قصة نجاح وسعت العالم كله، قصة ابداع يتنقل بين العواصم الاوروبية، ليسجل بصمات معمارية في فن العمارة الحديثة بأشكالها، انسيابية درامية لا تعترف بزوايا أو حدود.
قصة النجاح هذه بطلتها امرأة من الشرق اسمها زها حديد، المعمارية المعروفة، التي تجوب العالم لكي تحقق حلما بدأ في بغداد، مدفوعة بعزيمة تجعلها قادرة على هد الجبال، وتفكيك المصاعب، لتصبح اليوم من رواد مدرسة قائمة بذاتها. مدرسة لا انتظامية قائمة على التفكيك، يساهم فيها أمثال بيتر ايزمان وريم كولهاس وفرانك غيهري ودانيال ليبسكيند وبرنارد تشومي وغيرهم، تدعو الى انعدام التوازي والتقابل في الخطوط والاشكال من أجل تحقيق اشكال درامية، بل وفنية. زها حققت الكثير إلا أن أهم إنجازاتها هي تلك التي لم تنجز بعد، ولا تزال في مخيلتها أو سجينة رسوم ديناميكية لم تعرف طريقها إلى الملموس، وإذا كانت الأسماء تشي بصفات أصحابها، فإن زها حديد بالفعل امرأة من حديد، وإلا لما استطاعت فرض وجودها في عالم معروف بصعوبة اختراقه حتى على الرجال، فما بالك بامرأة، ومن الشرق. في عام 2002 فازت بمسابقة التصميم الاساسي لمشروع «ون نورث» في سنغافورة، وفي عام 2005 فازت بمسابقة تصميم كازينو مدينة بازل في سويسرا. وفي عام 2006 منحتها الجامعة الاميركية في بيروت درجة الدكتوراه الفخرية تقديرا لمجهوداتها اضافة الى حصولها على وسام الامبراطورية من رتبة كوماندور، هذا علاوة على انها دخلت تاريخ فن الهندسة المعمارية من اوسع ابوابه، حين حصلت على جائزة بريتزكر للعمارة، وهي بمثابة جائزة نوبل للعلوم والاداب، لتكون أول امرأة تفوز بها في العالم. مؤخرا تردد اسمها من جديد حين اقترن بمعرض «شانيل» المتنقل الرحال، هذا المعرض الذي يجمع اعمال 18 فنانا استقوا ابداعاتهم من حقيبة شانيل المبطنة، ويتنقل بين العديد من دول العالم: من هونغ كونغ الى طوكيو ومنها الى نيويورك فلوس انجليس ولندن وموسكو ليصل باريس في عام 2010 مؤطرا بإبداعها.
«الشرق الأوسط» أجرت حوارا نادرا مع زها حديد المعروفة بزهدها في الأحاديث الصحافية، وتحدثت معها عن بداياتها ونشأتها وأعمالها.
بدأت زها حديثها معنا بتلقائية، فتكلمت عن مشوارها الملهم العامر بالتحديات وتكسير القوالب النمطية، سواء على المستوى العملي أو الإنساني:
لنتحدث عن البداية، ما هي الشرارة التي جعلتك تهتمين بالهندسة المعمارية؟
ـ أتذكر، وأنا طفلة لا يتعدى عمرها السادسة أن والدي اصطحباني إلى معرض خاص بفرانك لويد رايت في دار الاوبرا في بغداد، وأذكر أنني انبهرت حينها بالأشكال والأشياء التي شاهدتها. فقد كان والداي شغوفين بالمعمار، لكن من بعيد. كما أذكر إجازاتنا في منطقة الأهوار، جنوب العراق، التي كنا نسافر إليها عبر مركب صغير، كنت انبهر بطبيعتها، وخصوصا بانسياب الرمل والماء والحياة البرية التي تمتد على مرمى العين، فتضم كل شيء حتى البنايات والناس. اعتقد ان هذا العنصر المستوحى من الطبيعة وتمازجها مع العالم الحضري، ينسحب على اعمالي، فأنا احاول دائما التقاط تلك الانسيابية في سياق حضري عصري. وحين درست الرياضيات في بيروت، ادركت ان ثمة علاقة تربط بين المنطق الرياضي والمعمار والفكر التجريدي.
ذكرت ان والديك كانا مهتمين بالمعمار بشكل غير مباشر، لكنك أساسا تربيت في بيت سياسي، ما مدى تأثير الجو العائلي عليك؟
ـ تلقيت تربية عصرية في العراق، واستفدت من تربية والدي المستنيرة لي ودعمهما غير المشروط، كانا ملهمين كبيرين لي، ويمكنني القول أن حماسهما هو ما أيقظ طموحي، كما ان تشجيعهما لي علمني ان أثق بإحساسي مهما كان غريبا.
بعيدا عن تأثير الوالدين بمن تأثرت زها حديد معماريا؟
ـ تأثرت تأثرا كبيرا بأعمال أوسكار نيمايير، وخاصة احساسه بالمساحة. ابداعه وإحساسه هذا بالمساحة فضلا عن موهبته الفذة كلها عناصر تجعله متميزا ولا يعلى عليه، فأعماله هي التي الهمتني وشجعتني على ان أبدع اسلوبي الخاص مقتدية ببحثه على الانسيابية في كل الأشكال.
- هل فكرت في البداية انك ستحققين كل هذا النجاح العالمي؟
ـ أنا بطبعي شخصية قوية وأتمتع بإرادة قوية لا تضاهيها إلا قوة طموحي. لا أنكر أنه مرت علي لحظات شعرت فيها بإحباط شديد، لكنها لم تدم طويلا، والفضل في هذا يعود إلى طبعي المتفائل، وإحساسي بأني سأخرج من الحالة بطريقة ما. علمتني التجارب انه علينا تغيير أسلوب تفكيرنا بين الفينة والأخرى لتناسب اللحظة التي نعيشها.
البعض يرد نجاحه إلى الموهبة والبعض إلى الكفاءة والمثابرة، إلى ماذا يعود نجاح زها حديد، هل كان لهويتك العربية أي دور؟
ـ لا، أعتقد ان نجاحي يعود إلى شيئ
عن الشرق الأوسط