قالت زميلتي: ماذا تفعلين؟
قلت: أقرأ؟
قالت: ماذا؟
قلت: كتابا.
قالت: تقرأين كثيرا. من أين تأتين بالكتب؟
قلت: من البيت.
نظرت إلي زميلتي كما لو كنت قد قلت لها إنني أمتلك حمارا في البيت. لقد بدا لها شديد الغرابة أن يكون ثمة بيت فيه كتب. زميلتي تمتلك دزينة من حقائب اليد ومثلها من الأحذية، وخزانة ملابس عامرة وشهادة جامعية وسيارة. وهي بلا ريب تستطيع أن تفترض أن أي بيت يمكن أن يحتوي أرائك وسجاجيد ثمينة ومدافئ وخزانات ثياب، لكن ليس كتبا. فكيف يتأتى لهذا الشيء الغريب أن يدخل منزلا؟ ومن أي باب يدخل؟
أعلم يقينا أن النسبة العظمى من الرجال أيضا تقطع علاقتها بالكتاب يوم انتهاء الدراسة وابتداء الحياة العملية، غير أن تماسها بالحياة العامة يمنعها من أن تنتهي إلى هذا التصور إزاء الكتاب.
لا يكفي لتحرر المرأة أن تذهب إلى الدائرة وتشتري فساتينها من مرتبها الشخصي، فذلك ليس شيئا البتة إزاء تغيير واقعها النفسي والفكري، ومسؤولية هذا التغيير تتوزعها المؤسسات الاجتماعية وفي مقدمتها المؤسسات التربوية والمرأة معا. فحتى تكف فوزية عن مساعدة أمها في المطبخ في كتب القراءة المدرسية وتقرأ قصة للأطفال، وحتى تكف ليلى عن الكلام عن نفسها كخياطة ماهرة تخيط ثوب دميتها وتفعل شيئا غير الخياطة سنصادف نساء ينظرن إلى الكتاب وكأنه شيء غير قابل للحيازة أو التداول، شيء يثير الدهشة أو الضحك أو الاستنكار.
قد يبدو هذا مبالغا فيه وقد يباغتكم كما كما باغتني سؤال زميلة لي وهي تشطب كلمة على ورقة تتعلق بعملها:
"لا توجد مثل هذه الكلمة في اللغة. هل سمعت أبدا بمثل هذه الكلمة: تنموية؟"
بصبر شرحت لزميلتي أن الكلمة موجودة. ولا زلت أحمل نفس الدهشة من أنها لا تكون قد التقطها مرة من الراديو أو التلفزيون أو قرأتها في صحيفة رغم أنها تتكرر عشرات المرات كل يوم.
بغداد 1974