تحية لرابطة المرأة العراقية في الذكرى (69)
المطر: كشخصية سالبة
يتجاور النصان في الترتيب الطباعي( صمت) في ص101 و(ينتظرون طفولتهم) في ص102 ومنصة انطلاق النصين هو نص( مطرٌ... لا غيث) في ص62 . والنصوص الثلاثة ضمن الذخيرة الشعرية في (امرأة من رمل) المجموعة الشعرية الأولى للشاعرة بلقيس خالد..
(*)
التجاور الثاني هو تجاور المهيمنة وتجاور الختام
في (صمت) يحاول الصبية التحرر من كل عبوديات حياتهم بالتطهر فهي عبوديات لا تختلف عن النجاسة، واللقطة الشعرية ترّكز على المطر والأفواه :
(يغسلون أصواتهم
بأفواه ٍ
مفتوحة، تحت حنفيات
السماء)
نلاحظ أن المشهد، لا يعلن سوى تواجد هذه الحزمة البشرية في الشارع . والمحذوف هنا هو الآخرون !! هل بحذفهم تريد القصيدة تعويض الصبية المحذوفين في الوجود من الوجود ؟
ونلاحظ أن النص يتمرد على المألوف، فالصبية لا يغسلون أفواههم
بل أصواتهم !! والمحذوف في النص يستفز القارىء للبحث عنه.. ربما ثمة صدأ متراكم في ألسنتهم ؟ والسؤال ليس من أين جاء الصدأ ؟ بل من المتسبب في هذا الصدأ ؟ الجواب نجد في ربما في السطور الاخيرة :
(فجأة ً...
هبط الصمت
ارتجفت منه
: المدينة)
السؤال أيضا أين كان الصبية قبيل المطر؟ الجواب يتكفله تلقي الصدمة لدى القارىء .
(*)
في قصيدة (ينتظرون طفولتهم) تتوقف قراءتي لدى المرقمة الثانية
(أرى عويل الأرامل
مطراً
على جباه
الأطفال الكادحين)
إذا كان المطر في قصيدة (صمت) من الأعلى إلى الأسفل، فأن المطر في المرقمة الثانية أفقي المسار .
(*)
في قصيدة (صمت) يغسلون أصواتهم . هنا يمكن رؤية العويل بالعين المجرد ويمكن رؤيتهم مطراً لا يسقط على الأرض بل يكون صبيبهُ على جباه الاطفال . ولكن ليس الأطفال عموماً بل الأطفال الذين عليهم أن يعيلوا عوائلهم. نتوقف عند مفردة مطر وهي تنتسب لمفردة مطر ضمن السياق القرآني . وأفضل بينة لدينا هي قصيدة ( مطرٌ ... لا غيث) التي تستقبلنا بهذه الصورة العراقية للبيوت المحذوفة من خيرات العراق :
(سقوف الدار : تبكي
النتروجين يغذي الجروح
فتزداد.. كلما برق الغيم أتساعاً
تهالك الأسمنت متساقطا
على كتب ٍ تحكي ثراء البلاد
بترول..
نخيل..
أنهار..
وشعبٌ منذ فجر الخليقة
يتناسل فيه العوز..)
(في ثراء البلاد : نسكن بيوتا/ دموع سقوفها
تعزف على هندسة الأواني سيمفونية المطر)
ثم يحيلنا النص إلى المعرفيات الكبرى والفقر المدقع
الذي يخشى من المطر خشية من خصيم حقود
وتكون الذات بين قوسيّ : غفوة الأمل/ خشية العيون
(هذه الموسيقى على همسها تغفو آمالنا
وتخشى عيوننا الغفوة حتى لا تداهمنا
الكوابيس...
سقوف..
سقوف..
سقوف مجرّحة : ترتجف تحت سياط الريح الماطر
وتحت السقوف الغزيرة الدموع
كتب تحكي ثراء البلاد
ومنذ فجر الخليقة
: ثراء
وعوز../ 64/ امرأة من رمل )
(*)
(صمت)
(خرج الصبية
تحت المطر
يرقصون
يغسلون أصواتهم
بأفواه ٍ
مفتوحة ٍ
تحت حنفيات السماء..
فجأة...
هبط الصمت
أرتجفت منه
: المدينة
............... )
(ينتظرون طفولتهم)
(عندما ولدوا بكوا طفولة ً
لم تلد معهم
حلماً كان حضن الأم
حين أفزعهم الكابوس
وهو يكتبهم حكاياتٍ داميات ٍ
على سطور الشوارع
-2-
أرى عويل الأرامل
مطراً
على جباه
الأطفال الكادحين
-3-
تلفظهم الأرحام
فيرتشفون كأس النور
وهم يكتبون
على سواد الوطن
تاريخ ممحاة طفولتهم
-4-
تمطرهم السماء
أغصاناً معلقة ً في الهواء
بِلا شجرٍ أو جذور
أغصان : لا تعرف إلى أي فصيلة تنتمي
ولا أي ثمرٍ ستطرح
أغصان : كالشموع يحترقون على أسفلت الشوارع
................)
(مطرٌ... لاغيث)
-1-
سقوف الدار: تبكي...
النتروجين يغذي الجروح
فتزداد
كلما برق الغيم أتساعاً
تهالك الأسمنت متساقطا
على كتبٍ تحكي ثراء البلاد
بترول..
نخيل..
أنهار..
وشعبٌ منذ فجر الخليقة
يتناسلُ فيه العوز
فيولد الأمل
وهو يرجم البؤس
بالكلمات الساخرة
-2-
في ثراء البلاد
: نسكن بيوتا/ دموع سقوفها
تعزف على هندسة الأواني سيمفونية المطر
: تك
تاك
تكتك
تاك
.....
.........
.....
هذه الموسيقى على همسها تغفو أمالنا
وتخشى عيوننا الغفوة حتى لا تداهمنا
الكوابيس.. سقوف سقوف سقوف
مجرحة: ترتجف تحت سياط الريح الماطرة
وتحت السقوف الغزيرة الدموع
كتب ٌ تحكي ثراء البلاد
ومنذ فجر الخليقة
ثراء وعوز)
*بلقيس خالد/ امرأة من رمل/ دار الينابيع/ دمشق/ ط1/ 2009