القاص عبد الحسين العامر : في ..( سيدة الوهم ) ..
الورقة المشاركة في جلسة القاص عبد الحسين عامر / اتحاد الادباء في البصرة 11/ 3/ 2017
قرأت له بتوقيت صدروها : قصة قصيرة ضمن جماعة ( 12 قصة في البصرة ) في إصدارها الثاني .. والتقينا في 1994 في شارع بشار ابن برد، جلسنا على الرصيف المجاور لمستوصف البصرة القديمة وكان ثالثنا الكادح والمناضل الشيوعي إسماعيل غلوم، يومها كنت ُ أعمل معه في تعمير جسر خالد بصفتي مساعد نجار قالب .. وللأسطة إسماعيل يعود فضل التعارف بيننا .... القاص عبد الحسين العامر ينتسب للنخيل فهو طيب مثلها ... يربكني تواضعه وتلقائيته وأبويته حتى مع الأكبر سنا منه ..
(*)
تتوزع مجموعته القصصية إلى
*قصص قصيرة
*قصص قصيرة جدا
ستكون قراءتي المنتجة ضمن قوس القصص القصيرة ..
(*)
لاحظت أن جهوية القصص باتجاهين هما : الأمل / الحنين ..
الماضي الراسخ بذاكرة المؤلف هو القوة المحركة للأنتاج القصصي : ماضي المدينة الجميل والمكان بتسمياته يحضر، فالقنصلية البرتغالية لايعرف مكانها الآن سوى المؤلف ونحن الجيل الذي وجد القنصلية صامتة وليس هناك سوى الحارس وبيوت العوائل اليهودية لاوجود لها بسب الحوسمة ومتغيرات البناء إذن مايقوم به المؤلف إعادة بعث الماضي سرديا .. وماضي مكابدات الشيوعيين في البصرة وتحديدا الحملة الشرسة في 1979.. لكن الوضع أصبح لايحتاج إلى تلك الشراسة فالإنسان العراقي صار يقتل وبسعر الجملة في الهواء الطلق ليس فقط من اعداء العراق .. بل حتى من قبل مراكز القوة والنفوذ التي بيدها مقاليد البلاد / العباد ..
(*)
أدخل إلى قصص المجموعة :
*مقامات حمدان : سيرة مكان من خلال مونولوغ المكين ..
*سيدة الوهم : تتغذى هذه القصة من مرجعيات عدة منها التوراتي ومنها الميثالوجي كالغصن الذهبي ومنها الأدب الرافداني ويمكنني التوقف عند المفكر ناجح المعموري في ( التوراة وطقوس الجنس المقدس / 2016 ).. وتكون تغذية النص مشعة جدا في ص11.. رغم محاولة السارد في توهيمنا السردي إنها عملية إخبار وإجراءها لما جرى لسيدة الوهم .. ( ماتزال ذاكرتها تحتفظ بمعتقد قبائل، إنّ الطمث ينجم من لدغة حيّة على الرغم من أنها تخثر الدم، ولعل أسطورة دنس حواء من الأفعى جاءت تعبيراً عن أصل الحيض : على أنه يتسبب من أفعوان تجعلها لدغته مؤهلة للزواج، وإستنادا إلى أحدى مفردات التلمود أن آلام الحيض من بين اللعنات التي صبها الله على حواء..) ويستمر الاشعاع وتستمر التغذية النصية حتى منتصف ص12.. ترى قراءتي أن النص القصصي يبدأ مع القسم المرقم برقم (2) وتنتهي القصة مع بداية القسم الثالث، فهو حسب قراءتي حاشية على متن القصة ..
قصصيا هذه القصة تتجاور مع ( الأفعى ) رواية يوسف زيدان .. وكذلك ( تراتيل الألم ) للروائية السورية مها حسن ..
*( محنة الصمت ) تنضدها قراءتي قصة صوتية .. والشاعر الذي أكتفى بالصمت أكتفى بقراءة وجوه الحاضرين والحاضرات في القاعة .. ربما نجد في الصفحة الاولى من المجموعة مفتاحا لهذا الصمت بالكلام التالي .. ( لذا من الصعوبة أن تتأقلم مع أجواء تحسّها لاتناسبك حتى لو أجبرت عليها تجد نفسك في ألم يتناسل )
*قصة الغرف : تنسب للنصوص الشيئية والسارد في تصنيفه للغرف يقوم بفهرسة سردية، والنص يشتغل على المعمار الهندسي ولهذا المعمار البطولة المطلقة ويتغذى النص من مرجعيات لكن أقرب المرجعيات هو قصيدة (غرف ) للشاعر عبد الكريم كاصد .
*قصة انتظار ثمة حضور من خلال الغياب، وتأتي الاستعارة القصصية في نهاية القص ( فدخلت قطة بيضاء تنفض ماعلق بأرجلها من ماء المطر متجهة نحو مصدر الدفء متقرفصة قربها/ 31) تتغذى القصة من ( قطة تحت المطر) همنغوي
*الأختفاء في الضوء : ضفيرة سردية تحتوي المكان من خلال المكين .. فهناك سارد عليم يبدأ فعل القص .. ( أدخلوه في غرفة من غرف الطابق الثاني .. /42 ) ويستمر السارد العليم بمساحة نصف الصفحة، ثم ينتقل السرد من خلال سرد مكتوب في رسالة مهرب من سجين لصديقه ( هرّب حينها رسالة كتب لي فيها.. )
وهكذا يتناوب السرد.. فاضحا كيفية أستعمال الأمكنة حسب مقتضيات مزاج السلطة فبيوت اليهود المهجرين في الأربعيات تصبح مسلخا بشريا للشيوعيين ..
*مذاق القهوة : تغذيتها النصية مع : لوحات فيصل لعيبي / يوليوس فوتشيك / 1984 وهناك ماريو بارغاس يوسا في كتابه ( رسائل إلى روائي شاب ) ..
ومرجعها الأخير يمنح القصة : أضوية في آخر النفق القاصة ..
( قبل أن يدخلونا بناية المحكمة حانت مني التفاتة سريعة لتلك القاصة، ونحن محاطون بالخفافيش فوجئت بألوان جوانبها .. ياالله إنها مزدانة برسوم أفلام كارتون، السندباد وساندي بيل وسط غابة من الزهور وهم يلوّحون بأيديهم ../ 54 ).. لكن هذه الاضوية تتغذى من مخيال جمعي .. أجاب عليه أحدهما قبل سطور وهو يحاور صاحبه .. ( نبني مستقبلا في داخلنا له معماريته ومعالمه الخاصة برغم أننا لم نره فعلا ً ) هذه اليوتوبيا ضرورية فهي تخلص وعينا من العوز المناعي وعلينا أن نطير إليها مع فريد الدين العطار في منطق الطير / السيمرغ .. وهذه اليوتوبيا لها وظيفة ذرائعية :( هذا ليس حلماً فقط إنما نحاول أن نجده ونمسك به في وعينا ليكون مبرر لوجودنا .. ) وهذا السر هو المرتجى المؤجل أيضا بشهادة حوارهما : ( .. على الأقل ليصبح خميرة المستقبل ../ 54 ) ..
*قصة ( من دفاتر ..أحدهم ! من دفاتر المكان ) مساحتها النصية عشر صفحات تتناول أنثيالات المكان والوجوه من الذاكرة وتفترش الورقة العذراء... تتوزع بين حالات الكاتب / المكين وبين الامكنة : ساحة أم البروم .. وصولا إلى أرصفة كاراكاس ..
*المقالة منشورة في طريق الشعب / 29/ 3/ 2017