أشعر بالخيبة لأن الثقافة لم تستطع أن تؤثر في المجتمع

2014-03-21
حوار مع الكاتبة سالمة صالح اجرته عبير حميد مناجد
 
 
 
أشعر بالخيبة لأن الثقافة لم تستطع أن تؤثر في المجتمع.
 
استلمت صفحة المرأة بعد تردد لأن صفحات المرأة كانت حينها تعنى بالأزياء والطبخ والزينة، لكنني استطعت تغييرها إلى صفحات تدعو إلى المساواة وحرية المرأة.
 
 
ولدت الكاتبة في مدينة الموصل في العراق وفيها أتمت دراستها الثانوية وانتقلت إلى بغداد لدراسة القانون في جامعة بغداد وعملت في الفترة من 1961 حتى 1977 في الصحافة العراقية وكرست جانبا مهما من عملها الصحفي للدفاع عن حقوق المرأة. وقد مارست الكتابة القصصية منذ العام 1961، واضطرتها الظروف السياسية في العراق إلى الهجرة إلى ألمانيا عام 1978. درست الصحافة في جامعة لايبزك ومنها أيضا نالت شهادة الدكتوراه عن اطروحتها "الاتجاهات العالمية في تطور وسائل الإعلام" عام 1986 وهي مقيمة منذ ذلك التأريخ في برلين. ترجم عدد من نصوصها إلى الانكليزية والألمانية والاسبانية والفارسية والمالايالامي الهندية.
 
قالت إنها تكره المقابلات الصحفية:
لا أحب أن أتكلم بصيغة الـ "أنا"، وكثيرا ما أشعر أن الكتاب يحاولون طرح أنفسهم كأشخاص استثنائيين، بينما أعتبر الكتابة مثل أي عمل آخر. يمكن للمهندس المعماري أن ينجز عملا إبداعيا كبيرا وهو ليس أقل شأنا من عمل الكاتب. ربما ترجع مغالاة الكتاب إلى إمكانية وصولهم إلى وسائل الإعلام وهذا يسهل لهم طرح أنفسهم على النحو الذي ذكرت. ثم أنني أشعر بالخيبة لأن الثقافة لم تستطع أن تؤثر على المجتمع، وإلا لما حدث ما حدث في العراق.
 
رغم ما يحدث يؤدي الإعلام والفكر والثقافة دورا لا يستهان به في تنوير الرأي العام وعرض حقائق الأحداث وتخفيف نتائجها؟
 
هذا ما يقوم به الإعلام وهناك فرق بينه وبين العمل الإبداعي. من المعروف أن عدد النسخ المطبوعة من أي كتاب ثقافي نادرا ما تتجاوز 2000 نسخة. فإذا افترضنا أنها وصلت جميعا إلى القارئ، وهو ما لا يحدث في الغالب، فذلك يعني أن ألفي شخص قرأوا الكتاب من ثلاثمائة مليون عربي، وهذا عدد قليل بلا ريب.
 
أليست هذه نظرة سوداوية فرغم التنافس الشديد الذي يواجهه الكتاب مع التطور التكنولوجي والانترنيت بقي للكتاب بريقه الخاص ومتذوقوه؟
 
لا شك أن نعمة الانترنيت قربت بين الناس وأتاحت إمكانية النشر بدون رقابة ولكن لهذا أيضا وجه آخر. كان معيار النشر في الماضي هو الجودة، إلا أن هذا المعيار لم يعد موجودا. يستطيع أي شخص اليوم أن ينشيء موقعا ويجمع حوله شلة تكتب وتنشر دون معايير لغوية أو مهنية وحتى أخلاقية.
 
هل كانت الأوضاع السياسية والفكرية السائدة في العراق في فترة السبعينات هي ما دفعك إلى الهجرة؟
 
كان هناك ضغط شديد على "اللامنتمين" إلى الحزب الحاكم وعلى المثقفين خاصة، وما حدث عام 2003 كان نتيجة لسياسة القمع تلك. ما كان بوسع أميركا أن تشن حربها وتحتل العراق لو كان الشعب يقف وراء النظام.
 
هل تعرضت في كتاباتك للقضايا السياسية؟
 
تتناول كتاباتي الجانب الإنساني بالدرجة الأولى، لكن هذا الجانب يرتبط أيضا بالأوضاع السياسية، فرواية "النهوض" مثلا، التي صدرت طبعتها الأولى في بيروت عام 1974 وطبعتها الثانية في دمشق عام 1999، تروي قصة رجل تعذبه فكرة أن يكون قد شعر بالارتياح لموت شخص آخر في السجن، لأن هذا الموت قد أنقذ حياته، إنه يتذكر الأحداث التي مرت به وينتهي إلى فكرة أن قيمة حياة الأفراد متساوية وما من حياة أثمن من حياة أخرى، لا ينبغي أن تكون قيمة حياة القائد السياسي أكبر من قيمة حياة الرجل البسيط من عامة الناس. تطرح الرواية فكرة الذنب والبراءة وهي رواية سياسية دون شك.
 
ما الذي يستثيرك لتكتبي، حدث أم صورة أم معاناة شخصية أو ذكريات؟
 
أكتب عما يحركني بوجه عام، لا شك أن الجميع يتأثرون بهذا أو ذاك من الأحداث غير أن الفرق بين الكاتب وغيره هو أن الكاتب يمتلك الأداة للتعبير عن موقفه ومشاعره. ربما كان يمتلك أيضا القدرة على رؤية أبعد. والموضوع الأثير لدي هو الأشياء الصغيرة في العلاقات الإنسانية.
 
