، وبرنامَجُنا التّكريميُّ حافلٌ اللّيلةَ، مُفعمٌ بالمَحبّةِ، ومَليءٌ بالمودّة ومغمورٌ بالإلفة.
إنّ تكريمَ المُبدعينَ الأحياءَ ميزةٌ طيّبةٌ ورائعةٌ، لكي يَشهَدوا مَحبّةَ الجمهور لهم، وهذا ما يَجنيهِ المُبدعُ، أنْ يَلقى ثمارَ إبداعِهِ عن طريقِ هذا التّجاوُبِ والتّفهُّم والتّحبُّب لِما يَقول وما يُعطي. وهنا نُشيرُ إلى تكريم العُظماءِ الّذين تَكَرَّمَ عددٌ منهم في حياتِهم، ومنهم مَن تَكرّمَ بعدَ وفاتِهِ، وإذا كان آخِرُ الكبارِ المُتوفّين هما الشاعر سعيد عقل والصّبّوحة شحرورة الوادي، فقد أوصت الصبوحةُ بتكريمِها بعدَ وفاتِها بمَظاهرِ الفرَح والرّقصِ والغناءِ، وليسَ بالحزنِ والغَمّ والبكاء. ولذا دَعُونا نُصفّقُ تحيّةً لروحيْ هذيْنِ الكبيرَيْن، وسنستمعُ في أُمسيَتِنا إلى أغنيةٍ مِنَ الفنّانةِ تغريد عبساوي تكريمًا للأسطورة صباح، كما سنستمعُ إلى عددٍ مِنَ البرقيّاتِ الّتي أُرسِلَتْ أو جاء أصحابُها لِيُسلّموها مباشرةً إلى المحتفى به شاعرنا جورج فرح. وأولى هذه البرقيات من الشاعر البروفيسور فاروق مواسي، الّذي يبعثُ بتهانيهِ لشاعرِنا، ويقولُ إنّهُ يَستحقُّ التّكريمَ نظرًا لإبداعِهِ الرّاقي، ويُهنّئُهُ لِحصولِهِ على جائزةِ الإبداع في مَجالِ التّرجمةِ لهذا العام، فهو أهلٌ لها.
جاءَ في مُداخلةِ د. بطرس دلة/ زبدٌ فوقَ الرّمال- للشاعر جورج فرح:
الأمّةُ الّتي تَعرفُ كيفَ تُكرّمُ مُبدِعيها وقادَتَها هيَ أُمّةٌ جَديرةٌ بالحَياةِ! وأنتم أيُّها الأحبّةُ في نادي حيفا الثقافي، عندما تُكَرّمونَ صديقَنا وابْنَ حيْفا سابقًا الأستاذ الشاعر جورج فرح، إنّما تعمَلونَ على أنْ تكونوا جديرينَ بالحياةِ، فلَكُم منّا إلفُ شكرٍ وقبلةِ مَحبّةٍ صادقةٍ، على دوْرِكُم هذا في خدمةِ الكلمةِ الطيّبةِ والإبداعِ الأدبيّ.
أخي جورج، أيّها الشّابُّ البلديُّ الطّالعُ مِنْ رَحمِ الأرضِ إلى لهفةِ القلوبِ وإلى توَثُّبِ الغزلان، يا وعْدَ الفقراءِ ويا خَميرةَ العرائس، يا انبثاقَ الحياةِ على وجْهِ الأرضِ، أيّها العَلَمُ القمْحِيُّ النّاهضُ مِنْ سَواعدِ الرّجالِ، ومِنْ أرْومةِ آل فرَح الأماجد، كلُّ الأنهارِ الكبيرةِ تَجري في مَساراتِها إلى أن تُعانقَ البحرَ الكبيرَ، أمّا الجداولُ الصّغيرةُ فليسَ لها إلّا أنْ تَرضى بالجَفافِ في آخِرِ المِشوار، قبلَ أنْ تَصِلَ إلى البَحْرِ. وأنتَ أيُّها العزيزُ، وصَلتَ مَثلَ كُلِّ الجَداولِ الكبيرةِ. لقد تعلّمتَ في مَدارسِ الوَجع، أنّ أسوأ عِلاجٍ لجرحٍ نازفٍ، هو أنْ نُطأطئُ رُؤوسَنا إزاءَهُ، وتعلّمتَ كذلكَ أنّ قوّةَ إرادةِ الإنسان أقوى بكثيرٍ مِن قوّةِ ذراعِهِ، كذلكَ أنّ الحُرّيّةَ صناعةٌ لا يُتقِنُها إلّا مَن صَنَعَها بيَدَيْهِ! ولمّا كُنّا شعبًا مُتفائِلًا بطبيعتِهِ، يُحِبُّ الحياةَ والحُرّيّة، فلذلك لا بُدّ مِنْ أنْ نَصنعَ هذه الحُرّيّة، إنْ لم يَكُنِ اليوْمَ فغدًا القريبَ جدًّا لا محالة!
أنتَ أيُّها الصّديقُ، في دواوينِكَ الأربعة أثبَتَّ أنّكَ إنسانٌ مُرهفُ الحِسِّ حتّى الثّمالة، وكلماتُكَ في دواوينِكَ تأتي حُبْلى بالمَشاعرِ الجيّاشةِ تُجاهَ الحَبيب، فليَبْدأ اللّيلُ بكَ عتمةَ تَماهٍ ورضى، كي يَنتهي أُوارُهُ فيها، فكيف إذن قدّمْتَ للحبيبةِ ثلاثَ ورْداتٍ؛ إحداها بلوْنِ الحنين، وأنتَ بلوْنِ الشّوْقِ، وأنتما معَها بلوْنِ المَسرّة! لقد علّمَتْكَ ذاكرةُ الرّيحِ أنّ الجبالَ قد تسْقُطُ وتنهارُ ذاتَ يوْمٍ، فهل تستطيعُ إقناعَ ديكٍ فصيحٍ بعدَمِ الصّياحِ صَباحًا؟ أنتَ أيّها الصّديقُ ذلكَ الدّيك، فتابعَ صِياحُكَ كي تُصَحّيَ النّيامَ عن حُقوقِهِم وإلى توَثُّبِهِم الثّوْريّ!
أنتَ تَبدو في دَواوينِكَ قنديلُ حُبٍّ تُضيءُ للعُشاقِّ ليالي الشّتاءِ، ليَبقوا في أحلامِهِم المُتجدّدةِ تُويْجةَ ياسَمين، وفي الصّباحِ الحالِمِ نَكهةَ القهوةِ الصّباحيّةِ، وفي همَساتِ العُشّاقِ كلمةً حلوةً، وفي عِناقِ المُحِبّينَ همسةً ربيعيّةً دافئة. إنّ ما وثّقْتَهُ في ديوان "زبَدٌ فوْقَ الرّمال" وإبداعاتِكَ على الأوراقِ البيْضاءِ، هي مُحاولاتٌ مِنْ أجلِ أنْ تَرتسِمَ البَسماتُ على الشّفاهِ، فتصْحو
...