خذوا النصيحة والعظة من سادن العولمة

2020-05-11

تعوّدنا مذ كنّا فتيانا صغارا على مقاعد الدراسة  ان نتلقى النصيحة والموعظة الحسنة من السلف الصالح ومن علمائنا الأجلّاء وآبائنا الكرام وأساتذتنا ومعلمينا وكبارنا الذين خبروا الحياة وذاقوا حلوَها ومرّها ومشوا في دروبها الوعرة والسالكة لكنني قبل مدة ليست بعيدة قد اطلعت بالصدفة على  نصائح من نوع آخر يمكن تسميتها مواعظ زمن العولمة هتكاً للوقت الفائض وخاصةً إننا الآن نعيش فترة الحجر الصحي والإقامة الجبرية في البيت .

وأحسب ان هذه المواعظ والنصائح  تختلف كثيرا  عما اعتدنا ان نسمع او نقرأ مثلها قبلا وعلى لسان أحد روّادها اللامعين وهو " بيل غيتس " مؤسس اهم شركة عالمية في عالم الحاسوب المبهر ( مايكروسوفت ) وباني اسس صروح عالم التقنية الحديثة لهذه العلوم وواضع برامج مايكروسوفت المتعددة ، هذه النصائح والوصايا التي لفتت نظري كثيرا مثلما لفتت نظر معظم من تابع مسيرة حياته الحافلة عالما دؤوبا وإنسانا ذا قلب يقطر نبلاً وحبا للآخرين من خلال تبرعاته الهائلة إلى الجمعيات الخيرية وسدّ متطلبات ذوي الحاجة والعوز .

 يقول غيتس -- وفقا لترجمتي المتواضعة — موجّها كلماته  إلى الشباب والأجيال الحاضرة التي وضعت أُولى خطاها في ميادين العمل وكدح الحياة  :

-- الحياة ليست عادلة في كل الأوقات . حاول ان تتعود على ظلمها، أحيانا، في بعض المواقف التي تمرّ بك .

-- البشرية في غالب الأحوال لا تهتم بأنك تحبّ ذاتك ، فالناس تنتظر إنجازاتك وعملك ولا تعبأ بنرجسيتك، وكن آخر من يهنئ نفسه بما قدّم .

-- ليكن بعلمك أيها الفتى أنك لن تحصل على 60 الف دولار راتبا سنويا لمجرد انك تخرّجت من الجامعة .

-- إذا ظننت ان لديك معلّماً قاسياً فاعلم أنه ينتظرك أن تكون ربّ عمل ناجح أو مديرا لشركة مرموقة، أو شخصا متميزا في أحد حقول المعرفة إذ يقول مثلنا الشائع : سرْ وراء من يبكيك ولا تتبع من يضحكك .

-- إن تشتغل في أول خطاك إلى سوح العمل بغسل الصحون أو مسح بلاط المطابخ وكنسها لا يحطّ من قيمتك كإنسان فأجدادك وآباؤك يعتبرون هذه الأعمال التي تسمونها رثّةً  هي بدايةٌ لإدارة إنتاج مقبل قد يسترعي الإنتباه لامحالة .

-- تعلّم من أخطائك وتوقّف عن لوم نفسك وتجاوزها . وأبواك ليسا مسؤولَين دائما حين تتعثر وتخطيء فالذي يعمل يخطأ، أما من لايعمل فلا يخطأ .

-- تذكر دائما أن أبويك هما من قاما بتعليمك وغسْل ثيابك وتنظيف برازك وفضلات جسمك وعملا على نشأتك ولم يكونا هرمين عاجزين قبل ولادتك فلا تنبذهما إن أصبحا مملين الآن لأنهما دفعا ثمن حياتك ونهوضك من قوتهما السابقة .

-- قبل أن تقوم بتنظيف الغابات الإستوائية وحماية البيئة من النفايات بكل أشكالها وتصخب لإيقاف التلوّث في الأرض؛ عليك أن تقوم بترتيب غرفتك وتنظيف بيتك اولا، وغسل محيط عملك وزقاقك كلما تطلّب ذلك .

-- الكثير من أرباب العمل ليسوا على استعداد دائم لمساعدتك وفي كل الأوقات، إنها مسؤوليتك وحدك فاتّكِلْ على نفسك قبل أن تطلب من هؤلاء العون والمشورة .

-- لا تعوّل كثيرا على انتظار فصل الصيف لتقضي عطلتك السنوية طالما يقتضي وجودك في هذا الفصل بميادين العمل ويمكنك الإسترخاء وقضاء إجازتك الصيف المقبل او مابعده . فالمقصد الذي تشتهي زيارته سيبقى ينتظرك في السنوات اللاحقة .

-- السينما والتلفاز وبقية وسائل الإعلام  ليست دائما هي الحياة الحقيقية؛ فالحياة الحقيقية تبدأ حينما يترك الناس المقاهي ومنتديات الثرثرة الفارغة لينخرطوا في ميادين الإنتاج .

-- لا تقارن نفسك مع ايّ شخص في العالم مهما علت منزلته وارتفعَ مجده لأنك إن فعلت ذلك تهين ذاتك .

هذا ملخّص ماقاله الشيخ العولميّ / بيل غيتس محاضراً على منبر إحدى المعاهد الدراسية الأميركية قبل بضع سنوات وقد أحببت ترجمتها لأبنائنا الشباب المقبل على الحياة ليقيني أن النصيحة لا تتقادم مع مرور الزمن بل ربما تكون أكثر ثراءً ونفعا حالها حال السجادة الفارسية التي تبقى نفيسة  كلما مرت عليها الأزمان؛ وهي اثنتا عشرة قاعدة قد لايتعلمها التلميذ في المدرسة ولا يتم التطرّق اليها في أروقة الجامعات .

 بقي عليك أيها الشاب اليافع وصديقنا القارئ الذي وضعت أُولى خطاك في معترك هذه الحياة ووقفت أمام رياحها العاتية مرة ونسائمها العليلة مرة أُخرى  أما أن تسترشد بها وتتمسك بوصاياه كما تمسّكنا بمواعظ لقمان الحكيم وأئمتنا ومشايخنا الأجلاّء وسلفنا الأول، أو رميها جانبا في خانة " الدليت " باعتبارها نفايات عالم العولمة وربما لاتصلح لنا ولاتتناسب مع توجهاتنا طالما أن " بيل غيتس " لا يلبس العِمّة على رأسه ولايحيط جسده بالجُبّة او الطيلسان؛ ولك أن تلتزم بالمثل السائر الذي نلهج به دوما في أحاديثنا والذي يقول بان " عقلك براسك لتعرف خلاصك " مع معرفتي وتأكيدي بسذاجة هذا المثل لان العقول أصناف وأنواع منها مايتغذى على السمين ومنها ماينهل الغثّ الهزيل وكم كان مصيبا أحد شعرائنا حين قال :

وما كلُّ ذي لُبٍّ بمؤتيكَ نصحَهُ....... وما كلُّ مؤتٍ نصحَهُ بلبيبِ

وللتذكير أقول ان السيد بيل غيتس كثيرا ماتبرع بثروته من أجل الفقراء والمعوزين والمدحورين وذوي الحاجات الأساسية في الحياة ومازال مستمرا في العطاء بروح مبادرة كريمة ومن المؤكد أن تكون نصائحه وإرشاداته ذات نوايا أكثر من طيبة لمن يخطو خطواته المبكرة في مسيرة هذه الحياة من شبابنا وفتياننا  فليس التبرع بالمال وحده يكون السخاء إنما النصح والإرشاد والموعظة الحسنة الناتجة عن عقل خصيب مثل عقل " غيتس " قد تكون انفع مالا وأثرى دعما لأنها نابعة من تجارب الحياة بحلوها ومرّها .

ما أوسع البذل إن كان مالاً او نصحا، فربّ نصيحة ثقيلة بموازينها المعنوية  تساوي بل تفوق ما يملأ جيوبنا مالا وفيرا وما يزيّن أجسادنا ذهبا وجواهر لأنها أكثر لمعاناً وإشراقاً من ثروة قد تزول ويختفي إشراقها في غفلة من الزمن .

 

 

 

 

جواد غلوم

خريج كلية الآداب/جامعة بغداد / قسم اللغة العربية لعام 1974-1975. عمل في التدريس بعد التخرج لغاية العام/1990 وفي الصحافة وهو طالب في الجامعة ونشرت في معظم الصحف والمجلات وقتذاك. سافر إلى خارج العراق بسبب الاضطهاد وظروف الحصار وعمل خلالها أستاذا في الأدب العربي/ ليبيا. عاد للعراق سنة/2004 وينشر في العديد من الصحف الورقية والالكترونية. ولديه اربع مجموعات شعرية مطبوعة وكتابان بعنوان / مذكرات مثقف عراقي أوان الحصار، و قطاف من شجرتَي الادب والفن وهي مقالات في النقد الادبي .

jawadghalom@yahoo.com

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved