كاماغواي الأسطورية

2008-06-11

أدرِ//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/f45be150-ca18-48ad-9b36-4a564009c21c.jpeg جت مدينة كاماغواي، مسقط رأس شاعر كوبا القومي، نيكولاس غيين، على قائمة التراث العالمي أخيراً. وتفاجئ هذه المدينة زوارها بجمالها الشامخ الأسطوري، وبيوتها ذات القرميد الأحمر، وواجهات مبانيها المسيَّجة، وعواميدها ونوافذها المبنية تبعاً للأسلوب الكلاسيكي الحديث.

يروي الشاعر الكوبي روبرتو منديز، المتحدِّر من كاماغواي، أن شيخ القبيلة استقبل الإسبان بحفاوة لدى وصولهم في عام 1514 إلى المنطقة، التي أطلقوا عليها اسم "فيلا سانتا ماريا ديل بويرتو برينسيبي". كما منحهم قطعة أرض ممتدة بين نهري تينيما وهاتيبونيكو ليقيموا فيها. لكنهم، في المقابل، عمدوا إلى قتله ورميه من أعلى جبل. وتقول الأسطورة إن الأرض المحيطة بالمكان بدأت فوراً بالاحمرار.

على مرّ التاريخ، أعيد تأسيس مركز المحافظة الأكثر اتساعاً في كوبا، الذي يحمل اسم كاماغواي أيضاً، مرات متتالية في مناسبات عدة. كانت في البداية ثورة السكان الأصليين ضد المغامرين الإسبان الذين غزوا أمريكا، "الكونكيستادور"، ومن ثم غزوات القراصنة، وفي عام 1616، الحريق المروِّع الذي دمَّر كلياً المحفوظات الكهنوتية بأكملها. من الصعب إذن استعادة تاريخ هذه المدينة التي كانت تتميز في الماضي بطرقها الضيقة المتعرجة، مما يذكِّر بمدن القرون الوسطى، وفي تناقض واضح مع الرسم المستطيل لمداها الجغرافي اليوم.

في أعقاب حريق عام 1616، أعيد بناء أول كنيسة للرعية في المدينة، وكانت تدعى "لا باروكيال". ثم نقِلت من موقعها الأساسي قبالة المجلس البلدي إلى جنب "ساحة المعركة". ومنذ ذلك الحين، تقولبت ملامح المدينة مع الكنيسة التي أصبحت بمثابة نواة لها، والساحة بمثابة مركزها. فبدأ تشييد أبرز الصروح العامة حول الساحة التي أصبحت تدعى "بارك أغرامانتي".


مدينة براميل الطين

ما زالت المنازل القديمة تحمل أسماء مالكيها القدامى.

تحتل المباني السكنية المساحة الأكبر من تراث المركز التاريخي الذي يُعد الأكبر في كوبا. ولا ننسى أنه في عام 1800، مع بزوغ القرن التاسع عشر، نقِل إلى كاماغواي قصر العدل الملكي بعدما كان قائماً في جزيرة سانتو دومينغو، على أثر تحول هذه المستعمرة الإسبانية القديمة إلى ملكية فرنسية بموجب معاهدة بال. فتوافدت عائلات شهيرة للإقامة في المدينة، وكانت وراء بروز هندسة معمارية مهيبة، بخصوصياتها الفريدة. وهي تتألف بشكل رئيسي مما يُسمى اليوم بالمنازل الكلاسيكية الحديثة، وما زالت تحمل أسماء مالكيها القدامى.

ت//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/574b8430-187b-4469-8238-375dfea463b3.jpeg عتمد هذه القصور الكبرى، المشيَّدة خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، موضة تلك الحقبة التي كانت تؤثر الطراز الكلاسيكي الحديث، وقد انتشرت على أثر بناء المنازل الفسيحة الرحبة والمؤلفة من طابقين التي طبعت القرن السابق. وبدءاً من عام 1850، شهدت الهندسة المعمارية ذائقة جمالية جديدة. وأفضل مثل على ذلك صرح "سوكاراس" الذي صممه المهندس الإسباني ديونيزيو دي لا إيغليزياس، عام 1862، وترك أثراً جلياً على جميع المباني التي بُنيت فيما بعد. كما نجد في جميع أنحاء المدينة التعاقب المنمَّق للعواميد والفتحات والشرفات التي يحدّها درابزين من الحديد المطرَّق.

في عام 1841، كانت كاماغواي تعدّ 125 شارعاً وتتألف من 1033 مجموعة من البيوت. وقد شيِّدت فيها، منذ القرن الثامن عشر، صروح بارزة كدير ومستشفى سان خوان دي ديوس، وكنيستي "لا ميرسيد" و"لا سوليداد"، وثانوية اليسوعيين ومستشفى النساء، وكلها صروح وقورة تميزت بها الهندسة المعمارية في ذاك القرن.

وثمة ما يُضفي هوية ذاتية على هذه المدينة القديمة التي كان أهالي كوبا يسمونها بـ"الأسطورية"، وتتمثل في البراميل الكبرى المصنوعة من الطين، والموضوعة عادة في فناء الدار والحدائق والمنتزهات. براميل تمتلئ بمياه الأمطار وقد أعدَّت خصيصاً لتجنب انتشار الأوبئة. بدأت صناعتها في عام 1620، بالتزامن مع الآجر والقرميد اللذين كانا يُستخدمان لبناء جميع صروح المدينة.

كاماغواي موشاة أيضاً بعدد مدهش من الكنائس، مما كان وراء وصفها بـ"مدينة المعابد". ولمجمل هذه الكنائس ميزة خاصة وهي أنها لا تملك سوى برج واحد. ويمثل المركّب المعماري الذي يشمل كنيسة سيدة كارمن ودير أمهات أرسولين ومستشفى النساء خير مثل على ذلك.

لكن الكنيسة الأكثر قدماً هي كنيسة ناسك السيدة، وتحيط بها هالة أسطورية. إذ يُروى أنه في مطلع القرن السابع عشر، توقفت عربة تجرّها ثيران في المكان عينه الذي رأت فيه الكنيسة النور لاحقاً، وكانت العربة غارقة في الوحل. فأفرِغت للتخفيف من حمولتها. وفجأةً، وقعت صرّة أرضاً وكان في داخلها صورة لعذراء سوليداد. فرأى الراهب خوسيه دي لا كروز إسبي، الذي كان يُعرف باسم الأب فالنسيا، إشارة في ذلك وكان وراء تشييد الكنيسة في هذا المكان، علاوة على عدد كبير من أمكنة العبادة الأخرى.

في كا//api.maakom.link/uploads/maakom/originals/dd6561eb-07d6-4bfc-8fe6-b26818856801.jpeg ماغواي أيضاً كتِب ما يُعتبر أول عمل أدبي في كوبا، تحت عنوان "مرآة الأناة"، بقلم الكاتب العمومي المتحدِّر من جزر الكناري، سيلفستر دي بلبوا، علماً أن نيكولاس غيين، الشاعر القومي للجزيرة، رأى فيها النور أيضاً.

ويُحتفظ كذلك في الجبانة العامة كتابة على شاهدة قبر يُقال إن الشاعر والحلاق أغسطين دي مويا كتبها تخليداً لذكرى المرأة التي كان مولعاً بها دون الفوز بحبها، وكانت تدعى دولوريس روندون. فاستناداً إلى روبرتو منديز، إن دولوريس - الابنة غير الشرعية لتاجر كاتالاني - فضَّلت بدافع المصلحة حب ضابط إسباني، وأصبحت زوجة له، بدلاً من حب مويا الذي كان هائماً بها. وفي عام 1863، وجدها الحلاق في مستشفى النساء، وكانت تحتضر وقد شوَّهها داء الجدري. وفوق المقبرة الجماعية التي دُفنت فيها ظهرت كتابة على قطعة خشب. فتولّت الأيدي المجهولة، على مرّ الأجيال، تجديد ما كُتب عليها، إلى أن قرر المختار بيدرو غارسيا أرجينو، في القرن التاسع عشر، تشييد ضريح لها في الجزء الأوسط من الجبانة العامة.

وقد أضيفت عليه الكتابة التالية:

هنا وضعت دولوريس روندون حداً لسبيلها
تعالَ، أيها الفاني، وتأمل
عظمة الكبرياء والادعاء
والرخاء والسلطة
كل شيء يذبل في النهاية
وما يخلد فقط
هو الشر الذي نحفظ بعضنا البعض منه
والخير الذي يمكننا صنعه.

 

عالية كريم

رئيسة تحرير "معكم"

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved