قواعد الفساد الستُ عشرة في عراق الموبقات

2021-09-26

نظرا لأني أعيش منذ ما يقارب العقدين في عراق الواق واق وأنواع الشقاء وفقدان الوفاق بعد ان حططت الرحال فيه بعد غربة طويلة في الشتات البعيدة والقريبة حيث يمرح الفساد الآن في كل ملاعب وساحات هذا البلد ويظهر بكامل طلعته المقززة المقرفة بلا ايّ استحياء من الضمير والعفّة والاكتفاء بالممكن  والرضا .

 لذا ارتأيت من خلال معايشتي إياه طوال عقدين من السنوات  ان أضع قواعد الفساد الست عشرة لأني ألمحه يومياً وأشم زفرته وزناخته وعفنه بهذه البلاد المسماة عراق البلايا  والرعب والحيف والغبن والتي تعيش بموازين منكسرة ومعايير منحطة لا تجدها حتى في أكثر المجتمعات انحطاطاً وقهراً وحيفاً .

دعني أخاطبك سيدي الفاسد ذا الضمير القذر؛ فهذه القواعد التي سأذكرها تنجيك حتما من العقاب والتساؤل لتمرح كما الفئران في مسكنٍ كأنه خالٍ من ساكنيه أو هم في سكرة مستديمة يعمهون .

لا تكن وحدك .. فالفساد عمل جماعي شرّير ذو ألاعيب ويتطلب مشاركة الفاسدين والتئامهم مع بعضهم البعض وتوثيق الصلة الدائمة بينهم .

وهنا يجدر بك ان تبحث عن الرجال الذي يقال عنهم إنهم فوق القانون يدوسونه بأحذيتهم متى شاؤواً  .

 اشترِ شراكتهم بغالي الأثمان ؛ فهؤلاء يعلمونك مهارات لا يمتلكها غيرهم ولا يحوزها حتى الجنّ الازرق  ، فيختصرون عليك الزمن في صعود سلّم الفساد بشكلٍ آمن وإتقان .

واحذر أنت من طمعك المفرط فإنك سترتكب خطأً جسيماً إذا كانت حصّتك من " الوليمة " أكبر من حصّة من هو أعلى منك جاهاً وحظوة ومركزاً  .

تكون بالتساوي  كن كريماً واجعل شعارك "ربِّ ارزقني وارزق صحبي " .. ففتات الفساد الذي توزعه على الفاسدين الصغار سوف يشجعهم عطاؤك لإتباعك لاحقاً وطلب المزيد من الوليمة . 

وخامسها : ان الفاسد المحترف يا قارئي العزيز لابد أن يكون قانونياً، فالمختلسون البدائيون التقليديون يذهبون إلى السجن .. أما حاذقو الفساد وصنّاعهُ فيصفق لهم الناس ويكرّمون أمام عدسات المصورين .

وسادسها : لا بد من ان تتعلم ايها الفاسد كيف تخفي أدلّة فسادك وتغرقها في أقرب مجرى للسيول .. فإغراقها أسهل من دفنها ، ولابأس من إحراق وثائقها الأرشيفية  قصداً وعمداً لتغدو أدلّتها ومعالمها في مهب الريح والدخان .

سابعها : لا تخف .. ولا تخجل من الفساد ، فإمبراطورية الفساد أكبر إمبراطورية في العالم .. موجودون في كل مكان على شكل خراتيت وآفات وحيتان ضخمة جداً .

ثامنها : أقم بشكل دوري الحفلات الصاخبة واجمع المتنفذين في القطاعين العام والخاص ؛ فكلما زاد السهر زادت الحظوة والنفوذ واستدراج الآخرين .

تاسعها : تعلم مصطلحات الفساد جيداً، فالفاسد يكره كلمة "رشوة " فهو يحب أن يسميها "عمولة" او كومشن والحديث الوحيد الذي يحفظه ويحبه ويردده دائماً  : " تضامنوا مع بعضكم أيها الفاسدون تحابوا ويشتدّ عودكم " .

عاشرها : لا تنكر الفساد وتدّعي أنه غير موجود في مفاصل الدولة  وقل أنه شائع ومتّسع.. بل تحدّث على أنه كبير إلى حد لا يمكننا إزالته  بل علينا " الائتلاف والتعايش معه " .  

تحدث أيها الفاسد مليّا عن " الشرف والنزاهة" وأكثرْ من الشعارات والخطب الرنانة .. ولا تتوقف عن لعن الفساد وشتم الفاسدين فالفاسد أكثر بلاغةً وحنكة خطابية مقنعة في شتم المفسدين ولصوص السياسة .

