حياة شرارة شهيدة الإنسانية\ حاء

2013-05-06
في ألأول من شهر آب لعام 1997 وقع انفجار انبوبة الغاز في بيتها وأدى الى مصرعها مع ابنتها الكبرى مها، بينما نجت ابنتها الصغرى زينب. قيل ان الحادث كان مدبراً من جهة ما، بينما قال البعض بأن الحادث لا يعدو إنتحاراً قامت به حياة نفسها حين لم تعد ترى بصيصاً من النور أو الأمل وأحست أنها أمام منعطف الهاوية عندما اختلّت الموازين وفقدت الحياة مغزاها . وهكذا كانت نهاية درب الآلام الذي مضت فيه هذه الاديبة العراقية وبشكل مأساوي...
كانت هذه الحادثة صدمة كبيرة لكل من عرف الفقيدة أو سمع عنها أوقرأ لها، وكذلك في الأوساط الأدبية والتدريسية وطلابها، وأثارت تلك الحادثة الكثير من اللغط والتساؤلات ان كان انتحار فعلا أم هنالك يد خفية للنظام الحاكم فيها، وعلى كل حال فالحصيلة، اذا كان انتحاراً، او حادثاً مدبراً، فان النظام كان وراءه، بطريقة مباشرة او غير مباشرة،

//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/99cb1c93-e7e9-4412-a536-f54246a38460.jpeg

عندما كانت د.حياة شرارة طالبة دراسات عليا بجامعة موسكو في مطلع الستينيات، تميزت بين جميع طلاب دورتها بهدوء الطبع والجد والمثابرة سواء في الدراسة ام في النشاط الاجتماعي . وهذه الصفات اكسبتها احترام الجميع من روس وعراقيين وغيرهم من طلاب البلدان العربية .


واختارت حياة موضوع اطروحتها لنيل الدكتوراة في ( "تولستوي انسانا ) كما كانت تهتم بموضوع شخصية المرأة في اعمال الكاتب الروسي ايفان تورجينيف . وقد واصلت دراسة اعمال هذا الكاتب وترجمة بعضها الى العربية لاحقا لدى عودتها الى العراق حيث عملت استاذة في قسم اللغة الروسية في جامعة بغداد . وفي العام الاخير من وجودها في موسكو عملت في القسم العربي بوكالة انباء تاس السوفيتية .

ولدت حياة شرارة في عام 1935 بمدينة النجف وأكملت دراستها الثانوية في بغداد ثم سافرت بسبب الظروف السياسية في العراق في العقد الاخير من الخمسينيات الى سورية ومصر حيث التحقت بقسم اللغة الانجليزية بجامعة القاهرة، وعادت الى العراق بعد ثورة 14 تموز 1958، وفي عام 1961 ذهبت الى موسكو .


نشأت حياة في مدينة النجف المقدسة في بيت والدها محمد شرارة الاديب والشاعر، والذي كان يرتاده الشعراء والكتاب والمثقفون وتدور فيه النقاشات حول قضايا الادب . وكتبت شقيقتها الكاتبة بلقيس شرارة حول هذه المدينة تقول : " بالرغم من الجو الديني المرادف لمدينة النجف، هنالك جو آخر ازدهرت فيه نهضة ثقافية واسعة، اذ صدرت عدة صحف ومجلات كان لها دور مهم في الدعوة للأصلاح الاجتماعي، ك "الهاتف" و" الحضارة" و"الغري" و" البيان" ، وبرز فيها كتاب وشعراء اغنوا تراث العراق الادبي مثل محمد مهدي الجواهري، وعلي الشرقي، وجعفر الخليلي، وسعد صالح ، ومن الجالية اللبنانية ظهر حسين مروة ومحمد شرارة". وكان لابد ان يؤثر هذا الجو في حياة منذ صباها، فقد احبت الشعر وحفظته عن ظهر قلب وكانت تشارك في المساجلات في حفظ الشعر بين افراد العائلة .
ذكرت بلقيس ان العائلة انتقلت في منتصف الاربعينيات الى بغداد حيث اصبح لأبيها محمد شرارة صالونه الادبي الذي كان يرتاده اسبوعيا بدر شاكر السياب ولميعة عمارة ومحمد مهدي الجواهري ونازك الملائكة واكرم الوتري وبلند الحيدري وغيرهم من الشعراء والادباء العراقيين . وقد حفظت حياة في سن 12 عاما اشعار بدر ولميعة ونازك .

لكن الاحداث السياسية العاصفة في العراق في اواخر الاربعينيات من القرن الماضي جعلت حياة تشاهد مآسي الشعب العراقي واعتقال والدها وفقدانه لعمله . وبعد اطلاق سراحه ـأُدين من قبل المحكمة العسكرية وحكم عليه بالسجن عدة اشهر بسبب انتمائه لحركة " انصار السلام". ومن ثم غادر محمد شرارة العراق الى لبنان في عام 1954 للأقامة الدائمة هناك . اما حياة التي انتظمت آنذاك في صفوف الحركة اليسارية، فسافرت هربا من ملاحقة السلطات الى سورية ومنها الى مصر حيث التحقت بجامعة القاهرة للدراسة في قسم اللغة الانجليزية . وعادت حياة الى بغداد مع والدها بعد ثورة 14 تموز/يوليو عام 1958 وسقوط الملكية . والتحقت بجامعة بغداد وتخرجت منها في عام 1960 لكي تسافر الى موسكو من اجل مواصلة

//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/3e184f11-5f0f-4bf9-a823-9e1f55881b85.jpegالدراسة العليا في جامعة موسكو .
وبعد عودتها الى العراق عملت في جامعة بغداد فترة من الزمن حتى بدأت السلطات ملاحقتها بالرغم من محاولتها عدم الاعراب عن مواقفها من سياسة الحكومات آنذاك . وانصرفت الى التأليف والترجمة . فنشرت مقالات مثل "تأملات في الشعر الروسي" (1981) و" غريب في المدينة" ومسرحية " المفتش العام " لجوجول و"يسينين في الربوع العربية"(1989) و"ديوان الشعر الروسي"(1983) و"مذكرات صياد"(1984) و" رودين " و"عش النبلاء" لأيفان تورجينيف و" مسرحيات بوشكين "(1986) و"تولستوي فنانا". وتعتبر دراستها "صفحات من سيرة نازك الملائكة" الشاعرة المجددة التي عرفتها منذ الطفولة، من البحوث المميزة عن نشأة حركة الشعر الحر في العراق . كما نُشرت بعد وفاتها رواية " اذا الايام اغسقت" عن مصاعب الحياة الجامعية في بغداد . ولديها رواية لم تُنشر بعنوان" وميض برق بعيد" ومجموعات قصصية . ونشرت في الصحف العراقية والعربية مقالات كثيرة حول الادب والشعر .


كانت فترة الحرب مع ايران ثم حرب الخليج من الفترات الصعبة جدا في حياة اسرتها بسبب تدهور الوضع الامني والمعيشي والعقوبات المفروضة على العراق . ومنعت حياة من السفر الى الخارج حين فقدت العمل في الجامعة، وذلك بسبب ارتفاع رسم الخروج وقانون السفر الجديد الذي نص على بند" المحرم" حيث يمنع سفر المرأة بدون زوجها . وكان زوجها محمد صالح سميسم قد توفي بعد اعتقاله في عام 1982 . وكتبت حياة رسالة الى رئيس الجمهورية تطلب فيها السفر الى الخارج مع ابنتيها بدون محرم لكن طلبها بقي بدون جواب . واصاب حياة الاحباط الشديد بعد ان اغلقت امامها ابواب العمل والنشر والسفر .. وفي اول أغسطس/آب 1997 وقع انفجار انبوبة الغاز في بيتها الذي ادى الى مصرعها مع ابنتها الكبرى مها .


