حزبان شيوعيّان كردستانيّان في العراق ؟

2013-10-05
في أوائل التسعينيّات ، دخلتُ بهوىً سرّيَ ، كردستان .
عبرتُ بالزورق الأسطوريّ من سوريّا، لأكون في زاخو ( من زاخو لحدّ الكويت) كما غنّى سعود الناصريّ ذات يوم مجيد.
من زاخو بلغتُ شقلاوة.
هناك مقرّ الحزب الشيوعيّ العراقيّ.
الجميع ارتدى البزّة العسكرية للبيشمركة : الشروال الكرديّ بالخاكي.
حميد مجيد موسى، أراه، للمرة الأولى،  وكان يرتدي الشروال .
 لا مشكل في الأمر :
إن كنتَ في روما فافعلْ ما يفعله الرومانيّون.
في كردستان مررتُ على مقرّ"اتنا ( الشيوعيّة ) والتقيتُ مقاتلين ، وجنوداً عرباً التحقوا بالثورة المنتظرة.
وبلغتُ دهوك لأرى الطريق الدوليّ يصيحُ بي :
بغداد !
كان شيركو بيكه س  وزيراً للثقافة . زرته في مكتبه.
يبدو لي الآن ، أن لدى شيركو ، زوّارأً من نمط آخر.
*
رفاقٌ أعزّاء كانوا مع أطروحة حزب شيوعيّ كردستانيّ .
ومن جولتي السريعة أدركتُ أن الأمر ضروري ّ .
في كردستان شغفٌ قوميٌّ مقدّس.
 والقوميةُ رديفُ الفاشيّة إنْ لم تغتنِ بمحتوىً ديمقراطيّ . هذا المحتوى غائبٌ .
قلتُ في نفسي : من أجل أن تظل كلمة الشيوعية باقيةً في كردستان لابدّ من حزب شيوعيّ كردستانيّ.
ولأنني كنت أقدِّرُ أن العراق ذاهبٌ إلى التشظّي ( نحن في الحالة الآن ) ، فالخير أن نستبق الأمور.
*
زرت أبو سعود ( الرفيق عزيز محمد ) أكثر من مرّة في بيته المتواضع ، لألحّ على مقترح حزب شيوعيّ كردستانيّ .
قلت للرفيق : حتى في الاتحاد السوفييتي هناك حزب شيوعيّ أرمني، و آخر أوكرانيّ ... إلخ
والعراق مقبلٌ على التشظّي.
( الأميركيون كانوا فرضوا منطقة الحظر الجوي ).
والساحة للقوميّين الأكراد.
يوماً بعد يوم، بدأت معارضة الرفيق عزيز محمد لأطروحة حزب شيوعيّ كردستانيّ تخِفُّ قليلاً .
في المساء كان الرفاق المتحمسون للأطروحة يغرقونني بالعرَق والكباب، مع أني مُقِلٌّ في الإثنين .
*
صار خير !
الحزب الشيوعيّ الكردستانيّ  آلَ  إلى ما  آلَ إليه.
الآن يقال إنه تابعٌ .
ويقال إن قادته صاروا مرتشين وذوي مالٍ .
لا أدري.
*

المشكل الآن مع الحزب الشيوعيّ العراقيّ .
المفترَض بعد تأسيس الحزب الشيوعيّ الكردستانيّ أن يهتمّ الحزب الشيوعيّ العراقيّ، بالعرب، القومية الرئيسة، وبالعراق العربيّ .
لكني، في متابعتي الشأن العراقيّ، أرى أن الحزب الشيوعيّ العراقيّ، هو نسخة من الحزب الشيوعيّ الكردستانيّ.
زعماؤه يقيمون في كردستان . بعضهم ( مثل كاظم حبيب ) تذكّر فجأةً أنه كرديّ.
أنصاره يقبضون معاشاتهم من كردستان.
صحافته تابعة.
حتى كأن العراق العربيّ لم يعُدْ قائماً .
لكن العرب باقون.
العراق العربيّ حقيقة.
ومن الانتحار السياسيّ،  ألاّ تؤخذ هذه الحقيقة مأخذَ اعتبارٍ واحترامٍ .
*
في تقديري أنْ لا مستقبل للحزب الشيوعيّ العراقيّ  بدون العراق العربيّ .
الأكراد يَنْعَمون بالحماية الأجنبيّة.
أمّا العربُ فليس لهم إلا الله الذي خذلهم .
العربُ هم التربة  الحقيقيّةُ لأيّ بؤرةٍ نضاليّةٍ .
هل الحزب الشيوعيّ العراقيّ بؤرةٌ نضاليّةٌ تقرأُ الأرضَ العربية في العراق؟
*
السؤالُ نفسه ظلَّ بدون حلٍّ  على امتداد ناريخ الحزب الشيوعيّ العراقيّ.


لندن 01.12.2012


سعدي يوسف

 شاعر عراقي وكاتب ومُترجم، وُلد في ابي الخصيب، بالبصرة عام 1934. اكمل دراسته الثانوية في البصرة. ليسانس شرف في آداب العربية. عمل في التدريس والصحافة الثقافية . غادر العراق في السبعينيات وحاليا يقيم في لندن ونال جوائز في الشعر: جائزة سلطان بن علي العويس، والتي سحبت منه لاحقا، والجائزة الإيطالية العالمية، وجائزة كافافي من الجمعية الهلّينية. في العام 2005 نال جائزة فيرونيا الإيطالية لأفضل مؤلفٍ أجنبيّ. في العام 2008 حصل على جائزة المتروبولس في مونتريال في كندا . وعلى جائزة الأركانة المغربية لاحقاً

عمل كعضو هيئة تحرير "الثقافة الجديدة".

عضو الهيئة الاستشارية لمجلة نادي القلم الدولي PEN International Magazine

عضو هيئة تحرير مساهم في مجلة بانيبال للأدب العربي الحديث .

مقيم في المملكة المتحدة منذ 1999.

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved