"من يوقف هذا التناقض الحديث"
يأتي كتاب "من قتل مدرس التاريخ" للكاتب فراس حج محمد- والذي يتكون من شقين، الأول مقالات مختارة تتعلق بحادثة مقتل مدرس التاريخ في فرنسا والسلطان عبد الحميد الثاني، والقسم الثاني أشعار كتبت في مدح الرسول ( صلى الله عليه وسلم)- في وقت تعيش فيه الدولة الفرنسية أزمة التناقض بين ما تشيعه من مبادئ تتعلق بالحرية بكل أشكالها وبين ما تفعله من تضييق الخناق على المسلمين، فهم غير خاضعين لتلك المبادئ، فالمبادئ التي تدعمها الحرية الفرنسية هي تلك التي تدعو إلى المثلية أو ازدراء الأديان أو العري، أما غير ذلك فهو غير وارد، وتبذل لذلك حججاً واهية من محاربة الإرهاب، وليس كأنها دولة استعمارية قتلت ملايين الشهداء في الجزائر وشردت وقتلت الكثيرين في القارة الإفريقية .
وللأسف يتبنى تلك الفكرة بعض أبناء جلدتنا من تحميل كل جريمة- ولو كانت شخصية- فكرا متطرفا في محاولة إقناع أن للإسلام دوراً في ذلك، فقد صدف أن دخلت في حوار على مائدة طعام مشتركة برفقة زميلات في العمل فتم الإشارة إلى ما حصل مع مدرس التاريخ باعتبار أن المسلمين يسيئون إلى الغرب . يومها قلت لماذا لا يتم اعتبار كل جريمة يقترفها مسلم هي جريمة ذاتية ولا يحملها الإسلام، لماذا يجب على المسلم أن يكون بلا كرامة حتى يعجب به من هم طغاة، مع أن المجتمع الغربي فيه سجون، وفيه قضايا جرائم كبيرة، أم أن سلاسل السفاحين التي قرأنا عنها ونسمع عنها مثل "زودياك" هي قصص خيالية، لماذا لا يتم تحميل مسؤولية ذلك للديانة، يقتل مئات المسلمين في الصين والهند ومع ذلك لا يقال عنهم "إرهابيون"، ويقتل الإحتلال مئات الفلسطينيين لمجرد الاشتباه فقط، ويعتقل الأطفال وتهدم البيوت وتسرق الأراضي ثم تعقد اجتماعات ومؤتمرات لمكافحة الإرهاب الإسلامي مع أن المسلمين لم يشنوا الحرب العالمية الأولى والثانية التي راح ضحيتها ملايين البشر، ولم يكن لهم باع في صناعة الأسلحة الفتاكة والمحرمة دوليا والنووية فلم يكن من ألقى القنبلة النووية على اليابان هو مسلم دفعته ديانته لذلك ولم يصنع المسلمون الأسلحة الجرثومية وينشروا الفيروسات، بل بالعكس هم أناس مسالمون اكتشفوا أكم هذا العالم مليء بالشر، ويشير الكاتب إلى اندفاع بعض الروائيين إلى تصديق مقولة الغرب مثل الكاتب واسيني الأعرج الذي أبدى رغبة في حضور حفل تأبين مدرس التاريخ الذي قتل على يد شاب شيشاني عندما قام الأول بعرض رسوم مسيئة للرسول من باب حرية التعبير، فيقول الكاتب " فراس حج محمد" في تعليقه على تلك المشاركة : "ليس الأمر بهذه السهولة وبهذا التبسيط المخل تاريخيا لم يصل المسلمون إلى هذا الوضع لأنهم عشاق دم وإرهاب وإنما هناك من يدفعهم ليكونوا كذلك، سلسلة الاستفزازات اليومية والإعلامية والسياسية لا تريد للمسلم إلا بالع شتائم وإهانات وإنسان مشارك بشتم الحضارة الإسلامية"، ولكن حرية التعبير تلك وقفت أمام الاساءة إلى ماكرون شخصيا والذي اعترض على نشر صورة مسيئة له، وقد يقوم برفع قضية ويكسبها ولكن ما الحكمة من نشر صور لنبي، وإذا فكرنا بمنطق من لا يؤمنون به فهو على الأقل إنسان انتقل غلى رحمة الله منذ ألف وأربعمائة سنة فلن يملك رفع قضايا ضد الإتهامات المسيئة بحقه والتي ليس لها مكان أو دليل، ويشير الكاتب إلى تعمد ترجمة الصحيفة تلك الرسومات باللغة التركية، ليردوا على السلطان العثماني"عبد الحميد الثاني"، فيلمح الكاتب إلى أن الحقد في القلوب لا يزول وأنهم لا ينسون فيقول : "وكيف ينسون وقد ضرب (غوروا) قبر صلاح الدين بعد قرون طويلة من موته وقال له ( ها قد عدنا يا صلاح الدين) عندما دخل الفرنسيون سوريا في بداية عصر الاستعمار الحديث(1920م)"، فلماذا إذا ينكرون على المسلمين أنهم لا ينسون قادتهم ولا تاريخهم العريق وتنبري أصوات تتهموهم بالرجعية، وربما يكمن خوف القادة الفرنسيين من تأثير الإسلام على المرأة ففي مقابلة تلفزيونية أشار نائب أنه قيم الجمهورية تضرب فهناك عدد كبير من النساء يظهرن بملابس محتشمة وليس البكيني رغم أن ملابس القرن الثامن عشر تظهر بكثير من الوضوح الاحتشام في الملابس والتي كانت تغطي الجسم كاملا .
ومهما يحاول الجهلاء النيل من النور الذي سطع على الأرض منذ 1400 عام، فلا يمكن ذلك ذلك، لأن الشمس لا تغطى بغربال، ويقول الشاعر والكاتب فراس في مدح رسول الله :"
رضع الجهالة حاقد مأفون *** يصدى بفكر، قد علاه جنونُ
متطاولا في حجب نور ساطع *** شع البقاع فجاوبته حزونُ
خسئت ظنون العابثين بفكرنا *** هذا النبي معلم ومعينُ