وبعد صدور رواية " إذا الأيام أغسقت " للفقيدة وبمقدمة رائعة بقلم السيدة بلقيس شرارة، شقيقة الفقيدة، أشارت في تلك المقدمة وكتاباتها اللاحقة عن الفقيدة، ان الحادثة كانت انتحار، وبدون أي تفاصيل حيث كتبت في الجزء الأخير من تلك المقدمة " . . . "ولم تعد ترى بصيصا من النور أو الأمل . أحست أنها أمام منعطف الهاوية عندما فقدت الحياة مغزاها وهدفها، ولم يبق أمامها إلا الهرب والتخلص منها وإطفاء جذوتها. فقد وصلت الى الخطوة الأخيرة في مفترق الطريق الحاسم، الفاصل بين الحياة والموت، ووجدت راحة في إنهاء مسيرة الحياة والتخلص منها . "
كانت بعض الكتابات التي نشرت حول الفقيدة وخصوصا بعد الاحتلال وسقوط النظام السابق تشير الى إنها كانت عملية تصفية من قبل أجهزة النظام الأمنية، فالبعض اعتبرها عملية إعدام وأدرج اسم الفقيدة وزوجها الطبيب محمد صالح سميسم ضمن قوائم الشهداء الذين أعدمهم النظام، والآخر تساءل عن الذي أشعل النار في الفقيدة وابنتيها وهنالك من كتب عن استنشاقها لغاز سام . لذلك كان الأجدر بالسيدة بلقيس أن تخوض في بعض تفاصيل الحادث وخصـــــوصاً ان زينب الابنة الثانية للفقيدة قد نجت من الحادث وبالتأكيد لديها معلومات دقيقة عن الحادث رغم قسوتها .

كتابات بعد الفقد

خالد حسين سلطان

تأثرت كثيراً عند قراءة تلك اللافتة المشئومة التي تعلن عن وفاة الفقيدة، وبعد الاحتلال قرأت روايتها " اذا الأيام أغسقت " وتعاطفت مع أحداثها ومعاناة الفقيدة، لذلك أخذت من عنوانها لازمة لي أكررها مع كل ضائقة أمر بها وما أكثرها في زمن الاحتلال البغيض وما رافقه من أحداث وانحرافات غير متوقعة، حتى أخذ أطفالي بسؤالي عن معنى هذا القول " إذا الأيام أغسقت " فوضحته لهم وتكلمت عن الفقيدة وزوجها وابنتيها وما حصل لهم على يد النظام السابق .
لم التقي بالفقيدة وأنا من جيل طلابها بل كانت هي وزوجها المرحوم محمد صالح سميسم أصدقاء ورفاق لوالدي المرحوم حسين سلطان، وكان الطبيب محمد سميسم طبيب العائلة وأصدقاءها وأقاربها، يقدم لهم المشورة والمساعدة في الحالات المرضية سواء في اختصاصه او غير ذلك، وخصوصاً خلال فترة عمله في مستشفى الطوارئ في بغداد حيث كنت احد مراجعيه، وفاءاً لتلك الصـــــــداقة والنبل الإنساني الذي تحمله الفقيدة وزوجها والإهمال المقصود من المؤسسات الأكاديمية التي عملت فيها وكذلك رفاقها في فترة عملها الحزبي، عملت على جمع ما احصل عليه من كتابات ومقالات عن الفقيدة ودورها الأدبي والسياسي على أمل نشره كملحق في احدي المجلات الأدبية او على شكل كتاب مستقل ليكون مرجعاً متواضعاً للمهتمين، وعسى ان يكون دافعاً للجهات المختصة والمؤسسات الأكاديمية التي عملت فيها الفقيدة لتكريمها بالشكل المناسب ونشر إبداعها ونتاجها الأدبي غير المنشور لحد الآن، وما أكثره، ويذلك يساهموا في إنصافها .

عبد الرزاق داغر الرشيد
مرَّت ذكراها بصمت.. حياة شرارة الاستاذة التي رفضت نهج الطاغية

قيل (انهم) اختاروا لها ان تغادرنا هكذا فقد حاصروها تماما، منعوها من السفر الى خارج العراق، ومنعوها من العمل في العراق لانها لم تعد استاذة جامعية بعد أن اجبروها على ترك وظيفتها، ومنعوا عنها الراتب التقاعدي الضئيل ايضاً فخسرت خدمة ستة وعشرين عاما .. كشفت في روايتها ( إذا الأيّام أغسقت ) سلطة رجال المخابرات والأمن الصدامي والدور البعثي العبثي في الاوساط الجامعية ومحاصرة الكفاءات العلمية الحقيقية . عانت من جور السلطة وممارساتها القمعية.. ونهلت من معاناة غيرها وتجرعت الكثير من الهموم.. كانت محاصرة في أروقة الجامعة فشعرت من انها مراقبة فى حركاتها وسكناتها، وفُتحت رسائلها مرات عديدة من قبل مسؤول أمن الكلية لاعتبارها من المشكوك فى ولائهم ولانها لم تنتمي لحزب السلطة . واحست ان ليس بامكانها الاستمرار بالتدريس فى هذا الجو الخانق والكالح والمضايقات المتواصلة والابتزاز.. مورست معها شتى الوسائل للنيل من كرامتها، صبرت، تحملت،صمدت، وكانت رغم العسف تواصل العطاء.. أنجزت في تلك الأجواء الكثير، لذا قاست «حياة» كثيراً في حياتها الجامعية بسبب رفضها الانتماء إلى حزب البعث، مؤكدة بحزم موقفها المستقل والتفرد الذي لا يتحمله الفكر التوحيدي والأنظمة الشمولية، مما أدى إلى تعرضها إلى تلك الصعوبات، وخُلقت لها مشاكل كثيرة، أثناء وجودها في الجامعة . وعندما تضاعف العنف واضطهاد الناس الذين لا يخضعون إلى فلسفة حزب البعث في تلك الفترة، أُتخذ قرار بالتخلص من جميع الأساتذة الذين لا ينتمون للحزب .


في آب 1997 توقف قلب الاكاديمية والمترجمة والباحثة والشاعرة حياة شرارة، في ظروف غامضة زمن النظام الدكتاتوري المباد، كشف عن موتها بعد سقوط النظام بانه عملية تصفية للراحلة الكبيرة وعائلتها، بعد اعدام زوجها الدكتور محمد صالح سميسم . تظل الراحلة كيانا انسانيا مميزا سواء في عطاءآتها الابداعية المتعددة في أكثر من حقل وميدان، أو في سلوكها الحياتي المعيشي ودماثة أخلاقها، فقد تنوع انتاجها الثر بين الكتابة السردية، رواية وقصة، وبحثا ومقالة وترجمة، وتحقيقا، فضلا عن كتابتها لديوانين شعريين، ويعود كل ذلك، الى تنوع أدواتها الثقافية والمعرفية، من كونها نشأت في بيئة ثقافية وفكرية وأدبية أسست الى حد كبير لقاعدتها المعرفية .
ومما يؤسف ذكره اليوم أن رجال الأمن والمخابرات لجهاز الطاغية صدام والذين زرعهم في كليات وجامعات العراق للتجسس واضطهاد الكفاءات المخلصة وحصلوا على شهادات عليا مزورة ما زالوا اليوم يشغلون مناصباً وقد وصل بعضهم الى مناصب رؤساء الجامعات ومعاونيهم وعمداء كليات ومعاهد .


حسين السكاف

بعد منع طاول أعمالها أثناء حكم صدّام حسين، تعود مؤلفات حياة شرارة (1935 ـــ 1997) إلى الواجهة. تولّت «دار المدى» إعادة طبع مؤلفات الأديبة العراقية الصادرة في لبنان بين 1976 و1994، إضافة إلى نشر كتابها «تولستوي فناناً»، الذي نالت عنه الدكتوراه من جامعة موسكو.

في مؤلفاتها، ركّزت شرارة على الأدب الروسي، الذي باتت عليمة بتفاصيله. هكذا، تناولت «تولستوي فناناً» (لم يُطبع حتى 2002، لدى «المدى»)، ثم «ماياكوفسكي» (المؤسسة، 1976 ـ المدى 2011). بعد ذلك، أصدرت «مدخل إلى الأدب الروسي» (المؤسسة 1978 ـ المدى 2011)، ثم عرّفت القارئ العربي بـ «بيلينسكي» (المؤسسة 1979ـ المدى 2011) الذي لقّبته بـ «أبو النقد الروسي»، قبل أن تختتم رحلتها في بلاد الجليد بـ «ديوان الشعر الروسي» (المؤسسة، 1983 ــ المدى 2011).
بعد هذه المرحلة، تفرّغت لتدوين ما تريد قوله. عادت إلى الأيام التي جمعتها بنازك الملائكة في صالون والدها الأدبي، لتنطلق منها في دراسة رائدة شعر التفعيلة العربي. هكذا، قدّمت «صفحات من حياة نازك الملائكة» (الريس 1994 ـ المدى 2011) الذي مثّل أرشيفاً لرصد أهم التطورات الثقافية والسياسية لحقبة زمنية أساسية في تاريخ المجتمع العراقي، تجاوزت النصف قرن. كتبت ديوانين لم يصدرا، هما «شفق الفجر»، و«قصائد قديمة»، لكنّ روايتها «إذا الأيام أغسقت» (المؤسسة 2002 ـ المدى 2011) هي التي مهرت تجربتها. هنا سلّطت الضوء على حياتها، التي لم تبرح السلطات العراقية في التعتيم عليها. بغض النظر عن شكل التعاون بين «دار المدى» وعائلة شرارة، فإن هذه الالتفاتة تعدّ مكسباً ثقافياً للعراق. إنها عرفان بالجميل لإحدى أهم الشخصيات الثقافية التي لم تنل حقها في حياتها، وسنوات بعد موتها.

إذا الأيام أغسقت لحياة شرارة
لقد أصبحت بغداد فريسة جريحة بأهلها الأذلاء المهانين حتى في الحصول على لقمة عيش محترمة ، جثث متحركة ، لا إرادة لها ، فبغداد تنزف ولم يبق منها إلا جروح متقرحة. ولكن رغم الجو المشحون بالرعب والجوع ، لا زالت عيون الناس ونظراتهم تخفي تحتها معارضة صامتة ، وتحت ذلك القنوط واليأس يكمن بركان خامد .

تنقل لنا حياة في هذه الرواية التي صدرت بعد وفاتها بمراجعة وتقديم شقيقتها الاديبة بلقيس شرارة لتعبر عن معاناة الأستاذ الجامعي في ظل النظام السابق ، والمواجهات الحادة التي اضطر الى خوضها. تبدو الرواية مشوشة وغارقة في التفاصيل الصغيرة مما عبر عن الحالة الذهنية التي عاشتها حياة أثناء كتابتها للرواية ومحاولتها لإدانة النظام بأكبر قدر من التفصيل. تصور جميع أنواع القهر والحرمان والإذلال التي عانت منها في الجزء العملي من حياتها كونها أستاذة جامعية وتروي شرارة ذلك عبر إنتحالها سيرة حياة أستاذ جامعي بكل تفاصيلها ومعاناته حين وجد في رسالته العلمية كل حياته ومبررها. لكن ماذا تعني الكتابة إذا أصبحت بلا غاية ؟ إذا لم تستطع أن تنشر ما تكتبه و توصله للناس ؟ ما قيمة الكتابة إن بقت محفوظة في أدراج مكتبك أو على الرف ؟
صباح كنجي

حياة شرارة .. شعلة الكفاح وجريمة السفاح..!