اما الفقرة الإحدى عشرة فتوصي بما يلي :

 اجعل صورتك نظيفة و قدم خدمات جليلة لمطاردي الفساد .. خذ معهم صوراً تذكارية  وابحث عن " أبواق إعلامية " تساعدك؛ فالانتهازيون من الإعلاميين يختصرون عليك خطوات كثيرة  لو أغدقت عليهم الملاليم البخسة ودعوتهم الى وليمة أو جلسة سمر  فهذه الدعوات تكفيهم طالما هم قنوعون بما تهبهم من فضلات ضئيلة ودريهمات شحيحة  .

 الفقرة الثانية عشر :

الفساد مرض معدٍ، وصاحب الدخل المحدود، الذي تمر الملايين من تحت يديه سيضعف يوماً ما مادامت يد الرقابة هزيلة وواهنة ولا تمتلك سوطاً أو سيفاً .

الفقرة الثالثة عشر : لا تكترث بالمثقفين ولا تعبأ بهم  فهم ايدولوجيون موتورون يتطاحنون بينهم بعيداً عنك .

أما القاعدة الرابعة عشر : إذا عثرت على قاضٍ فاسد فقد وجدت كنزاً لا يقدر بثمن .. فاغدق عليه وفيراً وارضِ مطامعه  لأنه عملة نادرة، ولن يسأله أحد ويقول له : من أين لك هذا ؟؟ طالما هو ضمن السلطة القضائية .

"الشفافية"، هي بداية النهاية لك وللمحيطين بك وحاربْها بكل ما استطعت من قوة  وإلى الفقرة الخامسة عشر ما قبل  أما القاعدة ما قبل الأخيرة : احترسْ من عدوك الذي يسمى العفاف والاكتفاء   وليكن " الضمير" باقيا  دائماً  في سبات ونومٍ كهفيّ عميق واحذره من اليقظة؛ فسوف يكسب المعركة لو أفاق من غيبوبته على حين غرّة .

وأخيرا القاعدة الستُ عشرة ؛ تعكّزْ على عشيرتك وشيخها المتنفذ القويّ وأكرمه جزيلا لضمان وقوفه مع رهطه معك في الملمّات ولا بأس ان تستند إلى عمائم رجال الدين الشرهين وهم كثرة كاثرة لا تعدّ  أمام رجال الدين الآخرين الذين يعدون من النزيهين وهم الأقلية القليلة جداً ولا تتجاوز اعدادهم أصابع يديك ممن يخاف الله؛ كلُّ هذا ليكون جدارك منيعاً وسندك حصيناً .

تلك هي القواعد التي عليك إتباعها وسوف لن تلقى مثلها ولو شددت الرحال بمطاياك في كل أرجاء المعمورة ودخلت في أرقى أخاديد البذاءآت والسفالات غوراً  .

 

جواد غلوم

خريج كلية الآداب/جامعة بغداد / قسم اللغة العربية لعام 1974-1975. عمل في التدريس بعد التخرج لغاية العام/1990 وفي الصحافة وهو طالب في الجامعة ونشرت في معظم الصحف والمجلات وقتذاك. سافر إلى خارج العراق بسبب الاضطهاد وظروف الحصار وعمل خلالها أستاذا في الأدب العربي/ ليبيا. عاد للعراق سنة/2004 وينشر في العديد من الصحف الورقية والالكترونية. ولديه اربع مجموعات شعرية مطبوعة وكتابان بعنوان / مذكرات مثقف عراقي أوان الحصار، و قطاف من شجرتَي الادب والفن وهي مقالات في النقد الادبي .

jawadghalom@yahoo.com

 

معكم هو مشروع تطوعي مستقل ، بحاجة إلى مساعدتكم ودعمكم لاجل استمراره ، فبدعمه سنوياً بمبلغ 10 دولارات أو اكثر حسب الامكانية نضمن استمراره. فالقاعدة الأساسية لادامة عملنا التطوعي ولضمان استقلاليته سياسياً هي استقلاله مادياً. بدعمكم المالي تقدمون مساهمة مهمة بتقوية قاعدتنا واستمرارنا على رفض استلام أي أنواع من الدعم من أي نظام أو مؤسسة. يمكنكم التبرع مباشرة بواسطة الكريدت كارد او عبر الباي بال.

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  

  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
  •  
©2024 جميع حقوق الطبع محفوظة ©2024 Copyright, All Rights Reserved