 من خلال خبرتك، ما الذي يميز المجتمع العربي عن الألماني؟ أم أن المجتمعات متشابهة؟
 
يكاد يكون الأفراد متشابهين، وحتى المجموعات فهي متشابهة إلى حد كبير والاختلاف بينها ظاهري فقط. الألمان مثلا أكثر أناقة واهتماما بالنظافة وأفضل في تعاملهم مع المرأة وهذه مسألة تاريخية، لقد حدث التطور تدريجيا. نحن في العراق كنا قد بدأنا بعد تأسيس الدولة العراقية بالدعوة إلى تحرير المرأة، تذكري الزهاوي الذي كان من دعاة هذا التحرر، وفي وقت مبكر جدا عملت المرأة في الصحافة، وكانت مريم نرمة أول من امتهن الصحافة بعد تأسيس الدولة العراقية.
 
توليت تحرير صفحات المرأة في مجلة ألف باء، حدثينا عن ذلك.
 
استلمت صفحات المرأة في مجلة ألف باء منذ عددها الأول ولكن بعد تردد، فقد كانت الصفحات التي تخصصها الصحف للمرأة تعنى بالأزياء والمطبخ والزينة، منطلقة من أن هذا هو عالم المرأة. تغير هذا تماما في مجلة ألف باء منذ العدد الأول، أصبحت الموضوعات تتناول الوضع الاجتماعي للمرأة، وضعها القانوني والدعوة إلى المساواة. تعيش المرأة اليوم في العراق انتكاسة بلا شك بدأت بالحملة الايمانية وانتهت إلى ما نراه الآن، نساء متشحات بالسواد يجلسن في البرلمان وفي المؤسسات.
 
بعد أن عشت في مجتمعين مختلفين وجربت وكتبت عن ثقافة كليهما هل وجدت المرأة متساوية مع الرجل في أوربا مثلا؟
كلا، فحتى في ألمانيا أشعر أن المساواة رغم توفر الأساس القانوني لها لم تتحقق بصورة كاملة.
 
ما الذي يشجعك على أن تختاري كتابا لترجمته إلى العربية؟
 
كثيرا ما يقوم الناشر باختيار الكتاب، ويكون لي أن أوافق على ترجمته أو أرفضه. وقد أقترحُ كتابا على الناشر فيوافق عليه أو يرفضه لأنه يعتقد أنه لن يلاقي رواجا. وهكذا فقد رفضتُ ترجمة بعض الكتب لهذا السبب أو ذاك. وعلى العكس وجدت متعة كبيرة في ترجمة روايتين لكريستا فولف ورواية للسويسري ماركوس فيرنر وكتاب المرأة والعولمة لكريستا فيشتريش وهو كتاب يتعرض لاستغلال نساء العالم الثالث من قبل الدول الصناعية. قليل من الناس مثلا يعرف أن الروبيان يشحن من هولنده بالسفن إلى المغرب لتقوم النساء هناك بتقشيره ثم يعاد إلى هولنده ثانية ويطرح في الأسواق كبضاعة طازجة.
 
ألم تكتبي عن الأحداث التي مر ويمر بها العراق؟
 
في كتابي "البحث عن الخلندق" ثمة قصة بعنوان "ليلة الأحد" تتحدث عن شخص جاء من العراق يطلب اللجوء، يختلق قصة مقنعة للحصول عليه ويمر برحلة شاقة حتى يتحقق له ما أراد، لكن هذا النجاح لا يمنحه السلام الداخلي في الآخر. وقصة أخرى عن أب يدعى لاستلام جثة إبنه الذي سقط في الحرب لكنه يجد نفسه مرغما على استلام جثة شخص آخر غريب عنه وتتحدث قصة الصدع عن تصدع العلاقة بين أخوين بقي أحدهما في العراق بينما نشأ الآخر في أوروبا، أما قصة "هؤلاء الأبناء" التي ترجمت إلى الانكليزية ثم الألمانية فهي تصور جانبا من حياة الشبان العرب في برلين.
 
 
 إلى أي حزب تنتمين؟
 
أنا لا أحب السياسة والسياسيين المحترفين، وعلى هذا فإنني بقيت خارج الأحزاب. يقال إن السياسة هي "فن الممكن"، وأنا أعطي لنفسي الحق في الحلم بما هو أبعد من ذلك. الانتماء الحزبي يعني الحد من حرية الكاتب لحساب السياسي. فانتماء الكاتب إلى حزب من الأحزاب لا يعفيه من الخضوع لسياسة الحزب في هذه المسألة أو تلك حتى لو وجدها خطأ، والتنازل عن حريته في التعبير إذا اقتضت المصلحة الحزبية ذلك. هذا لا يناسبني مطلقا.
 
هل تلتقين بالكتاب والروائيين العراقيين والعرب المقيمين في أوروبا أو على الأقل في ألمانيا وهل هناك ندوات أو دعوات توجه لك؟
 
ألتقي بالكتاب الآخرين كلما توفرت الفرصة. أما الدعوات فهي مسألة علاقات عامة. أنا أكتب، ولست معنية بالعلاقات العامة.
 
هل تقرأين ما تكتب زميلاتك العربيات والألمانيات؟
أقرأ كل ما يقع في يدي من الكتب، خاصة ما تكتبه النساء، وقد عملت عام 1995 على تأسيس جمعية لترويج أدب المرأة العربية في ألمانيا، لكني تخليت عن المشروع بعد عشر سنوات، لأن مشروعا كهذا يحتاج إلى تمويل، وهو ما لم يتوفر لنا. خلال تلك السنوات تجمعت لدي مكتبة لا يستهان بها لأعمال الكاتبات العربيات. اليوم أصبحت متابعة ما تكتبه الزميلات من خلال مواقع الانترنيت أكثر سهولة.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2025 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2025 Copyright, All Rights Reserved