حياة شرارة اسم ذو نغمة متميزة يتسللُ للقلب، بسهولة ويسر، يتخطى حواجز السمع لمن لا يعرفها أو يلتقي بها، فكيف إذا كان متابعاً لها أو قد عرفها عن قرب؟..لا أدعي معرفة بها.. لكنني موقن أنها شكلت جزء من تكويني منذ أن بدأتُ قراءاتي الأولى .. كانت مقالات وترجمات وكتابات الدكتورة حياة جزء من مطالعاتي في مطلع السبعينات قبل أن التحق في صفوف الأنصار ..
في الأنصار تواجد بَيننا عدد من طلبتها اذكر منهم خدر هفن - طارق وفيصل الفؤادي - أبو رضية عرفنا منهم أنها كانت تتابع أدق التطورات في الوضع السياسي في تلك الأيام الصعبة، بالرغم من ابتعادها التنظيمي عن صفوف الحزب الشيوعي.. لا بل أن طارق قبل التحاقه بنا كان قد صارحها وقال لها:
ـ سأغادر مقاعد الجامعة لألتحق بصفوف الثوار..
بين تلك الأيام.. في ذلك الزمن الذي استحكم فيه المستبدون، واليوم ثمة مسافة.. مسافة شاسعة، تغطي مساحة من أربعة عقود مضت.. كانت محملة بالجرائم والفظاعة والموت والدم.. حروب وكوارث.. قهر وإذلال .. خوف ورعب..قتل وتشريد.. فقر وجوع.. حرمان وعذاب.. تخريب وجهل..موتى ومغيبون.. مقابر وانفالات..سبايا وعبيد..مسحوقون وأذلاء..ضياع وفقدان..آلام وجراح..استوطنت الأرض ونخرت البنيان وأرهقت النفوس ودمرت الحياة..
حياة شرارة لم تكن بعيدة عن هذا المصاب.. أصابها الكثير.. عانت من جور السلطة وممارساتها القمعية.. ونهلت من معاناة غيرها وتجرعت الكثير من الهموم.. كانت محاصرة في أروقة الجامعة ومنعت من السفر.. اغتيل زوجها.. تعرضت للابتزاز..مورست معها شتى الوسائل للنيل من كرامتها.. صبرت ..تحملت..صمدت.. وكانت رغم العسف تواصل العطاء.. أنجزت في تلك الأجواء الكثير ..أبدعت في مجالات متعددة..أنجزت المزيد من البحوث الأدبية وكتبت القصص والروايات بالإضافة إلى الدراسات الأدبية المتميزة.. وكانت ترفد طلابها بالعزيمة وتواظب على مساعدتهم وتوجيههم بالرغم من إدراكها أن دائرة تضيق من حولها والمتربصون بها يشحذون هممهم للنيل منها.. كانت المعادلة غير مستقيمة بالنسبة لهم والحل يكمنُ في ما خططوا له.. وفي ليلة سوداء مع مطلع آب.. فارقت حياة الحياة.. لم تكن وحدها بل رافقها في تلك المأساة ابنتها مها..

ـ للفقيدة مجموعة أعمال أدبية غير منشورة منها رواية بعنوان وميض برق بعيد ومجموعة قصصية..
ـ ولها أعمال مطبوعة سابقاً عن تولستوي وماياكوفسكي ونازك الملائكة وكتاب عن الأدب الروسي بالإضافة إلى ترجمات لتورغينيف وتشيكوف وبوشكن وكتب نقدية جميعها غير متواجدة في المكتبات اليوم وتحتاج لإعادة طبع..
ـ روايتها إذا الأيّام أغسقت تتناول معاناة أستاذ جامعة ومحاصرته من قبل جلاوزة الدكتاتورية في زمن الحرب والحصار والخراب الذي تسلل إلى الجامعات وحول نورها إلى ظلام يولد دماراً ويوسع من رقعة الجحيم عبر إجراءات يومية تترافق مع مخطط يستند على الرعب والجوع كوسيلتين للوصول إلى الخنوع والإذلال..،

عالية كريم

رئيسة تحرير "معكم"

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved