يتحدث أطفال المجمع السكني بيقظة عن طفل انتُزع من عهدة أبويه، أُخِذ إلى مسكن عام للأطفال لأن أباه كان يضربه، يأتلق في عيونهم فرح خفي، لن يستطيع أحد ضربنا بعد الآن. يقرأ الأطفال القرآن في نسخة تركية، ويهمس لي علي أن أمه قالت إنني سأدخل الجنة رغم أني لا أضع ربطة للرأس. أكتشف في هؤلاء الأطفال فضائل التربية العربية، وأشفق عليهم لأنهم موزعون بين اللغات، بين البلدان وبين الثقافات. لن يحصلوا أبدا على ما يستحقونه، لن يتفوقوا في اللغة أو الكيمياء، لن يدخل إلا عدد قليل منهم الجامعات، ربما تعلموا حرفة لم يتعلمها آباؤهم، لكنهم سيرثون العوز ويقومون بدور العاملات في مملكة النحل القادمة.
أوروبا تشيخ، لكنها لا تريد أن تتجدد بعيون سود وبشرة سمراء. المرأة العجوز ذات الوجه المضيء لم تعد تأتي في عطلة أعياد الميلاد منذ سنتين، ربما لأنها أصبحت أكثر شيخوخة، أو ربما تكون قد ماتت. صادفتها ثلاث مرات في ثلاث سنوات متتالية، مرة تبحث عن كلبها، تسألني إن كنت قد رأيته.
لماذا لا تنادينه؟
إنه أصم، كلب عجوز.
رأيتها في السنة التالية عند منتصف الليل، بعد الحريق، تنتظر المصعد مع آخرين غادروا مساكنهم وهم يعودون بعد رفع الإنذار، بعد أن تبدد الدخان وأغرق الرصيفَ ماءُ الإطفاء.
في السنة الثالثة رأيتها تستند إلى عكازة، نفس الوجه المضيء، ربطة الرأس الزرقاء المنقطة، لا تنتمي إلى زمن، أنيقة متفردة في ملابسها العادية، وجهها الشائخ المضيء يذكرني بوجه أمي.
عدد السكان يتناقص، وأوربا تشيخ، لكنها لا تريد أن تجدد نفسها بعيون سود وبشرة سمراء.